تأملات في (العقل والإيمان والثورة) لـ تيري إيغلتن
د. موج يوسف | أكاديمية وناقدة – العراق
قبل الشروع بالكتابة عن هذه الدراسة الهامة لابدّ من الإشارة إلى مؤلفها (تيري ايغلتن) المنظر الأدبي والناقد الفيلسوف والمثقف البريطاني ذائع الصيت .
والذي يعمل أستاذاً للأدب الانكليزي في جامعة لانكساستر البريطانية، وهو أحد المساهمين الكبار في حقل الأدب ونظرياته الأدبية. درسَ المفكر مقاربات كثيرة ومنها الشكلانية، والتحليل النفسي، والبنيوية وما بعد البنيوية وهذه المقاربات تتجذر عميقاً في الفكر الماركسي كما حاول أن يضيف ويطعم تقنياته الفكرية من تيارات فكرية أخرى أكثر حداثة من الماركسية.
صدرت له العديد من الدراسات في الفلسفة والنقد والأدب وقراءات في اللاهوت؛ ولأننا سنقوم بالكتابة عن إصداراته بشكل متتالي قد عرفنا بالمؤلف بهذا الموجز التقديمي .
تيري إيغلتن في كتابه (العقل والإيمان الثورة) الصادر عن دار المدى في بغداد، ترجمة أسامة منزلجي.
يطرح المفكر ايغلتن مناقشاته حول الدين في ضوء العلم والفلسفة وهذه المناقشات عبارة عن محاضرات قد القاها في جامعة بيل عام 2008
وقد جاء تقسيمه لهذه المحاضرات في الكتاب على وفق أربعة فصول الأول بعنوان حثالة الأرض، والثاني خيانة الثورة، والثالث الإيمان والعقل والأخير بعنوان الثقافة والهمجية.
في الدراسة نجد أن ايغلتن يناقش الكتّاب اليساريين الراديكاليين الذين يرغبون في إلغاء الدين بشكل كلي من الحضارة والثقافة ويجادل الجهل والتحامل على الراديكاليين والليبراليين ونرى في مقدمة الكتاب يذكر قضية الدين قائلاً(:لقد تسبب الدين ببؤس لا يوصف في الشؤون الإنسانية في أغلب الاحيان) ويبين أن الكتب السماوية قد قدمت إجابات على بعض المسائل الحيوية (كالموت والمعاناة وإنكار الذات).
وفي صدد الحديث عن قضايا الفصل الأول حثالة الأرض يعرض أطروحات الباحثين ومنهم ريتشارد دوكينز عالم حيوان وله كتاب بعنوان (ليس الله أكبر) وكريستوفر هيتشنز كاتب صحفي أمريكي وله كتاب (وهم الله) الذين طرحوا إلغاء الله والدين من العلم والحضارة.
يبدأ المفكر يقتصر نقاشه على العلم لأنه يرى أن المسيحية منذ البداية لم يكن الهدف أبداً من تفسيرها لأي شيء. في رده على أطروحة (إن الدين لم يقدم ايَّ شيء هام) كما أن الله ليس صانعاً جباراً بالنسبة للاهوت المسيحي فيراه ايغلتن إنه (ليس مهندساً كونياً يضع تعميماً عقلانياً بل فنان ومحب للجمال ص 21) ومنه يناقش الصراع بين العلم اللاهوت التي اثارها الباحثين فيرى أن الصراع بيهما ليس حول كيف وجد الكون بل أيّ مدخل يستطيع أن يمدنا بأفضل تفسير له.
