نقد النقد: نقد قراءة نص للشاعرة د. ريم الخش من قبل الناقد د.مدحت
الناقدة والشاعرة ثناء حاج صالح| ألمانيا
في التمهيد لهذه المقالة أحب أن أذكر أنني لم أقرأ يوما نصاً نقديا وجدتني فيه أختلف مع بعض ما ورد فيه من آراء ووجهات نظر نقدية، إلا وحدثتني نفسي أن أحاور الناقد حول تلك الآراء سواء أكانت في التنظير النقدي أو في قراءة النص المنقود. ولكنني قلَما فعلتُ ذلك، لأنني وجدت من خلال تجارب قليلة خضتها مع بعض النقاد وأصحاب النصوص، أن مثل هذه الحوارات التي تأتي على سبيل نقد النقد، قد تورث في الواقع مشاعر الاستياء والغضب عند كل من الناقد والناص . ما قد يتحوَّل إلى علاقات ومشاعر عدوانية بين الأطراف الثلاثة (الناقد وناقد النقد والناص) نسأل الله أن يبعدنا عنها. ولكنني في هذه المرة أريد أن أستجمع جرأتي لخوض مثل هذا الحوار لسببين : أحدهما ثقتي باتساع صدر الأستاذ الفاضل الناقد د. مدحت عاشور عبد الجواد، وذلك بعدما أتيحت لي الفرصة للاطلاع على بعض مقالاته في النقد والتي تعكس سمو نفسه ومكارم أخلاقه. والثاني ثقتي بالروح الرياضية التي تتمتع بها الشاعرة المبدعة الدكتورة ريم الخش والتي أعرف عنها أنها تحب المشاركة في حوارات النقد ، وقد كان لي معها جانب من ذلك في بعض حوارات قليلة. والمهم في مثل هذه المحاورة أن نتذكر أن لنقد النقد تاريخ عريق في الأدب العربي ، كان دائما يثري وينعش الفكر النقدي ومذاهبه ويضيف إلى منهجيته قواعد تطبيقية تزيد من موضوعيته ومصداقيته . وخاصة فيما يتعلق بنقد الشعر الذي هو ديوان العرب وملتقاهم الأجمل والأشد توهجا وإبداعا. فأرجو منكم التجمل بالمرونة والموضوعية عند قراءة هذا المقال.
بين يدي قراءة نقدية بعنوان (السياق الأسلوبي، وتحويل الدلالة في قصيدة (قلب قدسي)
***
للشاعرة الرائعة د. ريم سليمان الخش ….. بقلم / مدحت عبد الجواد يقول في مقدمتها: …
“اسمحوا لي أن أطلق عليها لقب (رمح القدس وإذا فتشتم لعرفتم سر هذا اللقب الذي اخترته لها، وعمقه في التاريخ والحضارات، وربطه باسم آخر صاروخ أعلن العدو الإسرائيلي عنه؛ لذا فقد آثرت الربط المتنوع الدلالات”.
طبعا الناقد يقصد أنه يريد أن يطلق على الشاعرة لقب “رمح” القدس إشارة منه إلى صاروخ رمح الذي أدخلته إسرائيل إلى الخدمة العسكرية منذ خمس سنوات عام 2015. وهذا يعني أن عبارة (آخر صاروخ أعلن العدو الإسرائيلي عنه) لم تعد تناسب صاروخ رمح؛ بل أصبحت تناسب صاروخا آخر أعلنت عنه إسرائيل منذ أيام قليلة، وهو الصاروخ الباليستي “لورا”.
وأيا كانت دقة المعلومة فإن قصد الناقد إنما هو التلميح إلى قوة المواجهة والمقاومة عند الشاعرة ونحن نؤيده في هذا لأننا نعرف عنها أنا ثائرة ومناضلة ونحييها على مواقفها الحرة.
يقول د. مدحت:
وأقسم – غير حانث – إن لم تكن كتبت غير هذه القصيدة فإنه يكفيها؛ لأنها تضعها في فلك النجوم الشعرية العلوية، تسبح مع قامات الشعراء الفطاحل في فضاء الشعر الأول، وستعلمون أنني أزف إليكم عروس الشعر، ولن يسعني المقام- وإن حاولت جاهدًا – أن أكشف أسرار هذه الدرة الفريدة في عالم الشعر”
كنت أود لو أن الناقد جعل قسمه بناء على الموقف الشخصي المشرف للشاعرة من القضية الفلسطينية، وليس على تميز النص والمراهنة على فرادته في عالم الشعر. فالنص من وجهة نظري ضعيف أو مقبول المستوى ولا يمكن أن يرقى بحال إلى مرتبة جيد.
وسأبين فيما يلي ضعفه مع الأدلة العلمية النقدية الواضحة. يبدأ الناقد قراءة النص بالحديث عن عنوان القصيدة وعن بنيتها الفنية. فيقول في تأويله الجميل للعنوان:.
نص يثير _ بدءًا من عنوانه – جملة من الأبعاد الدلالية المنبعثة من الربط بين (قلب) من جهة، و(قدسي) من جهة أخرى، وإن من أبرز هذه الدلالات ما يلتقطه الحس العام من اشتمال دالة (قلب) على مكونات دلالية معينة منها: المشاعر المتضاربة كالحب بجميع درجاته، والألم والحزن، والتحسر،… وغيرها من المشاعر المتضاربة التي باتت كأنها بساط افترشته الشاعرة؛ لترتب عليه ما شاءت أن تقدمه من معانٍ، أو كأنها خريطة شعرية بسطتها ثم راحت تؤسس معالمها من معانٍ في قصيدتها الرائعة ..
في مقابل اشتمال دالة (قدسي) على مكونات منها: (الهيبة، والقداسة، والحب المقدس، والاحترام ، والعبادة ، وأهمها الدلالة القاطعة على قدسنا الشريف ومكانته في قلوبنا، والربط الإسلامي التاريخي والحضاري المقدس وغيرها…)
وعلى الرغم من جمال هذا التأويل الشامل لاحتمالات دلالات العنوان فإنني أجد الناقد قد ابتعد إلى حد ما عن قصد الشاعرة من دالتي العنوان حسب السياق الذي وردتا فيه.
والدليل على ذلك هو أن الشاعرة قد بدأت القصيدة بكلمتي العنوان اللتين أنهت بهما القصيدة أيضا. لتؤكد على أن السعي لتحرير قلب القدس هو الكلمة الأخيرة للنص، كما كان هو مفتاح الدخول إليه عبر وظيفة العنوان .
في اكتمالي ورفعتي وانفتاحي
سوف أسعى محررا قلب قُدسي
ولتحقق عبر الوصل بين هذين القطبين هدفا فنيا ومعنويا في آن واحد يتمثل بتحقيق الوحدة العضوية والموضوعية للقصيدة.
فلا بد إذن من مراعاة استمرارية ارتباط دلالات العنوان مع سياقها الأصلي في النص.
وكما نرى فإن عبارة (قلب قدسي) ما هي إلا استعارة مكنية شبهت فيها الشاعرة القدس بإنسان ثم حذفت المشبه به وتركت شيئا من لوازمه يدل عليه وهو القلب. وبالتالي فإن دلالة القلب تنحصر في معنى القلب الذي يمثل العضو من الجسم ويكون فيه مركز العواطف وقوة ضخ الدم والحياة في الجسم .
فما الذي سيتم تحريره في الواقع عند السعي لتحرير (قلب قدسي)؟ الذهن يتجه مباشرة إلى المسجد الأقصى الذي يمثل قلب القدس والذي يحاول الصهاينة السيطرة عليه. لذا فلا أتفق مع الناقد أيضا في الحديث عن تقلب المشاعر وتضاربها وتناقضاتها عند الحديث عن المكونات الدلالية لدالة (القلب).
وقد أدى فتح اتجاهات أخرى لاحتمالات الدلالات فيما يتعلق بالمشاعر المتضاربة والهيبة والاحترام والعبادة وغير ذلك إلى تشتيت الانتباه عن قصد الشاعرة الصحيح الذي دلَ عليه اختتام القصيدة به وهو تحرير قلب القدس الأسير(المسجد الأقصى) ونتيجة لتشتيت الانتباه عن هذا القصد المحتمل تلاشى التأثير الفني لمفتاح القصيدة وقفلها. وأصبح البديل هو ذلك البساط الذي تفترشه القصيدة في نسيجها الفني لتأتي بمعاني التقلب والتضارب في المشاعر والقداسة والاحترام وما إلى ذلك. وهو ما ينقص من مستوى وضوح الوحدة العضوية والموضوعية فيها.
ثم يتابع الناقد معتمدا على فكرة التقلب والقداسة قائلاً:
وبالطبع فهذا يفضي إلى ربط بين عالمين ممتدين، ويتجه نحو حب خاص لا يتصف باللهو أو العبث بل يتجه نحو القداسة، والتقرب لله بهذا الحب، وهو عالم شكلته الشاعرة من وجدانها فيما أفردته من معان، وصور بلاغية وتراكيب رائعة.
ومع أن الشاعرة محبة ومتأثرة بمشاعر متضاربة إلا أنها تملك زمام أفكارها تسيطر على ترتيب تلك الزفرات التي تزفر حرها حبًا وحسرة وألمًا ومناجاة …، فلم تتفلت منها المعاني – رغم تضارب هذه المشاعر- فلم تتشابك، ولم تصرع شاعرتنا- ورغم قسوة تلك المشاعر_ وهذا يدل على براعة الشاعرة في ترتيب تلك الزفرات الحارة، والتي شكلت منعطفات القصيدة ،
نقد النقد:
أوضحت رأيي في مسألة الاعتماد على التقلب والقداسة بدلا من تحرير قلب القدس الأسير، ولكنني أخالف الناقد هنا في مسألة عدم تفلّت المعاني من الشاعرة؛ بل إنني أرى المعاني قد تفلتت منها في مواضع كثيرة سأشير إليها. والمسألة الملفتة للنظر والتي أختلف معه فيها كل الاختلاف هي تأويله لعدد الزفرات التي أطلقتها الشاعرة حسب توصيفه للبنية الفنية للقصيدة . فهي( إحدى عشرة زفرة وفي كل زفرة فكرتان) ..يقول هنا
“وكانت تمثل ما يقارب إحدى عشر زفرة، وفي كل زفرة منها فكرتان: داخلية تمثلت في المشاعر المنبعثة، وخارجية تمثلت في الأفعال المتشابكة والدوافع، وكأنها تضع نصب عينيها أن العدد يصير (اثنتين وعشرين)، وهو عدد (الدول العربية) التي تشكل الوطن العربي، ولا أعرف إن كان ذلك عن قصد منها أم كان صدفة صنعتها فطرة الشاعرة، ولا عجب فهى عالمة دكتورة قبل أن تكون شاعرة”
نقد النقد:
الناقد يسمي كل مقطع في القصيدة (زفرة) ولأنه قرأ من القصيدة أحد عشر مقطعا فقد اعتبرها مكونة من أحدى عشرة زفرة.
وبناء على ذلك أحب أن يبالغ في مدح فطرة الشاعرة كونها دكتورة قبل أن تكون شاعرة فاعتبر أن حاصل ضرب 2*11 = 22 دولة عربية باعتبار أن كل زفرة فيها فكرتان .
ولكن الحقيقة هي أن القصيدة مكونة من 16 مقطعا / زفرة وعدد الأفكار في الزفرات غير ثابت فقد يكون في الزفرة فكرة واحدة أو اثنتان أو أكثر.
وبالتالي فإن ذلك التوصيف كله غير دقيق وغير مناسب . وهذا الكلام لا يعني على الإطلاق أنني أشكك في فطرة الدكتورة، مع أنني على يقين من أنها لم تضع نصب عينيها أن يصير العدد (اثنتين وعشرين) كي يتوافق مع عدد الدول العربية؛ فهي متخصصة في الرياضيات وتعلم أن 16 *2 لا يساوي 22. هذا من جهة .
ومن جهة أخرى فإنني أستغرب كيف فصَّل الدكتور مدحت أن الفكرتين اللتين أكد وجودهما في كل المقاطع هما عبارة عن فكرة داخلية تمثلت بالمشاعر المنبعثة، وفكرة خارجية تمثلت في الافعال المتشابكة والدوافع.
وأسئلتي التي سأوجهها إلى الدكتور مدحت: من الناحية المنهجية للنقد:
1- هل تُعتَبَر الأفعال بحد ذاتها -وسواء أكانت متشابكة أو غير متشابكة – فكرة ؟
2-ثم، أليست الدوافع مشاعر؟ فلم جعلتها مع الفكرة الخارجية ولم تجعلها مع الفكرة الداخلية؟
3- ومع علاقة الدوافع بالأفعال المتشابكة والتي دفعتك للربط بينها وتسميتها فكرة خارجية ؟
4-والأهم من كل ذلك: هل تصنيف الأفكار في النص على أساس خارجية وداخلية هو تصنيف صحيح من الناحية المنهجية؟
5-وكي أوضح رأيي من كل هذه الأسئلة سأجيب عليها من وجهة نظري قائلة باختصار:
-الأفكار هي الأفكار فقط وليس هناك أفكار خارجية وأفكار داخلية ولكن هناك معنى ومبنى .
فالفكرة هي المعنى، والكلام الذي يعبر عن الفكرة هو المبنى
لذا فعندما تقول أفكار خارجية وتعرِّفها على أنها الأفعال المتشابكة فهذا يعني الخلط بين المعنى والمبنى ، وعدم التمييز بينهما. .
ثم يتابع الناقد مديحه للقصيدة قائلا:
فإذا تابعت السباحة في رحلتك من منبع القصيدة العذب قاصدًا المصب، مستعذبًا الرحلة في بحر مشاعرها مستسلمًا للموجات الشعرية السابحة في فضاء الكون الشاعري، فعجبًا لن يسقطك تنافر، وتصارع المشاعر – رغم ما تحويه من صراعات – لأنها تنساب كأنها تصنع قصة قصيرة تأخذك أحداثها، وتنعطف بك إلى قمة الصراع، لكنها لا تسقطك من تلك القمة بل تحملك كالأرجوحة؛ لتهبط ثم تصعد، ثم تنعطف كأنك في وسط مجرى مياه لعبة (النهر السريع)، وأنت تترقب النهاية التي تعلمها عند المصب
وإنني مع إعجابي بهذا الوصف الجميل إلا أنني أراه مخالفا لواقع الأمر، فهولا ينطبق على لغة القصيدة ولا يعبر عنها ، والقصيدة في رأيي حافلة بالثغرات من جميع الأنواع (نحويا وإيقاعيا وبلاغيا وبيانيا) . وسأبين هذه الثغرات بالتفصيل. بعد ذلك يتركنا الناقد لنقرأ نص القصيدة.
قلب قدسي
أنبئيهم عمّا يطوّقُ قدسي
من خناقٍ مُدلّسٍ فيه تمسي
من صراعٍ على البقاء بعصفٍ
رام خسفا مزلزلا ذات بؤسِ
وكأنّ المدى العروبيَّ حكرٌ
لدعيٍّ أراد بيعة بخسِ
***
لا وربي ماريعنا لمزادٍ
لا ولسنا على الخيانة نرسي
إنْ يكن إبليس اللعين تمادى
فكفاحٌ مؤججٌ مثل شمسِ
قد يُمني الجسورَ أنّ انتصارا
بعد عزمٍ مكللٍ بالتأسي
***
إنما العمر صرخةٌ تتشظى
بين أوجاعٍ ثائراتٍ ورمسِ
وبقاءٌ للوارفات غصونا
واندحارٌ لكلّ عصفٍ مؤسي
***
إنّما الفجر من (إرادة )حرٍّ
وهب الأرضَ جرحُه ألفَ عرسِ
***
ويقيني بأننا كحديدٍ
من نجومٍ عملاقةٍ ذات بأسِ
جعل الله قلبها دون خرقٍ
خصّها السرّ محْكما دون مسِ
***
إننا الثقل في الرواسي وإنّا
ثقة الأرض إنْ طغى صوت هجسِ
فاكتسيني من الحديد اقتباسا
كلباسٍ من الإباء الدمقسي!
