أم كلثوم تغني لشوارع التطبيع

شوقية عروق | فلسطين

عندما خرج شارون من غزة قال: ” الذي يرى من تحت ليس كالذي يرى من فوق “ونحن لم نر من فوق لأننا عشنا تحت، و” تحت” كلمة تحوي الضعف لدرجة الهروب، لكن حين نرى من تحت أفلاماً قديمة تدور حول الحروب العربية الإسرائيلية خاصة حرب 48 و67 أو صوراً كانت في دهاليز النسيان و خرجت من الصناديق الإسرائيلية لأسباب سياسية هدفها دفع الآخر- العرب – أو الخاسر إلى رسم الذل حول تاريخه، وعدم التفكير في الخروج إلى مناطق الكبرياء، نشعر أن التاريخ برائحته – الفتوغرافية- لم يصدم فقط الأجيال التي عاشت النكبة والنكسة فقط، بل يصدم الأجيال المستقبلية التي لم تتصور أن يكون تاريخهم بهذا الحجم من الخزي .

الهزيمة ليس أن نخسر المعركة والوطن، الهزيمة أن تبقى الصور والذكريات تلاحقنا، وأن نحاول التحديق جيداً بالصور حتى نمتلىء بمشاعر الغضب، ونقف ونتساءل أين هؤلاء الذين عاشوا وعانوا وذاقوا المرارة؟ وهل السلام معناه ترك الذاكرة للرعي في حقول الاستسلام وأكل حشيش الابتسامات والصفح دون حساب.

في الأرشيفات عالم الصور لا ينتهي، وإسرائيل تملك أكبر أرشيف للصور التي تبعث على الأسى والحزن والخزي والخجل، وكأن إسرائيل تريد أن تلقن العرب بين حين وحين جرعات من الذل حتى تقول لهم – أنا موجودة –

مؤخراً بثت القنوات الإسرائيلية فلماً قديماً يرجع تاريخه لعام 67 حين استطاع الجيش الاسرائيلي أسر العشرات من الجنود المصريين، وأظهر الشريط معسكرا للأسرى في مطار العريش وهم في الشاحنات فوق بعضهم البعض، وحين كانوا ينزلون من الشاحنات كانت الشرطة العسكرية الاسرائيلية تمارس الضرب والركل والبصق ضد الأسرى المصريين الذين وقعوا رهائن، ولم تكتف الشرطة العسكرية بالأسر فقد أجبروا الأسرى على خلع الملابس وكانوا طوال الوقت في الملابس الداخلية، وظهر الجنود الإسرائيليون وهم يسخرون ويأمرونهم بالوقوف تحت الشمس أو الرقود على الأرض، لا نعرف كيف تم التصوير، لأنه لم يكن في ذلك الوقت كاميرات خفية، لكن مؤكد من باب الفخر والنظرة الدونية اتجاه العرب قام الجندي آنذاك “رؤوبين سيلع” بتصوير الفيلم والذي قام ببيعه بعد ذلك للمخرج الاسرائيلي “الياف ليليت” الذي يعد فلماً عن حرب 67 .

بعد عرض الفيلم يُقال أن الجمهور الإسرائيلي صدم من تصرف أبنائه الجنود، وأخذت التعليقات تؤكد أنهم ليس بهذه القسوة، وجنودهم يملكون الرحمة والقلوب الواسعة لإحتضان الأعداء، وهم يعلمون الأبناء التسامح والمحبة!

أما الحكومة المصرية فلم تعلق على الفيلم الذي نشر على كل المواقع، كأن هؤلاء الأسرى ليس لهم قيمة واحتراماً، حتى الجهات المصرية المعارضة لم تطلب التحقيق بالموضوع، كأن أسر الجندي المصري والتنكيل به قضاءً وقدراً، الأدهى أن لا جواب من السفير المصري في تل أبيب، وبقي الصمت سيد الدبلوماسية المنحنية، تجمع أوراق التاريخ عن أرصفة العهر- القهر – العربي .

الظاهر أن الجيش الإسرائيلي يملك عقدة اتجاه الملابس، ويتمتع برؤية الملابس الداخلية فكلنا نذكر منظر الأسرى الفلسطينيين حين قامت اسرائيل باخراجهم بالملابس الداخلية أبان اقتحامهم سجن اريحا عام 2006 ، عندما خطفت أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية، وقد سخر آنذاك المجتمع الاسرائيلي من نوعية الملابس الداخلية للفلسطينيين، وأخذوا يراهنون على أسماء الشركات التي تصنع هذه الملابس، ولم نشعر بأن هناك حزناً اسرائيلياً على الطريقة التي اقتيدوا فيها ، حتى العالم أجمع تغاضى عن هذه الصورة ومن ضمنهم السلطة الفلسطينية .

وبما أن الشعب الإسرائيلي يريد التعبير عن حبه لمصر والمصرين، ولا يكفي بث الفلم العربي على شاشة التلفزيون الإسرائيلي يوم الجمعة، حتى أن معظم الشعب الإسرائيلي يعرف أسماء الممثلين والممثلات المصريين، فقد أطلق مؤخراً اسم ام كلثوم على شارع في مدينة حيفا، وسابقاً أطلق اسم أم كلثوم على شارع في القدس الشرقية – بيت حانينا – ورئيس بلدية القدس أطلق أسم ام كلثوم على شارع ليس حباً في أم كلثوم، بل اللجنة العربية التي قررت اطلاق اسماء على الشوارع القدس الشرقية ، لأن اسم الشارع يسهل على عملية توزيع البريد ،وبعد أن قررت هذه اللجنة مئات الأسماء الوطنية والسياسية ، تم شطبها ، من بينهم أسم الشاعر ” توفيق زياد ” ورسام الكاراكتير ” ناجي العلي” وغيرهم من الأسماء الفلسطينية .

قال حايم وايزمن الرئيس الأول لدولة اسرائيل (أنا متأكد من أن العالم سيحكم على الدولة العبرية من خلال ما سنفعله بالعرب) لكن الظاهر أن العالم يحكم عليهم بالدعم الكامل كلما داسوا على العرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى