ندوة جامعة نهرو تبهر المشاركين من أنحاء العالم
تقرير أ.د. مجيب الرحمن / د. قمر شعبان الندوي، الهند
نظم مركز الدراسات العربية والإفريقية، بجامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي مؤتمرا افتراضيا دوليا في ذكرى الفقيد البروفيسور ولي أختر الندوي-رحمه الله- في 20 و 21 يونيو 2020، الذي استأثرته رحمة الله في 09 يونيو 2020 الفائت إثر إصابته بفيروس كورونا عن عمر يناهز 52 عاماً، وأحدثت وفاة البروفيسور ولي أختر الندوي فراغا غائرا في أوساط علماء العربية في الهند قد لا يُملأ، حيث كان كاتبا قديرا ومعلما مثاليا ومؤلفا ناجحا ترك وراءه سلسلة من كتب نافعة جدا لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها. عرفانا بمساهمته المميزة في إثراء الثقافة العربية في الهند تهيأ مركز الدراسات العربية والأفريقية بجامعة جواهر لال نهرو لعقد ندوة افتراضية ليومين إحياء لذكرى الفقيد الذي أحب المشاركة في المؤتمرات الافتراضية وذلك بالتعاون الوثيق مع أكاديمية التميز بالهند، والمنظمة العالمية للإبداع من أجل السلام، لندن، وفعلا قد جاء المرتمر بأبهي شكله وأروع صورته وتكلل بنجاح باهر غير مسبوق.
وهدف المؤتمر إلى إبراز صورة عامة عن الأدب العربي المعاصره بشتى أجناسه وأصنافه فاتخذ من “الأدب العربي المعاصر: الآفاق والرؤى” محوراً له، واستضاف ستة من كبار المبدعين والشعراء والباحثين العرب لإلقاء المحاضرات والمداخلات حول الشعر والقصة والرواية والمسرحية والنقد في الأدب الرعبي الحديث على مدى يومين.
مدير المؤتمر الأستاذ الدكتور مجيب الرحمن افتتح المؤتمر الافتراضي في اليوم الأول 20 يونيو في الساعة الثانية والنصف بتوقيت الهند ورحب بالمحاضرين والمشاركين من أنحاء العالم أساتذة وطلابا وباحثين وباحثات إلى هذا المؤتمر التاريخي الذي أقيم في ذكرى أحد صروح اللغة العربية في الهند ألا هو فقيد العربية ولي أختر الندوي وأبرز مساهماته وخدماته في اللغة والثقافة العربية، وألقى الضوء على محاور وأهداف المؤتمر، وبعده جرى عرض فيلم عن حياة وشخصية الشاعر المغربي العظيم محمد بنيس الحائز على جوائز دولية كثيرة من قبل الفريق التقني لأكاديمية التميز بالهند التي تعاونت مع قسم اللغة العربية في الجامعة في إقامة المؤتمر وقدمت الدعم التقني واللوجستي المتميز للمؤتمر، ثم ألقى الشاعر محمد بنيس مداخلته القيمة حول الشعر العربي المعاصر وأبهر الحضور بخطابه الثري والرائع جدا، وتطرق في مداخلته إلى أهم المحطات في تطور الشعر العربي المعاصر، وأبرز خصوصاً تطور الشعر الحر، و مراحل تطور الشعر العربي ورواده وإشكاليات وموقع الشعر العربي المعاصر، وقد تفاعل الحضور تفاعلا جيدا مع المحاضر من خلال طرح تساؤلات ومداخلات حول عرضه، وتحدث المحاضر الثاني الدكتور إليامين بن تومي الناقد الألمعي الشاب من الجزائر حول محور “الأدب الجزائري من الآباء المتعالين إلى الأبناء المؤسسين” وألقى الضوء في ضمنه على الأدب الجزائري قديما وحديثا، ومما قاله الأستاذ إليامين إن الأدب الجزائري أدب ثري وغني ولكنه مازال يعاني من تبعات الاستعمار الفرنسي، فهناك حاجة ماسة لتخليصه من الأثر الأجنبي ليكون أدبا عربيا جزائريا أصيلا، أبرز المحاضر أهم محطات الأدب الجزائري ومميزاته بأسلوب مؤثر وبليغ جدا أبهر المشاركين، وأما فضيلة الأستاذ الدكتور نبيل أحمد عبد العزيز رفاعي من جامعة الأزهر الشريف فتحدث عن القصة العربية القصيرة المعاصرة وأثار في مداخلته القيمة قضايا عديدة منها أن التراث العربي عرف القصة بجميع أشكالها وأن الغرب تأثر بالقصة العربية في العصور الوسطى وأن القصة تطورت عن طريق الترجمة من الآداب الغربية، وذكر أن القصة تطورت من الناحية الأسلوبية من الواقعية إلى التعبيرية والتجريدية، وأشار إلى أن جيل السبعينات والثمانينات استخدم في قصصه التقتيات الحديثة كتيار الوعي والحوار الداخلي، وتحدث أيضاً عن القصة الرقمية والفرق بينها وبين الورقية ولقيت محاضرته استحسانا كبيرا من الجمهور.