ربّ فجرٍ مبشّرٍ بانبلاجٍ
شقشق الليل داحرا كلّ نحسِ
*****
يالجرحٍ ينزّ ماانفك يجري
زاد نزفا مابين طعنٍ ودهسِ
منذ بلفورَ والطعان تتالت
في انصبابٍ من الزمان الأخسِّ
وئتدنا ونحن أحياء ظلما
آلة الشرّ والولاة كرمسِ
في ارتهانٍ لحضرة الغرب أمسوا
كطغاة على الرقاب بدعس
***
بتُّ كالعصف قد ذرته رياحٌ
هسهس الآه من مرارة تعسِ
يلعب الشرّ بالمصير نفوذا؟
باستنادٍ على العمالة رجسِ؟
كلّ نصبٍ مهيئٍ كعميلٍ؟
جنّدوه لكي يسود بنقسِ
لاعلومٌ لا منعةٌ لاارتقاءٌ
هو للبؤس حارسٌ رجل كرسي
جعلوا الخبز مطمع الناس إمّا
فزّ جوعٌ على الشعور مؤسّي
*****
خصّنا الله بالرسالة جنسا
عربيا محققا نبل أُسِّ
لغةٌ قد أرادها ككليمٍ؟
وهو الله مبدعٌ كلّ جنسِ
فضل العرْبَ عن جميع البرايا
بكتابٍ مخلّدٍ دون درْسِ
كدليلٍ على اكتمال عقولٍ؟
وامتيازٍ لكلّ طيبِ غرسِ
واصطفانا من بين روم وفرسِ
بلسانٍ مخاطبٍ قوم عبسِ
***
حكمة الله أنْ نظلّ بحفظٍ
لامساسٌ من الضياع المخسِّ
بيدَ أنّ المشيطنينَ كلغمٍ؟
يمنع السير في انفجارٍ مجسِّ؟
ماهدأنا من انفجارات حقدٍ
وشظاياه أثخنت كلّ نفسِ
لم يدع للشروق جبهة شرقٍ
مثل ثكلى ترمّلت يوم عرسِ
*****
ياإلهي أللتباغض نحيا؟!!!
كم نعاني من الحسود بنكسِ؟
***
ياإلهي جميع خلقك يهذي
بهوى الربّ إذْ يروح ويُمسي
منذ إبليسَ والغرام شَرارٌ
في اضطرامٍ مهدد كلّ أُنسِ
أخوة الجبّ قد أتوه عشاءً
بافتراءٍ …وقد شروه ببخسِ
هم جميعا لربّ يعقوب صلّوا
في دياري وحائط الدمع قُدسي!!!
لك ضحوا (إلهنا) من عروقي
لك قاموا أحبّة دون قعسِ؟!!
لك جاؤوا جحافلا لاقتتالي
سفكوا (الدون) من إمام وقسِّ!!
***
تابع الرؤية النقدية :
اللوحة الأولى : أخبار القدس
ثم يعود إلى التحليل النقدي قائلا:
ارتكزت الشاعرة على الفعل (أنبأ) وهو دون الفعل (نبَّأ) فالأول يستلزم شرحًا مختصرًا لحال القدس، وهو ما يتناسب مع وضوح حالها، أما الفعل (نبأ) فهو يتطلب معنى التفصيل والشرح وهذا غير مطلوب هنا، وهذا يدل على دقة استخدام الأمر في تركيب يتعاضد مع المضارع في (يطوق) الذي يوحي يتجدد الخناق مع محاولة التفلت المستمرة والإضافة في ( قدسي ) التي توحي بالخصوصية، والاعتزاز ثم براعة الاستهلال والجمع ين قدسي وتمسي، وتوظيف اسم المفعول (مدلس) للكشف عن الزيف الذي استباح به هؤلاء حرمة وقدسية القدس، وما نشره الفعل تمسي من ظلام يوحي بالنهاية للنور وبداية للظلام .
يقابله (صراع)، وهنا نصبح أمام صورة حركية قوية حوت كل أنواع الحركة، تتعاضد التراكيب البلاغية المتنوعة؛ لتكشف أغراض الدعي الذي ينهب ثرواتها ويبيع الأوطان.
نقد النقد:
صحيح أن الشاعرة قد استخدمت الفعل (أنبأ) ولكنها مع ذلك أطنبت في ذكر الخبر على مدى المقطع الاول كاملا فهي لم تكتف بالإنباء عما يطوِّق القدس، وأنما شرحت هذا الذي يطوِّقها، وأوضحت أنه خناق، وبأنه صراع، ووصفت الخناق بأنه مدلَّس وبأن القدس تمسي فيه، وبينت أن الصراع إنما هو على البقاء، وأن سببه العصف، وأن العصف الذي سبب الصراع يروم خسفا مزلزلا، وأنه يحدث في وقت بؤس، وكأن المدى العربي حكر لدعي أراد بيعة بخس . أليس كل هذا شرحا وتفصيلا ؟
فكيف نقول: إن معنى التفصيل والشرح غير مطلوب مع كل هذا الشرح الذي أفاضت به الشاعرة؟
هذا عدا عن أن القصيدة كلها تأتي في سياق الشرح والتفصيل عن ذلك الذي بدأت الشاعر بالإنباء عنه من أحوال القدس وما يتعلق بها.
