الغايات البلاغية من ضرب الأمثال في السنة النبوية        

رحاب عبد المنير| باحثة في البلاغة والنقد – جامعة الأزهر 

كانت الأمة العربية دائماً ترمي الي الإيضاح والبيان وإزالة اللبس في كلامهم الذي يعبرون به عن مختلف المواقف والأحداث وقد كان ضرب الأمثال من أهم الأساليب التي يلجأ إليها العرب من أجل الوصول الى الغرض المنشود وإصابة المعني المراد من كلامهم فلا تخلو خطبة ولا قصيدة عربية مشهورة إلا ونجد صاحبها قد ضمنها مثلاً رائعاً.

والسؤال الآن: ما المقصود بالأمثال ؟

أما عن المقصود بها لغويا فالعرب تقول مِثل بكسر الميم بمعني الشبية والنظير ومنه قوله تعالى: “ليس كمثله شيئ” أي ليس له نظير وتقول مَثل بفتح الميم بمعني الصفة ومنه قوله تعالى: “مثلهم في التوراه ومثلهم في الإنجيل” أي صفاتهم ويعرفه أهل الأدب بأنه ” قول مأثور موجزله مورد ومضرب”.ومعني المورد هو الحالة الأولي التي قيل فيها المثل،والمضرب هوكل حالة مشابهة للمورديقال فيها المثل.

ومن الأمثال الواردة عن العرب قولهم: “الصيف ضيعتِ اللبن” ومورد المثل هو أن شيخا كبيرا يدعي عمرو بن عدس تزوج شابة صغيرة وكان يتمتع بالغنى والجاه ولكن زوجته كرهته بسبب كبر سنه فطلقها فتزوجت من شاب فقير فأرسلت إلى عمرو تطلب منه أن يعطيها شاه حلوب بسبب فقر زوجها فرفض وقال: “الصيف ضيعتِ اللبن”   والمعنى أنها أضاعت ما كانت تعيش فيه من جاه ومال، وصار كلامه هذا مثل يضرب في كل من يضيع خيراً أتاه بسبب طمعه وقلة رضاه وهذا من قبيل تشبيه المضرب بالمورد فالأمثال أساليب غايتها التشبيه ومهمتها البلاغية الإيضاح والكشف والبيان فالمثل يضرب ليوضح ويكشف عن معاني ودلالات تخفي وتلتبس هذه المعاني والدلالات على السامع في المضرب وتكشف وتتضح بالرجوع إلي المورد لذا يقول الله معللا الغاية من ضرب الأمثال: “ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون”.

ولم تخلُ السنة النبوية من ضرب الأمثال فالأمثال النبوية هي التي نطق واستشهد بها النبي محمد – صلي الله عليه وسلم – في كلامه وبيانه النبوي. ومن الأمثال الواردة في بيانه النبوي الشريف ماورد أنه – صلي الله عليه وسلم – كان بالسوق فمر بجدي ميت أسك قال: “أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم” فقالوا: مانحب…..، ومانصنع به……؛  فقال – صلي الله عليه وسلم-  “فو الله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم”.  فالغرض من الحديث هو بيان وكشف وإيضاح أن الجدي الميت الأسك الذي لا يتسارع أحد عليه أكبر قيمة من الدنيا وجاء الحديث بأسلوب ضرب المثل لغرض توضيح هذا المعني وتقريبه.

ومن الأمثال الواردة عن النبي أيضا قوله : “أرئيتم لوأن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمساً هل يُبْقي من درنه شيئاً” قالوا: لا يبقي من درنه شيئاً قال كذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا” فهو يريد منك أن توازن بين حالتك قبل الاغتسال وبعده حتي تعلم الفرق بين حالة الوسخ والنظافة؛ وكذلك فهو يريد أن يخبرك بأثر وفضل الصلاة عليك وأن توازن بين حالك إذا قمت بتأديتها في وقتها وحالك إذا تكاسلت عنها فلا تنتظر من تكاسلك الذنوب فقط ولكن انتظر وسخ ودرن وضرب المثل في الحديث كشف كل هذه المعاني والدلالات.

ومن عبقرية النبي في إستخدام ضرب الأمثال أنه كان يستدعي أمثال قالتها العرب في الجاهلية ليصحح مافيها من مفاهيم خاطئة ومنه قوله: “انصر أخاك ظالماً أو  مظلوماً”هذا حديث ورد عن النبي وهو أيضا مثل كانت العرب تؤمن به، فقال صحابي ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً وكأنه يريد أن يقول هل المعنى كما كنا نعتقد في الجاهلية  فصحح – صلي الله عليه وسلم – المفهوم وقال: “ترده عن ظلمه”.

والغايات البلاغية من الأمثال النبوية لا تقف عند التشبية بغرض الإيضاح والكشف والبيان فقط؛  كما في الأمثال الواردة عن العرب وإنما بجانب ماسبق فقد اشتملت على أسرار وغايات أخري أهمها تصحيح المفاهيم للأمة وتقريب المراد وتوضيح المعني وتفصيله، وإيثارة النفس فالمثل يوقظ نفس المتلقي لكي يفهم المراد من الكلام ويربي العقل علي التفكير السليم حتي يصل إلي الحكم والأسرار والغايات من بيانه  – صلي الله عليه وسلم –

ولما كانت كل هذة الأسرار والحكم البلاغية يمكن إستحضارها من خلال ضرب الأمثال إذاً ففي أي باب من أبواب علوم البلاغة تندرج الأمثال؟ والجواب أنه يدخل تجت باب الاستعارة التمثلية ففي المثل نشبه المضرب بالمورد، ونحذف المورد (المشبة)، ويتم التصريح بالمضرب (المشبه به) فهو إذا من قبيل الإستعارة التمثليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى