قراءة في قصيدة “حيث أراك سنا” للشاعر الفلسطيني سائد أبو عبيد
بقلم: محمد الجهالين
أولا: نص القصيدة:
لِصَبَاحٍ أَشهَى
بِامرَأَةٍ مُثلَى
رَقَّ لَهَا إحسَاسُ حُرُوفي
فَتَمَوسَقَ شَوقًا وتَنَدَّى
لا رِجْسٌ بِتُرابِ خُطَاهَا
جَنَّةُ أَحلَامٍ ورُؤَى
صلصالُ القَدَمَينِ نَدَى
بأَنَامِلِهَا رِزقُ الطَّيرِ
فكُونِي لِيْ وطَنًا أَو مَأوَى
كُلُّ أَنِيسٍ بِي يَلقَاني
يَعشَقُني
يَقشُرُ بِالمَعنَاءِ دُجَى
أُبهِرُ صَدْحًا
كَمْ خَبَّأَني في الأَورَادِ شَفِيفًا ورَقِيقَ نِدَا
لَهَفٌ يَتَفَتَّقُ في الأَفنَانِ إِلى سَاقِيَةٍ
ليسَ لَهَا أَثَرًا بِثَرى
تَمْلِكُ أَحلَامي وشُرُودِي
ونَبِيَّةُ ضَوءٍ في الرُّؤيَا
حيثُ أَرَاكِ سَنَا
أَعشَقُهَا سَكَنًا لِخُيُولٍ في نَجْوَائِي
أَطلَقَها بِالشَّوقِ فَتَى
البَصَّارةُ قَرَعَتْ كَتِفِي
قَرَأَتْ وجهي
إنَّ خَيَالَ الشَّوقِ رُؤىً
أَو أشهَى
ثانيا: انطباع النقد
قصية تتعالى اطراد إيقاع، وتتوالى امتداد قافية باسم التفضيل أشهى ينتهي سطرها الأول وسطرها الأخير. والمشتهى الأشهى في السطر الأول صباح امرأة مِثال، وفي السطر الأخير أشهى من الرؤى اشتياق خيال.
ينسخ الشاعر رؤية التخيل أحلاما برؤيا التنبؤ إلهاما. فجاء خبر “خيال الشوق” جمع رؤية، فشوق الشاعر أسرج الخيال لكنه امتطى الرؤيا أو الذي أشهى منها.
ما الذي هو أشهى من الرؤيا ؟
” لا رجسٌ بتراب خطاها
جنة أحلام ورؤى”
إذن هي لا تسلك دروب الرجس بل هي جنة من الرؤى والأحلام
يكرر الشاعر الربط بين الخيال والأحلام، والرؤيا والألهام فتكررت مفردة الأحلام مرتين: جنة احلام ، تملك أحلامي.
وتكررت مفردة الرؤى مرتين جمعا: جنة أحلام ورؤى، خيال الشوق رؤى. ومرة إفرادا : نبية ضوء في الرؤيا
وتكررت أيضا مفردة الشوق : فتموسق شوقا ، أطلقها بالشوق، خيال الشوق.
قد يزيد ترديد ذات المفردة جمال النص لكنه مشروط أن يكون ترديدا حاملا معنى جديدا.
” لَهَفٌ يَتَفَتَّقُ في الأَفنَانِ إِلى سَاقِيَةٍ
ليسَ لَهَا أَثَرًا بِثَرى”
اللهف المتفتق في الأفنان إلى ساقية أجمل ما في النص من تصوير، ذلك أن ظمأ الأفنان اشتد حتى صار لهف استقاء.
تفعيلة الخبب الأصلية ” فَعِلُنْ” وزحافها الذائع ” فَعْلُن” وزحافها المستحدث ” فاعِلُ ” ؛ لكن الإكثار من هذا الزحاف المستحدث كما أكثر شاعرنا ويُكثر المحدثون يحسر مد إطراب الخبب.
لعل الشاعر قد سها في رسم اسم ليس “أثر” في قوله ” ليس لها أثرا ” فنصبه وحقه الرفع. وإن لم يسهُ طامعا في الجناس بين ” أثرا ” و ” ثرى ” فقد نطح نطحا المحظور نحوا.
” يَقشُرُ بِالمَعنَاءِ دُجَى “
ما المعناء ؟ حتى نفهم بماذا قُشِّرَ الدجى
“أَعشَقُهَا سَكَنًا لِخُيُولٍ في نَجْوَائِي”
وقفت على النجواء في المعاجم بمعنى التمطي وضبطها ” النُّجَواء” في قول الشاعر ” وهم تأخذ النُّجَواء منه” وقد عدها بعضهم تصحيفا من النحواء وهي الرِّعْدَة. ولم أقف على النجواء بمعنى النجوى إلا أساس البلاغة للزمخشري:
وأصابته النجواء: حديث النفس ونجواها. وأنشد ابن الأعرابيّ لمرّار بن منقذ:
إن الهموم لها إذا لم تقرها نجواء تدخل تحت كل شعار
وقال آخر:
وهم تأخذ النجواء منه يعك بصالبٍ أو بالملال
ولم أجدها عند الشعراء إلا عند شاعر من العصر العثماني هو سليمان الصولة:
أفبعد إبراهيم تُحمَد صحبتي أو بعد ليلى تُشتَهى نجوائي
وقد كثرت هذه الأيام علما لمؤنث.
هذه قصيدة تُهَوِّمُ في ضباب التجلي المجهول أوطارا، والمخبوء أسرارا، بين المرأة والوطن، بين التشرد والسَّكن.
وهذا شاعر تعجل تنميق اختزال وتمهل تشويق اتصال.