إذن فالشاعرة بناء على كلام الدكتور مدحت مخطئة في استخدام الفعل أنبأ، وكان عليها أن تستخدم الفعل نبَّأ لأنه أنسب للتفصيل والشرح. اليس كذلك ؟
ثم إنني أريد أن أبين ما في المقطع الأول من تلفيقات لفظية هدفها الوحيد – كما بدا لي – هو الحشو الذي أساء إلى اتساق عناصر الصورة الشعرية إساءة واضحة .
أنبئيهم عمّا يطوّقُ قدسي
من خناقٍ مُدلّسٍ فيه تمسي
من صراعٍ على البقاء بعصفٍ
رام خسفا مزلزلا ذات بؤسِ
وكأنّ المدى العروبيَّ حكرٌ
لدعيٍّ أراد بيعة بخسِ
أولا: قولها (خناق مدلِّس)
كيف يكون الخناق مدلساً؟
التدليس هو الكذب والغش والتزوير. فإذا قلت كلام مدلس فهو كلام كاذب، وهذا يعني أن الخناق الذي يطوِّق القدس هو خناق كاذب أو مزوَّر أو غير حقيقي، ومادام الخناق غير حقيقي فلا خوف منه إذن.
لقد ناقضت الشاعرة كلامها بنفسها، بسبب التنافربين لفظتي خناق ومدلس. و قصَرت عن إتمام المعنى الذي تريد قوله، فهي بالتأكيد لم تكن ترغب بالقول إن الخناق غير حقيقي. ولكنه قالت ذلك فعلا. وهذا يدل على عدم تقديرها لمعاني الكلمات التي تنتقيها، لأنها عندما احتاجت إلى ملأ الفراغ بكلمة، استوردت (بالمصادفة) كلمة ذات دلالة تنفي المعنى المطلوب تثبيته. فوصفت الخناق بأنه كاذب/ مدلس. ولم تنتبه إلى أن نفي المعنى السلبي يجعله إيجابيا مع أن هذه القاعدة معروفة في مبادئ الرياضيات، والشاعرة متخصصة بالرياضيات كما ذكرت. وكان عليها أن تختار صفة ذات دلالة إيجابية قوية تثبت الخناق وتؤكده بدل أن تنفيه .
وكذلك يتكرر التلفيق في قولها “من صراع على البقاء بعصف = رام خسفا مزلزلا ذات بؤس” فلفظة عصف تعني الريح الشديدة، والتلفيق واضح من خلال نَسْب إرادة الخسف (بمعنى غور الأرض وانهيارها إلى الأسفل) إلى تأثير الريح. فهل يمكن للريح مهما كانت شدتها أن تتسبب بالخسف؟ . وزاد الطين بلة أنه خسف مزلزل .
فلو أن الشاعرة كانت قد بحثت عن لفظة أخرى غير (العصف) التي تكررت في النص ثلاث مرات ، تكون ذات خصائص دلالية معنوية يمكن حملها مجازيا على التسبب بالخسف والزلزال لكانت قد شدَّت من أزر هذا البيت الضعيف.
على أن أسباب ضعف البيت لا تقتصر على عدم التناسب بين تأثير العصف والخسف والزلزال وإنما تشمل أيضا اللغة التقريرية المباشرة الأقرب إلى روح النثر، والتي تسببت بها عبارة (من صراع على البقاء ) والتي مللنا من سماعها ونحن نشاهد أفلام السلوك الحيواني على قناة ناشيونال جيوغرافيك. وهذا الأسلوب التقريري المستهلك الخالي من التوهج قد ازداد ثقلا في البيت التالي
وكأنّ المدى العروبيَّ حكرٌ
لدعيٍّ أراد بيعة بخسِ
بيد أننا هنا خلنا أنفسنا نستمع إلى تقرير أحد المحللين السياسيين على قناة الجزيرة وهو يقول في أثناء تحليله غاضبا ” (وكأن المدى العربي حكر على دعي أراد ….) مع الانتباه إلى أنه سيقول العربي وليس (العروبي) كما فعلت الشاعرة، وإلى أنه قد لايقول “بيعة بخس”؛ فهذا الأسلوب ليس دارجا في تقارير المحللين السياسيين، وغالبا ما يستخدمون لفظة (بيع) بدلا من بيعة ” والمغزى من كلامي : هو أن الأسلوب التقريري في بناء التراكيب اللغوية يُشعر القارئ دائما بأنه يقرأ نثرا، حتى ولو كانت الكلمات منظومة . فهل هناك من يقول: إن النظم وحده يكفي ليجعل الكلام شعرا ؟
ثم يقول الناقد: .
_ اللوحة الثانية : صرخة استنكار :
رفض يمتزج بالقسم ويتكرر معلنًا بعدم الإقامة على مزاد الخيانة، وهنا تكمن دلالة إبليس على الغواية والخداع والعداء وضرورة الكفاح الذي اتخذ هنا طابعًا مقدسًا؛ لأنه واجب ضد عدو الله، ولنا أن نتخذ ممن سبقونا قدوة (والتأسي) جمعت بين الاقتداء بالسابقين وحذو حذوهم في الكفاح ، وبين التصبر وهذا ما يتطلبه الكفاح والعزم عليه، والبراعة في استخدام كلمة (ريعنا)؛ لأنها جامعة لكل الخيرات من ماء وزرع وتجارة واقتصاد وغيرها
نقد النقد :
اللوحة الثانية هي هذا المقطع
لا وربي ماريعنا لمزادٍ
لا ولسنا على الخيانة نرسي
إنْ يكن إبليس اللعين تمادى
فكفاحٌ مؤججٌ مثل شمسِ
قد يُمني الجسورَ أنّ انتصارا
بعد عزمٍ مكللٍ بالتأسي
وفيه ترد الشاعرة على الدعي الذي أراد بيعة بخس، بقولها: لا وربي ماريعنا لمزادٍ” فاستخدامها لكلمة (ريعنا) مناسب تماما للرد على البيعة، ويُحسب لصالح الشاعرة، لكن الذي لا يُحسَب لصالح الشاعرة هو كتابتها الفعل (نرسي) بالياء. وهذا خطأ إملائي ؛فالصواب: نرسو بالواو (رسا يرسو رسوا )، وكان يجب لفت انتباهها إلى هذا الأمر.
وبالعودة إلى مسألة عدم التناسب بين الألفاظ وتلفيقها لتشكيل الصورة البيانية يأتي قولها:
إنْ يكن إبليس اللعين تمادى
فكفاحٌ مؤججٌ مثل شمسِ
الحديث عن تمادي إبليس شعرا لا حاجة فيه للفظة (لعين) لأنها من مستلزمات صفات إبليس ولا تضيف شيئا للبيت وكل ما لا حاجة له يُعَدُّ من قبيل الحشو.هذ الحديث جاء في الصدر كمقدمة هيَّأت ذهن القارئ ضمن سياقٍ يسعى للوصول إلى نتيجة أو جواب ينقض المقدمة.
فعندما بدأت الشاعرة الحديث عن تمادي إبليس اللعين كان عليها أن تعود لتخبرنا كيف يمكننا إيقافه ، ولا تتركنا رهن الانتظار إلى ما لا نهاية، لكنها في الواقع، قفزت بنا عبر علاقة رياضية متعدية إلى الكفاح المؤجج، الذي كان سيُعَدُّ ردا رائعا على مقدمة تتضمن التخاذل والتقاعس عن الجهاد، وليس على المقدمة التي تضمنت تمادي إبليس .
صحيح أن إبليس يمكن أن يوسوس للإنسان كي يتخاذل . ولكن هذا ليس ظاهرا على مستوى الألفاظ في البيت. وبغير الرد على إبليس ردا مباشرا لا يمكن أن يُشفى غليل القارئ. وأرى الشاعرة قد ضيَّعت هنا فرصة بلاغية رائعة كانت متاحة لها كي تستخدم أحد المحسنات البديعية وهو رد العجز على الصدر. الأمر الذي كان سيؤدي إلى زيادة تماسك التراكيب اللغوية وزيادة متانتها مما يؤدي إلى تقوية الإيقاع الداخلي في البيت كله . فتراكيب البيت كانت تحتاج ذلك لأنها مخلخلة إلى حد كبير . وسبب هذه الخلخلة مرة أخرى هو عدم التناسب بين الألفاظ.
فالكفاح لا يوصف بأنه (مثل شمس)، لأن الكفاح صورة حركية تفاعلية، في حين أن الشمس صورة ساكنة خالية من الحركة في ذهن الناظر إليها. كما أن وجه الشبه بين الكفاح والشمس والذي جاءت به لفظة (مؤجج) لا يناسب الشمس، بل يناسب النار، وحتى لو كانت الشمس تشهد في داخلها تفاعلات مؤججة من الناحية العلمية؛ فالقارئ لن يفكر بتلك التفاعلات ما لم توجهه الشاعرة إلى ذلك بوضوح. وستبقى صورة الشمس في ذهنه ساكنة ومضيئة فقط، وسيبقى وجه الشبه بينها وبين الكفاح خفيا، وإذا ما حضر إلى ذهن القارئ فسيكون في حضوره حييا فاقدا للثقة .
واستمرت الخلخلة وعدم الثقة أكثر في البيت التالي:
قد يُمني الجسورَ أنّ انتصارا
بعد عزمٍ مكللٍ بالتأسي
فهذا البيت غير مسبوق في مستوى هشاشة التراكيب اللغوية وركاكتها ، مما جعل المعنى فيه مهتزا قلقا. والسبب مرة أخرى هو عدم الاتساق بين المعنى واللفظ، والتلفيق في استخدام الألفاظ في مواضع غير مناسبة لها . وإليكم الأدلة:
أولا: حرف التقليل (قد) عندما يأتي بعده فعل مضارع فإنه يقلل من احتمال وقوع الفعل. فقولها (قد يمنِي) يعني وجود احتمالين هما: يمنّي أو لا يمنّي ، وهكذا أضعفت الشاعرة الفكرة التي تريد طرحها، وأصبح الجَسور الذي راهنت عليه مهددا بأن الانتصار قد لا يمنِّيه.
