مناقشة علمية لكتاب صادم “دمُوع الشوباشى بين يدىّ سيبويه”

صبرى الموجى | كاتب صحفي بجريدة الأهرام المصرية

هو شخصيةٌ مُثيرةٌ للجدل، عرف بآرائه الغريبة، فما إن هدأت زوبعة ثورته على اللغة العربية، واتهامها بالتخلُف والجمود، دون أن تُسفر عن شيء؛ لافتقارها  للعلم والموضوعية، حتى تزعّم قضية أخرى وهى قضيةُ خلع الحجاب التى أصم الناس آذانهم عنها .. إنه الكاتب المصري شريف الشوباشى، الذى خرج علينا بكتابه الصادم : ( لتحيا اللغة العربية .. يسقُط سيبويه)، والذى رثا فيه حال اللغة العربية، مُلقيا باللائمة على قواعدها المعيارية القديمة، التى بزعمه هى سببُ تخلفها وجمودها.

وإسهاما منه فى حل مشكلة اللغة العربية، قدّم مقترحاتٍ لتحديثها، تعتمد علي التخلص من قواعدها، فطالب – ظنا أنه يحسن صنعا – بحذف المثنى، والحركات الإعرابية، وغيرها من مطالب حسبها طوق نجاة ينتشل به العربية من الغرق !

وانتصارا لأفكاره دخل الشوباشى فى مُناقشات مع كبار اللغويين والمثقفين، الذين أثبتوا أن أفكاره تفتقرُ إلى الموضوعية والدليل.

 الأستاذ الدكتور محمد محمد داود الأستاذ بجامعة قناة السويس، كان ممن تصدّوا للشوباشي، فصنّف كتابا حُجة سمّاه: “دموع الشوباشي.. بين يدي سيبويه”، طبعته دار غريب المصرية للطباعة والنشر فى 187صفحة من القطع الصغير، وضح فيه أن الشوباشى لا يُفرق بين الجُمود والاستقرار، فالعربيةُ لغةٌ مُستقرة، تتطورُ استجابة لكل حادث وجديد، وفق قواعد عرفها السابق واللاحق، كيف لا ؟ وهى التي استوعبت كتاب الله عز وجل، وهو ما ميّزها عن كل اللغات الأخري، التى تقبلُ أى تغير لغوى ما دام قد استحسنته الجماعة اللغوية، سواء وافق قواعد اللغة أم خالفها، ولكن الحال مع اللغة العربية يختلفُ عن ذلك، فأىُ تغير لغوى لا تُكتب له الحياةُ والقبول إلا إذا كان موصولا بالأصل الذى انبثق منه ( وهو القرآن الكريم)، وهو ما منح اللغة العربية الاستقرار، وجعل أبناءها موصولين بتراثهم ( قرآنا وسنة)، فى حين نجد أن ابن اللغة العالمية المعاصرة( الإنجليزية) مثلا معزولا عن لغته القديمة، لا يستطيع فهمها، وهذا هو سر إعادة صياغة روايات شكسبير بلغة مُعاصرة؛ ليفهمها الإنجليزى المُعاصر.

 ورغم هذه المزيةٌ التى انفردت بها العربية عن كل لغات الدنيا، إلا أن القراءة الخاطئة من الشوباشى، كما يؤكد داود، جعلته يعتبرُ تلك المزية( الاستقرار) عيبا وجمودا.

 ويستطرد د. داود : وبالنسبة لمُقترحات الحذف والتغيير للقواعد التى قدمها الشوباشى، فإنها مُقترحات ميتة إذا خضعت لمعيار علم اللغة الحديث، حيث إنها تفتقر إلي الدليل، وليس التغيير فيها، يسير خبط عشواء.

 وكتاب:  “دموع الشوباشى .. بين يدى سيبويه” مُناقشة علمية، تقومُ على العقل، وتخلو من الصخب والصوت العالى، يخلُص فيه مؤلفه إلى أن اللغة وعاءُ الحضارة، ترقى برُقى أهلها فتثرى بالمُفردات والمُصطلحات العلمية والثقافية، وتتدهور بتخلفهم .. ومن ثم  فالعيبُ ليس فى اللغة العربية بل فى أهلها ، فوقتما كان العرب فى الصدارة، كانت العربية هى لغة الحضارة، التى شمّر الجميع عن ساعد الجد لتعلمها والتثقف بها، أما الآن فالوضعُ مُختلف، وهو ما يعنى أن العربية أزرى بها أهلها، وليس نحوها  ومُعجمها، كما زعم الشوباشي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى