الاغتراب في مجموعة ” الحاجة ” إلى البحر لـ” أمين دراوشة “

رائد محمد الحواري | ناقد فلسطيني

عندما يعكس الأدب حالة الاضطراب التي يمر بها الإنسان، فإن هذا مؤشر على هناك من يكتب من الواقع، لكن بما أننا في غالبيتنا نعاني، فإننا (نهرب) إلى الفرح، من هنا تجدنا لا نرغب الأدب القاسي والمؤلم ولا نريده، لهذا على الكاتب/القاص أن يجد مخارج/طريقة يوصل فيها مضمون الألم بأقل الأضرار، فكيف استطاع القاص “أمين دراوشة” أن يقدم فكرته قاسية في مجموعة “الحاجة إلى البحر؟.

حجم القصص القصير أسهم في تخفيف من حدة القسوة، فالمجموعة بمجملها جاءت من خلال سبعين صفحة، كما أن حجم القصة الواحدة لا يتعدى الصفحتان ـ إذا ما استثنينا قصة “أشواك”، خمس صفحات ـ وهذا أتاح للقاص أن يقدم فكرته بأقل عدد ممكن من الكلمات والأحداث.

كما أن البساطة والسهولة التي استخدمها القاص، أسهمت في قبول القارئ للفكرة، وإذا تتبعنا المجموعة، نجد القاص يستخدم اللغة العادية، اللغة التي نتداولها فيما بيننا، فهناك الكثير من القصص تعكس الثقافة الدينية التي نستخدمها في حدثينا/كلامنا، مما سهل وصول الفكرة لنا.

وبما أن القاص يعالج الكثير من القضايا الاجتماعية التي نعانيها ونمتعض منها، فأنه (شفى) صدورنا، ولبى رغبتنا في كشف الفساد والمفسدين، من هنا نقول أن المجموعة من ناحية فنية استطاعت أن تقدم مادة قاسية بطريقة سهلة ومقبولة، وهذا يحسب للقاص “أمين دراوشة”.

سنحاول أخذ نماذج من المجموعة لتبيان ما جاء سابقا، فنجد الاغتراب/القسوة في فاتحة القصص، جاء في بداية قصة “النحلة”: “يحدق في المرآة ثم يبصق. يا للجحيم” ص13، وجاء في قصة “الاختيار”: “يسير بلا عناية، تائها بحلم بشيء يغير مجرى حياته” ص14، وفي قصة “المهاجر”: عجز عن استيعاب سبب فراره من الجنة إلى الوحل منذ سبع سنوات وهو غارق حتى جبهته في القذارة” ص36، مثل هذا الفواتح بالتأكيد مزعجة للقارئ، وتجعله ينفر، لكن بما أنها جاءت بلغة أدبية، فإنها جعلته يشعر بأنها تعبر عما فيه من الألم، بمعنى أن القارئ يشعر بأن “أمين دراوشة” يعبر عنه، يتكلم بصوته، بألمه.

ونجد الثقافة الدينية حاضرة في الكثير من القصص، جاء في قصة “حثالة”: “أرتد بصرها خائبا، وخاسئا،” ص26، وفي قصة “صداقة” وتتوهون في غياهب الجب سنسن لا عد لها/ سر، فقد وضعنا عنك وزرك، ووسعنا عيشك، وشرحنا لك صدرك، قم فأنذر” ص46و47، وفي قصة “لذة الألم”: “حي على الفلاح” ص48، بهذه اللغة قربنا القاص من المجموعة، كما أنه الطريقة الأدبية التي جاء بها التناص مع الآيات القرآنية والثقافة الدنية كانت جميلة وناعمة، وبما أنها كانت تخدم فكرة القصة، كل هذا جعل المضمون القاسي يصل بأقل الأضرار.

نحن المظلومين بحاجة إلى تعرية الفساد والمفسدين، فعندما نجد من يتحدث عن هذا الأمر، فإننا نشعر بالراحة، فهناك من يتحدث عنا وبهمومنا، في مجموعة “الحاجة إلى البحر” يعري القاص المنظومة الصحية والطريقة (الوحشية) التي يُعامل بها المواطن، في قصة “بلاد العقلاء” نجد (طبيب) همجي يتعامل مع المرض وأهل المريض وكأنهم دون البشر: “… وبعد عمل الصورة غالية التكاليف، ألقى الطبيب. المعتد بنفسه، نظرة على الصورة وقال: وقد بانت على محياه ابتسامة الانتصار، كما قلت توقعت، ليست هناك أية فائدة منه، فلا تضيعوا أموالكم هباء، ثم هرول إلى خارج الغرفة، حيث المرضى المتكدسون وأخذ بالصراخ، أنا لن أعمل بعد الآن، أنا لم أنم منذ ثلاثة ايام،، أنا سأستقيل، أنا..” ص5، فمثل هذا المشهد ـ رغم قسوته ـ إلا أنه يلبي رغبة القارئ في كشف (الخلل) في طريقة تعامل الجهاز الصحي الرسمي مع المواطن.

 

يستوقفنا عدم وجود قصة تحمل عنوان المجموعة، فقد جعله القاص آخر فقرة في قصة “بلاد العقلاء” التي تتحدث عن الطفل الذي قال عنه الطبيب “لا فائدة منه” فيسافر والده إلى “بلاد العقلاء” وهناك يصعد ابنه على الشجرة، مما يجعل معلمته تبكي خوفا عليه، لكن والده يقول هذه الفقرة : ” سيهبط حين يشعر بالحاجة إلى البحر” ص7، واعتقد أن هذا له علاقة بالرمز، فالقاص أراد لمجموعته أن تأخذ فضاء أوسع، ولم يرد حصرها/تحديدها باسم قصة، لهذا اختار هذا العنوان الأدبي والذي يأخذ القارئ إلى التخيل والتحليق.

المجموعة من منشورات مركز أوغاريت الثقافي، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 200

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى