فلسفة الجمال في التصور الإسلامي

 

أ.د/إبراهيم طلبه/أستاذ الفكر والثقافة الإسلامية

من الأمور التي فطرت عليها النفس البشرية حب الجمال بأنواعه: جمال النفس جمال الروح جمال المظهر جمال التصرفات والأفعال…. الخ . قال الغزالي رحمه الله: “كـل شيء جماله وحسنه في أن يحضر كماله اللائق به الممكن له، فإذا كـان جميـع كمالاتـه الممكنة حاضرة فهو في غاية الجمال، وإن كان الحاضر بعضها فله من الحسن والجمـال بقـدر مـا حـضر” 

وإذا كان الجمال هو كل شيء حسن ويدخل على النفس بهاءً وجمالاً فإن فلسفة الجمال في الإسلام أضافت أبعاداً أخرى للجمال وأكدت عليها فاقت بها الحضارة الغربية. ويمكن لنا أن نستجلي فلسفة الجمال في التصور الإسلامي من خلال عدة نقاط:

1/ كل جمال في الكون مأخوذ من الجمال الإلهي: وجمالـه سُـبْحَانَهُ علـى أَربـع مَرَاتِـب: جمـال الـذَّات، وجمـال الـصِّفَات، وجمـال الْأَفْعَـال، وجمـــال الْأَسْــــمَاء، فأســـماؤه كلهَــــا حـــسنى وَصِـــفَاته كلهَـــا صِـــفَات كَمَـــال، وأفعالـــه كلهَـــا حِكْمَـــة ومـــصلحة وَعـــدل وَرَحْمَـــة

ولذا عندما قال الصحابة – رضي الله عنهم هم للرسول صلى الله عليه وسلم : إن أحدنا يحب أن تكون نعله حسنة وثوبه حسنة قال لهم : إن الله جميل يحب الجمال.

2/ الوظيفة والمنفعة قبل الجمال الظاهر: وهو أن هذا الشيء الجميل يقوم بوظيفته ومنفعته التي وجد من أجلها وإلا لا يوصف بالجمال وإن كان جميلاً في ظاهره، لكنه قبيح لعدم قيامه بوظيفته. ومن أبرز الشواهد على ذلك اللباس فإن وظيفته الأساسية ستر العورة، ثم للزينة والجمال بعد ذلك؛ فإن لبست المرأة لباساً كاشفاً لعورتها أمام الأجانب فلا يكون جميلاً في فلسفة الإسلام الجمالية حتى وإن كان بأغلى الأثمان؛ لأنه فقد وظيفة الستر للعورة.

وهو نفسه – أي الفستان- إن لبسته زينة لزوجها مثلا يكون جميلاً لأنه حقق مقصد التزين للزوج واقرأ قول الله تعالى: ((يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير)) [سورة الأعراف:26]. أي وزينة فجاءت الوظيفة أولاً (ستر العورة) ثم الزينة ثانياً (وريشاً) .

وهذا مطرد في الشواهد القرآنية فيحدثنا القرآن عن الأنعام ووظيفتها ومنافعها ثم يرشدنا إلى جمالها: ((والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون)) [سورة النحل:5-6].

3/ تقديم الجمال المعنوي على الجمال الحسي: الجمال المعنوي في فلسفة الإسلام أعلى رتبة من الجمال المادي، فجمال الباطن قبل جمال الظاهر، وجمال السلوك والأفعال قبل جمال المظهر، ومن شواهد ذلك: ((ولا تنكحوا المشركات حتى يومنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو اعجبكم )) [سورة البقرة:221]. فلو أعجبك جمال المشركة الظاهر لكن يقدم عليه جمال المؤمنة الباطن بتقواها وطاعتها وكذا في الرجل.

4/ جمال الأفعال والتصرفات والسلوكيات: لا ينظر الإسلام للجمال مجرد إمتاع العين والبصر برؤية كل جميل، لكن يرتقي بمفهوم الجمال ليدغدغ مشاعر النفس الإنسانية بجميل التصرفات والأفعال، وهنا لا نستغرب عندما يصف النص القرآني الصبر بالجميل: ((فاصبر صبراً جميلاً)) [سورة المعارج:5]. وهو الصبر الذي لا شكوى معه وحتى الهجر: (( واهجرهم هجراً جميلاً)) [سورة المزمل:10]. وهو الهجر الذي لا أذية معه، وحتى الصفح ليس أي صفح (( فاصفح الصفح الجميل)) [سورة الحجر:85]. وهو الصفح الذي لا عتاب معه، وحتى سراح المرأة وتطليقها (( وسرحوهن سراحاً جميلاً )) [سورة الأحزاب:49].

إن هذه المعاني التي يقدمها الإسلام تفوق كل المظاهر الزائفة للحضارة الغربية التي تدعي الرقي؛ فإن الإسلام بتوجيهاته الجمالية يخاطب الأحاسيس والمشاعر، ويراعي العاطفة البشرية بتحفيز المسلم على جمال السلوك وجمال التصرفات وجمال الباطن، وجمال الظاهر، وما أحوج مجتمعاتنا إلى استحضار الجمال لنعبر بصدق عن ديننا وعظمته وشريعتنا وسماحتها  وقديما قال الشاعر العربي عمرو بن معدي كرب:

ليس الجمالُ بمئزرٍ

فاعلم وإن رُدِّيتَ بُردا

إِنّ الجمالَ معادنٌ

وَمَنَاقبٌ أَورَثنَ مَجدا

وصدق من قال: 

ليس الجمال بأثواب تزيننا     إن الجمال جمال العلم والأدب

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى