الأديب الجزائري خيري بلخير وفيروز بشير شريف وجها لوجه

القاص و الرّوائي الجزائري خيري بلخير:

أؤمن أنّه من المحليّة ذات البعد الإنساني نصل إلى العالميّة

ضيفنا هذه المرّة هو القاص و الرّوائي الجزائري بختي بلخير، ابن الجزائر العميقة عين الصّفراء، خرّيج المدرسة العليا للأساتذة، تخصّص كيمياء. يشتغل أستاذا مكونا لمادّة الفيزياء في التّعليم المتوسّط. له رواية منشورة بعنوان نخلة الوجع، وسبق له الفوز بجائزة عبد الحميد بن هدّوقة للقصّة القصيرة (2006)، بالإضافة إلى ذلك حازت روايته “نبوءات رايكا” الصّادرة عن دار خيال للنّشر و التّرجمة بجائزة أسيا جبّار للّرواية المكتوبة باللّغة العربيّة (2019).

***

– منذ متى بدأت رحلة الأستاذ خيري بلخير مع الكتابة؟
.بدأت رحلتي مع الكتابة من أيّام الثّانوي، ربّما يوم علّقت أستاذة اللّغة العربيّة على قصّة كتبتها وخطت لها ملاحظة مستفزّة “قصّة رائعة و لكن….؟” أذكر أنّ قصّتي استلهمتها من اللّحظات الأخيرة للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في مستشفى كيندجز كوليدج بلندن. تلك الـ”لكن” كان لها طاقة رهيبة لأثبت أنّي كتبت القصّة لوحدي، أمّا الانتساب الحقيقي لمعشر الكتّاب كان يوم فزت بجائزة للقصّة أيّام الجامعة. من يومها لم أستطع على الكتابة صبرا.

***
– رواية نبوءات رايكا المتوّجة بجائزة آسيا جبّار للرّواية المكتوبة باللّغة العربيّة (2019) هي عملك الرّوائي الثّاني، بعد إصدارك لرواية نخلة الوجع. حدّثنا عن شعورك بعد علمك بفوز روايتك نبوءات رايكا بالجائزة؟وماذا عن تجربتك مع دار خيال للنشر و التّرجمة علما أنّها حديثة العهد في ميدان النّشر؟
.تحضرني كلمات للكاتب العالمي إبراهيم الكوني: “الجائزة حليفة الحظ،والحظ رهين الشّيطان.”
الجائزة تساعد على الانتشار واهتمام النّقد و التّرجمة،لكن لحدّ اللّحظة هذا ثاني حوار لي مع منبر ثقافي. لنقل: “لم يئن بعد الأوان بعد للجنوبيّ. “أمّا فيما يخصّ دار خيال للنّشر والتّرجمة فسأغتنم الفرصة لتقديم وافر الشّكر والامتنان للقائمين عليها لترشيحهم رواية نبوءات رايكا لمسابقة جائزة آسيا جبّار للرّواية المكتوبة باللّغة العربيّة وكذلك أذكر جمعيّة صافية كتّو الّتي تكلّفت بالنّشر.

***
– من اطّلع على ما جاء في رواية نبوءات رايكا سيشعر بأنّك تأثّرت إلى حدّ ما بالأديب العالمي نجيب محفوظ، ذلك أنّك انطلقت في روايتك نبوءات رايكا من بيئتك المحليّة و ما فيها ووصلت بها إلى القرّاء،ونجيب محفوظ كما نعلم جميعا انطلق بدوره من بيئته المحليّة ووصل بعد صبر وعمل إلى العالميّة.السّؤال الآن.. هل ما قلناه يبقى مجرّد تخمينات،أم أنّك فعلا تأثّرت بالرّوائي و الكاتب المصري نجيب محفوظ، وتنوي السّير على خطاه وذلك بالانطلاق من بيئتك المحليّة وواقعك المعيش في أعمالك الرّوائيّة القادمة أيضا؟
.أؤمن أنّه من المحليّة ذات البعد الإنساني نصل إلى العالميّة،ونجيب محفوظ نعيش معه في حارات القاهرة، ونقف في مزاراتها، نجلس في مقاهيها، ونراقب حرافيشها وفتوّاتها، لكن نصّي كان له أكثر من مدينة،وقد حاولت بذلك تجاوز المحليّة.الجدّة الياقوت مثلا في رواية نبوءات رايكا ،مغربيّة الأصل، كذلك أشرت في الرّواية لأحداث مقالا الدّامية “من حسن الحظ أنّ العزيز رحّل إلى تندوف، لأنّ العلاقات بين الملك الحسن الثّاني والرّئيس الهواري بومدين كانت متأزّمة، حتّى وإن كان الشّعب واحد و الرّب واحد.”ص.33
كذلك كان للبعد العربيّ حضور في الرّواية، وذلك من خلال شخصيّة نضال الحسيني،ورمزيّة حنظلة،أمّا عن البعد العالمي فلقد كان من خلال تنبّؤات رايكا: “الحرب قرّبت بين الأمريكان و السّودان، وعليها ستقوم السّاعة.”ص90 كما أنّه آخر لقاء بين نضال والعربي في الرّواية كان في العاصمة التّايلنديّة بانكوك.