وفي اليوم الثاني (يوم الاحد 21 يونيو) نوّه مدير الندوة أ.د. مجيب الرحمن في كلمته الافتتاحية بشخصية الفقيد ولي أختر الندوي رحمه الله وأثره البالغ في الدراسات العربية في الهند، وشدّد على ضرورة تضافر الجهود من أجل تحقيق رؤية الفقيد في إرساء أسس الثقافة العربية في الهند، ثم عُرض فيلم تعريفي حول شخصية الأستاذ الكبير عبد الفتاح صبري من دولة الإمارات الذي قدم 30 عملا في الرواية والقصة والمسرحية والدراسات النقدية ويعد من أعظم الصروح الثقافية في الإمارات، وفي مداخلته عن المسرحية العربية المعاصرة عرج على أهم محطات المسرحية العربية منوهاً بدور الرواد في تطويرها ومبرزاً مساهمة الأجيال التالية في ترقيتها، وعرض مشهداً بانورامياً عن المسرح العربي من اتجاهات اجتماعية وسياسية وتاريخية مؤكدا على أهمية تأدية المسرح العربي دوره في التنوير والتطوير والتغيير، وقال الأستاذ عبد الفتاح إنه على رغم وجود المسرحية في الثقافة العربية منذ القديم في شكل أرجوز ومسرح الظل، تأثرت المسرحية المعاصرة بالاتجاهات الغربية الحديثة، ولفت الأستاذ عبد الفتاح إلى رعاية أولياء الأمر في إمارة الشارقة لتطوير المسرح العربي، أما المحاضر الثاني البروفيسور د. أحمد عبد الهادي رشراش الناقد الكبير والصرح الثقافي العملاق في ليبيا والمتشار الثقافي بالمنظمة العالمية للإبداع من أجل السلام – لندن، فقد افتتح مداخلته ببيان تأثر النقد العربي المعاصر بالنقد الغربي، وأفاد بأنه لا يمكننا دراسة النقد العربي المعاصر من غير التطرق إلى المدارس النقدية في الغرب، فقد قدم عرضا موجزا عن تطور النقد الأدبي في الغرب، وأثر اللسانيات في تطوره بعد نشر كتاب (دروس في اللسانيات العامة) للغوي السويسري فرديناند دي سوسير رائد اللسانيات الحديثة، وما طرحه فيه من أفكار أغنت النقد الأدبي، أبرزها النزعة العلمية والموضوعية في دراسة اللغة، ونشأة البنوية، وظهور المنهج الوصفي الآني، وفكرة الثنائيات المتقابلة، ونشأة علمي الأسلوبية والسيميائية، وأثر كل ذلك في النقد الأدبي الحديث والمعاصر.. وتناول أبرز القضايا النقدية الحديثة والمعاصرة في عصر الحداثة والبنيوية التي رافقتها، وعصر ما بعد الحداثة والتفكيكية التي تميزت بها، وأثر كل ذلك في النقد الأدبي العربي المعاصر، وأشار إلى أبرز الدراسات النقدية العربية المعاصرة على ضوء المناهج النقدية الحداثية، وقسمها على قسمين: الدراسات التي انتهجت منهج التحليل البنيوي الشكلي والدراسات التي انتهجت منهج التحليل البنيوي التكويني.
وقدم عرضا موجزا للدراسات النقدية الحداثية المتمثلة في رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه التي أجريت حول أعمال الكاتبة العراقية الأستاذة وفاء عبدالرزاق رئيسة المنظمة العالمية للإبداع من أجل السلام – لندن .
وأنهى المداخلة بتوصية نصح فيه ببذل قصارى الجهود المؤسسية لإقامة مشروع نقدي عربي معاصر لا يقوم على الارتماء في أحضان الوافد الغربي أو القطيعة مع الإرث النقدي العربي، ولا يركن إلى الإرث النقدي العربي القديم وينغلق على الوافد الغربي، وإنما يكون مشروعا نقديا متكاملا يجمع بين التراث والحداثة.
وأما الروائي الجليل شاكر نوري مبدع عشر روايات ممتعة، فتفضل في مداخلته القيمة بعرض صورة موجزة عن الرواية العربية وأكد أن الرواية العربية اليوم حلّت محل الشعر لكونها ديوان العرب في العصر الحاضر، غير أنه عبّر عن أسفه على الواقع العربي الثقافي المؤلم بسبب تدني مستوى القراءة في العالم العربي، وهو واقع لن يحفز المبدع على العطاء. وقال في آخر حديثه إن الرواية العربية اليوم تنتشر انتشار النار في الهشيم في عصرنا الافتراضي هذا وذلك لسهولة النشر وسهولة الوصول إلى المنشور الإلكتروني وخصوصا في زمن الكورونا هذا، وقال إن كورونا سوف يغير حتما طبيعة الأدب عامة والرواية العربية خاصة، وسيكون لكورونا تأثير كبير على الرواية ودور النشر وجميع آليات التوزيع.
وقد شاركت المنظمة العالمية للإبداع من أجل السلام في المؤتمر مشاركة فعالة عن طريق التعاون في إقامته أولا فمدير المؤتمر أ.د. مجيب الرحمن يشغل منصب رئيس مكاتب الهند للمنظمة، وأيضا ساهمت المنظمة بمداخلات من طرف دكاترة أعضاء المنظمة والمسؤولين فيها كالأستاذ محمد جواد حبيب محمد البدراني الذي ألقى مداخلته القيمة عن الشعر العربي المعاصر، والأستاذة فاطمة محمود سعد الله التي قدمت مداخلة قيمة عن القصة العربية القصيرة، كما تفاعلت الأديبة الجزائرية عائشة بنور مع المحاضرين بمداخلتها عن الأدب الجزائري المعاصر.
وفي اليوم الثاني تقدم كل من الأستاذ الدكتور حسين على عوفي والدكتورة كوكب سالم بمداخلتهما، وقدم الأستاذ حسين على عوفي الشاعر المميز ونائب رئيس المنظمة العالمية للإبداع من أجل السلام مداخلة وجيهة جدا أثار فيها إشكالية الانبهار بكل ما هو غربي فطرح السؤال أمام الأساتذة المحاضرين والجمهور هل عجزت العقلية العربية عن إنتاج منهج نقدي أو نظرية نقدية خاصة بها، هذا من المستحيل أن لا تكون للعرب نظريتهم الخاصة بهم، وقال إن الغرب عنده 70 نظرية تخلى عنها تماما ومازلنا نحن العرب متمسكين بتلك المناهج التي لا تقترب من أذواقنا، اللغة العربية لغة بلاغة وإعجاز بإمكانها أن تفرض حضورها الأدبي، فلماذا هذا الإجحاف بحق هذه اللغة، وبحق هذا التراث العظيم الذي ورثناه من أجدادنا العظام، وإذا فعلنا ذلك فسوف يعيد هيبة الأدب باحتلال المكان الذي يستحقه، علينا أن لا نقلد الغرب في كل شيء، بل نكوّن للغتنا أدبا أصيلا، كما علينا إعادة النظر والإنصاف لأدبنا العربي.
وأرسلت الدكتورة كوكب سالم مداخلتها المكتوبة إلى مدير الندوة حيث لم تتمكن من الانضمام لأسباب تقنية، وقرأ مدير الندوة أجزاء من مداخلتها عن التجربة العراقية في إبداع الرواية الناتجة عن رحم المعاناة، فهناك كتاب عراقيون تناولوا هذه التجارب عن المرأة والعنف الذي تتعرض له النساء، وهناك كاتبة عراقية تميزت بتصوير هذه التجارب في رواياتها وهي الشاعرة والقاصة والروائية وفاء عبد الرزاق وخصوصا في روايتها “راقصة الجديلة والنهر” التي تناولت ما شهدته مدينة الموصل الحدباء من أحداث في حزيران عام 2014 بدخول عصابات داعش للمدينة وقهر أهلها واحتلالها ثم امتداد مخالب هذه العصابات لتنال من السلام لأقلية مهمة من أقليات مدينة الموصل وهم الشعب الإيزيدي وما قامت به من قتل وتنكيل وتهجير ومطاردتهم على جبل سنجار. وبذلك أضافت الروائية للرواية وظيفة جديدة وهي الوظيفة النفسية.
وشهدت الندوة مناقشات ومداخلات حية وثرية وقيمة جدا من قبل الحضور من أنحاء العالم، حيث تجاوز عدد المشاركين والمشاركات في اليوم الأول والثاني 350 مشاركا في كل يوم. وقدم الأستاذ عبد الفتاح صبري اقتراحه بإقامة مثل هذه الندوات كل سنة لما لها من نفع كبير للمهتمين بالثقافة العربية.
وأخيرا قدم مدير المؤتمر الافتراضي شكره العميق إلى كافة المحاضرين والمتداخلين والمشاركين وكل من أعان وتعاون في إقامة المؤتمر الافتراضي على هذا المستوى الراقي من ناحية التنظيم والتنسيق والعرض والمحتوى والمشاركة وشكر بوجه خاص مدير أكاديمية التميز بالهند د. صابر نواس وفريقه التقني على حسن التنظيم والإعداد التقني والمنسقين د. عبيد الرحمن والدكتور محمد قطب الدين والدكتور صابر نواس على حسن تعاونهم، وأخير وجه الشكر والامتنان إلى رئيسة المنظمة الدكتورة وفاء عبد الرزاق على دعمها وتعاونها الكبير في إقامة جميع الفعاليات والأنشطة الثقافية