ثانيا: المصدر الصريح (انتصارا) نكرة. والنكرة أضعف من المعرفة في إثبات الحدث الذي يعبر عنه. والمعنى: ثمة انتصار ما محتمل وغير محدد قد يمني الجَسور..بماذا يمنيه؟
ثالثا: الفعل يُمنِّي فعل ضعيف المعنى لأن الأمنيَّة قد لا تتحقق. وقد اجتمع على إضعاف الحدث ضعف معنى الفعل مع ضعف قد مع ضعف النكرة.
رابعا: الصفة (مكلل) تعني متوَّج، وتُستَخدم معجميا وفي العادة لوصف النهايات التي يُتَوَصَّل إليها فنقول: أَعْمَالُهُ مُكَلَّلَةٌ بِالنَّجَاحِ : أَتَتْ أُكْلَهَا، مُتَوَّجَةٌ بِالنَّجَاحِ، وعندما تصف الشاعرة العزم بأنه متوج بالتأسي، والتأسي هو التصبر، فمعنى ذلك أن النهاية لم تكن جيدة؛ وذلك لأن التصبر إنما يكون على الشدَّة وعلى المكروه، وليس على النهاية السعيدة.
ولو افترضنا أنها تريد القول: إن الانتصار سيأتي بعد العزم المحفوف بالتصبر، فهذا يعني أن التركيب اللغوي في البيت كله خطأ .
لماذا ؟
لأن الفعل يُمنِّي يحتاج إلى فاعل وفاعله هو المصدر المؤول من أنّ واسمها وخبرها، وبما أن خبر إن شبه جملة ، فيجب في هذه الحالة حذف (إن)، ووضع كلمة (وجود) قبل المصدر الصريح (انتصارا) فيصبح التركيب هكذا 🙁 يُمنِّي الجَسورَ وجودُ انتصارٍ بعد عزمٍ مكللٍ بالتأسي). وبغير هذا التركيب يبقى المعنى مبهما والتركيب خاطئاً. هذا بغض النظر عن عوامل الضعف الدلالية التي سبق شرحها.
ثم يقول الناقد..
اللوحة الثالثة : العمر صرخة :
الاتكاء على أسلوب القصر الذي يمتزج بالتشبية والاستعارة ويجمع بين المتقابلات؛ ليعلن الشمول بأنه يبدأ بآلام وينتهي بـ (رمس) وهي دلالة وكناية عن الموت؛ لأنها تعني حثو التراب على القبر، والجمع في تركيب رائع بين متقابلات الحياة، وملاذها والتي حتمًا تنتهي إلى نهاية حزينة عاصفة سريعة مهلكة وما صاحبها من صور بلاغية
نقد النقد
إنما العمر صرخةٌ تتشظى
بين أوجاعٍ ثائراتٍ ورمسِ
وبقاءٌ للوارفات غصونا
واندحارٌ لكلّ عصفٍ مؤسي
مؤسي تعني محزن . هل يوصف العصف عادة بأنه محزن؟ أم بأنه مدمر ومهلك ومشتت..إلخ؟ طبعا كل تلك الأوصاف لا تنفع لاستخدامها في القافية، والشاعرة مضطرة لاستخدام كلمة غير مناسبة في موضع القافية، فقط لأنها تحتاج إلى حرف السين رويَّا.
اللوحة الرابعة : فجر الحرية:
ارتكزت على أسلوب القصر؛ الممتزج بالاستعارة مع التقديم والتأخير، وتصوير الفرحة التي نبتت من جراح الشهداء، وتخيل اللون مع دلالة رمزية الفجر، وحركة (العرس)، وتميز(الهبة)، وهي العطاء دون انتظار المقابل، فما أعظمه من عطاء وتنكير كلمة (حر) التي زادت المساحة؛ لتشمل كل الشهداء الأحرار، والجمع بين النفس الداخلية ورغباتها الذاتية، وبين الفعل الناتج عنها ..فأي شاعرة أنت؛ لتصنعي بيتًا بهذه التراكيب التي وصلت ذروة البلاغة ؟
نقد النقد:
إنّما الفجر من (إرادة )حرٍّ
وهب الأرضَ جرحُه ألفَ عرسِ
البيت جميل وتراكيبه اللغوية مجدولة ومتينة. وإيقاعه عذب.
عناصر الصورة الشعرية جماليا: الفجر ، إرادة حر ، الأرض ، جرح الحر ، ألف عرس.
التشكيل الجمالي: الفجر ينبثق من إرادة حر ،جرح هذا الحر يهب الأرض ألف عرس. لا حظنا أن الشاعرة قد بدأت أسلوب القصر بإنما لتقصر الفجر الحقيقي على ذلك الفجر الذي ينبثق من إرادة (حر) أيا كان، ثم استطردت لتتحدد صفات هذا الحر فإذ به ذاك الذي يهب جرحه الأرض ألف عرس.
الجمال في الصورة الشعرية لا يخفى؛ الفجر الذي يهبه جرح الحر للأرض يعادل ألف عرس، ولولا إرادة هذا الحر وصبره على جرحه لما وُهِبَت الأرض فجرها. جميل!
اللوحة الخامسة : العلم والإرادة:
تجمع بين العلم الكوني والديني في آن واحد معتمدة على التركيب المزجي بين التشبيه، والحقائق الدينية في وصف الذات بأنها تشبه صلابة الحديد المنبعث من النجوم، وكذلك الحقائق الدينية التي جعلت النجوم لاتمس بقدرته في إشارة بارعة إلى عدة آيات بالقرآن الكريم .