***
– هل فيه تشابه بين شخصيّة العربي في رواية نبوءات رايكا،وبين شخصيّة خيري بلخير في الواقع؟
.العربي لا يشبهني و إن أورثته شيئا منّي رغم أنّي حاولت طمس ذلك، هو الآخر جعلني أقلّد حركات يده المعقوفة و مشيته أمام المرآة. لا أعلم إن كنتم لاحظتم ذلك أم لا لكن روايتي نفسيّة عالجت فيها ثيمة التشوّه الجسدي و النّفسي”المرآة المكسورة، الكاريكاتير، الأوريغامي.”
“لكن كلّما تطلّعت لمرآتي انعكست روحي المعذّبة.” ص20 ويمكن القول أنّ شخصيّة العربي تتقاطع مع بطل رواية السّراب لصاحبها الكاتب و الروائيّ العالميّ نجيب محفوظ.

***
– كتبت رواية نبوءات رايكا بلغة جميلة و مشاكسة، حيث مزجت بين اللّغة العربيّة و لهجتنا الجزائريّة بطريقة مبتكرة ومتفرّدة وانتصرت بذلك”لما تبيحه اللّغة لنفسها من تهتّك، وما يبيحه اللّفظ من الانقلاب على معناه.” على حدّ تعبير الرّوائي و الشّاعر السّوري الكردي سليم بركات في حوار أجري معه.حدّثنا أكثر عن الأمر.
.الرّواية هي جلد الرّواية كما يقال، وهي و سيلة لدفع الحبكة،طبعا جماليّة الفصحى لا تقاوم لكن اللّغة غير مقدّسة، وأحيانا يفرض على الكاتب الاستنجاد بالكلام العامّي، مثلا في نداء الباعة و أقوال حمزة المدّاح، كذلك ما كانت تقوله شخصيّة نرجس في الرّواية “لي ما عندهاش لاطاي تخلص لي زانبو.”ص197 بصراحة حاولت كتابة العبارة بهذا الشّكل “من لم تملك هذا القد الممشوق، فلتدفع الضّرائب.” لكن وجدتها ثقيلة على لسان مومس منتشيّة.

***
-ماذا تعني للأستاذ خيري بلخير هذه العبارة”الكتاب الأكثر مبيعا.”؟
.الكتاب الأكثر مبيعا أتذكّر بها مثلا باولو كويلو في الخميائي، أو جوان رولينغ، وفي عالمنا العربيّ الظّاهرة أقلّ، لكن أحسب أنّ الرّوائيّة أحلام مستغانمي تتصدّر القائمة بلا منازع. الظّاهرة مؤشّر جيّد على أنّ الكاتب وجد الخلطة السّحريّة للقارئ،رغم ذلك من النّادر أن ينافس هؤلاء الكتّاب على نوبل، أمّا زمن انتهاء صلاحية الخلطة السّحريّة لا يتعدّى جيلا أو جيلين كأغان ظهرت في الصّيف واختفت في الشّتاء، لكن يبقى الاستثناء في كلّ الفنون.

***
– هل فيه تحدّيات معيّنة واجهتك منذ بدأت رحلتك مع الكتابة؟وعندما نقولك”تهميش الجنوب الجزائريّ وكفاءاته.”بماذا سيعلّق الأستاذ خيري بلخير؟
.أنا الجنوبيّ على رأي الرّائع أمل دنقل،القاطن في باقي أرجاء الوطن أؤمن بأنّ النّص الجميل سينتصر لصاحبه ويكفينا فخرا أنّ البوكر العالميّة لهذه السّنة عادت لابن الجنوب الرّوائي الشّاب عبد الوهاب عيساوي عن راوية الدّيوان الإسبرطي، وسعيد خطيبي الحاصل على جائزة كتارا عن روايته أربعون عاما في انتظار إيزابيل. وعلى ذكر الكاتبة العالميّة إيزابيل إيبرهارت فلا بأس أن أنوّه بأنّ روحها ترقد بسلام في مدينة عين الصّفراء،مسقط رأسي وبوابة الصّحراء، وكنت قد أشرت إلى ذلك إن انتبهتم للأمر في رواية نبوءات رايكا.

***
– هل فيه مشاريع أدبيّة معيّنة للأستاذ خيري بلخير سترى النّور قريبا؟
.أشتغل على نصّ جديد على مهل. فترة العزل الّتي نشترك في عيش تفاصيلها هذه الأيّام فيها متّسع من الوقت للبحث و الكتابة، وكما لا يخفى عليكم الرّواية تعتمد على البحث أكثر من الموهبة، فالموهبة وحدها كما نعلم جميعا لا تكفي خاصّة حين يتعلّق الأمر بكتابة رواية.

***
– كلمة لقرّاء جريدة عالم الثّقافة بصفة خاصّة، وللقرّاء بصفة عامّة.
.أشكر جريدة عالم الثّقافة ومن يقومون عليها،لأنّها أوّل صرح عربيّ يقدّمني لقارئ من خارج الجزائر، وأتمنّى لها المزيد من التّوفيق، كما أغتنم الفرصة لأشكر قرّاءها خصوصا، والقرّاء عموما في كلّ أرجاء المعمورة.