وترتكز على التوكيد؛ لتعمق التشبية والاستعارة التي تبين قوة قومها، وصلابتهم، في مقابل (الهجس) وهو أحاديث النفس، وتتكأ على الأمر؛ لتأخذ من الحديد (اقتباس)، وكأنها تقتبس نارًا والدلالة تحيلنا لقصة سيدنا موسى عندما آنس من جانب الوادي نارًا فقال : لعلي آتيكم منها بقبس …..
وتربط التشبية هنا بأنه ثوب إباء وكرامة، وكأنه ديباج مطرز من الحرير وقد جمعت الشكل بالقيم العظيمة بكلمة (دمقسي).
وتنتظر الفجر أي فجر يزف إليها خبر انقشاع الظلام؛ لبدد ظلام الليل النحس، فهي لم تفقد الأمل بل ترتقب النصر، وتأمل المصدر (انبلاج) الذي يوحي بالقوة التي تكمن في(شقشق) وهو صوت يعلن باندحار الليل وصوت الفجر وصوت العصافير.
نقد النقد
ويقيني بأننا كحديدٍ
من نجومٍ عملاقةٍ ذات بأسِ
جعل الله قلبها دون خرقٍ
خصّها السرّ محْكما دون مسِ
نجوم (عملاقة/ ذات بأس) لا دهشة في الأمر؛ صفات متوقعة. جعل الله قلبها دون (خرْق)، هل عدم وجود خرق في قلبها دليل على أنها غير قابلة للخرق ؟ وهل يكون السر إلا محكما؟
وحتى لا يطول بنا المقام، ويمل القاريء الهمام، فالزم حبيبنا ذلك الدرب تغنم لذة المدام
ولأن للسامع والقاريء طاقة فإننا ننصرف قبل أن يصرفنا. ومن طلب الاستزادة فإن في الكتب الإفادة، ومن تابعنا نكرم أهله بالوفادة. دام إبداع الشاعرة العملاقة …(رمح القدس)
تابع القصيدة :
إنّ ديني منزّه عن ضلالي
هو كالشمس باعثٌ دفءحسيّ
خلط الناس بين كبْرٍ ودينٍ
فارتوى الكون من تخاريف مسِّ
إنما الله جامعٌ للبرايا
ناشر السلم كالشعاع بشمسِ
في هواه : بحق من زان نفسي
سوف أحيا محبّة كلّ نفسِ
في دمائي محمد الحبّ نورٌ
وحسين الشهيد قد كان قبسي
***
تكْنُلوجيا هي الحياة بعصري
فاطلب العلم لا تُصاب بضرسِ
واسعَ دوما إلى التنوّر يُجلى
بانبهارٍ جَلاله دون لبسِ
ليس كالعقل منقذٌ في صراعٍ
صار للشرّ قوة ذات بأسِ
طائراتٍ بغير طيّارَ تغزو
وأخو العرْبِ راكبٌ ظهر عنسِ!!
فاصنع العلم لا تُقايضه مالا
تلقَ سجنا مغلّقا مثل رمسِ
تبقَ عبدا فلا تُصيب المعالي
كيف للمجد أن يُرى إثر طمسِ ؟
***
فاصنع الفلك راكبا ظهر فكرٍ
وامخر الأفق أو تُرى حيث تُمسي!!
***
في اكتمالي ورفعتي وانفتاحي
سوف أسعى محررا قلب قُدسي
أخطاء وعثرات لا بد من التنبيه إليها :
البيت *
تكْنُلوجيا هي الحياة بعصري
فاطلب العلم لا تُصاب بضرسِ
الفعل تُصاب صوابه لا (تُصبْ) لأنه جواب الطلب وغير مسبوق بالفاء .
البيت
واسعَ دوما إلى التنوّر يُجلى
بانبهارٍ جَلاله دون لبسِ
الفعل (يجلى) مجزوم لأنه جواب الطلب، وعلامة جزمه حذف حرف العلة (يُجلَ) وهذا يسمى زحاف الشكل (فعلات) وهو زحاف قبيح.
في البيت
فاصنع العلم لا تُقايضه مالا
تلقَ سجنا مغلّقا مثل رمسِ
الفعل (قايض) يتعدى إلى مفعوله الأول بنفسه ، إذا كان بمعنى مبادلة العطاء. فقول الشاعرلا تقايض العلم مالا : أي لا تعط العلم مالا ولا تأخذ منه مالا. والشاعرة لا تقصد هذا ، بل تقصد القول : ” لا تقايض العلم بالمال ، أي لا تأخذ المال بدلا من العلم . لذا يجب تعدية الفعل هنا بالباء.
وئتدنا ونحن أحياء ظلما
آلة الشرّ والولاة كرمسِ
الفعل ( وئتدنا) صوابه (وأدتنا) خطأ كيبوردي
في البيت
كلّ نصبٍ مهيئٍ كعميلٍ؟
جنّدوه لكي يسود بنقسِ
مهيئ خطأ والصواب كتابة الهمزة المتطرفة على الألف لأن الحرف السابق لها مفتوح (مهيَّأ).
والقصيدة مازالت تحتمل الكثير من النقد . ولكنني أكتفي بهذا القدر