إنه خلاف حول المدى الذي يجب أن يعود إليه المرء وبالنسبة للاهوت والعلم لا يعود بقدر كافٍ إلى الوراء . اي ليس بمعنى أنه يفشل في افتراض وجود خالق، بل بمعنى أنه لا يطرح اسئلة لماذا لايوجد أي شيء أصلاً؟ وهذا يعني أن اللاهوت والعلم مجالان مختلفان لأن علماء الجمال يعتقدون جمال الأشياء خاصيتها الحسية وفقهاء اللاهوت تستحوذ عليهم حقيقة أن وجودهم عارض بصورة شديدة وبهذا الفصل نستخلص منه أن ايغلتن يرى أن الحرية الحقيقية هي التي تؤسس لنظام ديمقراطي يحث المرء على الاعتراف بمعتقدات الأخر لأن في كلّ معتقد مزايا خاصة يعتنقها الفرد وتعيش معه طويلاً.
وأما الفصل الثاني بعنوان خيانة الثورة يناقش تيري الكتّاب اليساريين الذين أعلنوا إلغاء الدين من الحضارة ومن المستقبل ، لكنه بالمقابل يعرّض لنا قضية المسيحية وخيانتها للثورة وأنها مارست (التعذيب ونزع الأحشاء باسم اليسوع وكممت أفواه المثقفين واحرقت منتقديها أحياء ص69 ) كما أنه يطرح الضبابية في عصر التنوير وإن أصحاب الأخير سعوا إلى إسكات المعارضين له (فعلى المرء أن يلاحظ أنّ ما يُعتبر من وجهة نظر عصر التنوير أبعد عن الوضوح ، وسعوا هؤلاء إلى الدفاع عن قيم التنوير التي العديد منها يهودي ومسيحي في أصله).
وهذا ما جعل لغة التنوير تقدم باسم الجشع المشترك والدولة البوليسية والعلم الوسطي والحرب الاقتصادية، وجعل الدولة الليبرالية تعمل على حماية الحرية الفردية وسخرت الحرية لغاية الربح الاقتصادي واسلحة الحرب وكان التنوير في رأي ايغلتن أحد الأسباب الحيوية لإعلان الولايات المتحدة حرباً بلا حدود على الارهاب هو حرصها على تدفق أرباح لا تتوقف كما انحدرت الثقة المستنيرة (التنويرية) في العقل المجرد إلى استئجار للمثقفين والخبراء للدعاية السياسية وبلغت حرية التعبير الثقافي ذروتها في البلاغة والايدولوجية التافهة والأخبار المسيسة لوسائل الاعلام.
يقودنا هذا إلى أن الولايات المتحدة ـــ وفق رؤية ايغلتن ـــ دعمت الارهاب في دول الشرق الاوسط ولاسيما بعد احداث 11 سبتمبر حين ادّعت أن الإرهاب الإسلامي يهدد الحريات المدنية الاميركية ويثير بذلك أطروحات المفكر الماركسي الهندي إعجاز أحمد حول دور الغرب الهام في خلق الظروف التي ساعدت في إنشاء ما يسمى بالإسلام الراديكالي على الازدهار بتعزيزه بوصفة قوة مضادة للشيوعية وهي وصفة استخدمت لوصف إي بلد جرؤ على أنها مبدأ القومية الاقتصادية .
ويرى أن cia لعبت دوراً مهماً في إنشاء دولة إسلامية متشدّدة حين ساعدت إيران في ثورتها الاسلامية عام 1978 لتقضي على اليساريين والعلمانيين وكذلك اندونسيا التي كانت تضم أكبر حزب شيوعي غير حاكم أطيح به بانقلاب مدعوم من الولايات المتحدة وفي أفغانستان دعمت الجهاد الإسلامي ضد السوفيت وأسست دولة إسلامية وفي مصر والعراق والجزائر حاربت التيارات الشيوعية أيضاً وهذا ساعد على بروز أيديولوجية إسلامية ولحل هذه القضية يستعير ايغتلن ما كتبه إعجاز أحمد (إن على العالم العلماني أن يحتوي ما يكفي من العدل بحيث لا يضطر المرء فيه أن يستحضر على الدوام عدل الله مقابل جور الوطنيين ).
ويضيف ايغلتن قائلاً:(إن الحل للقضاء على الإرهاب الديني هو العدل العلماني ص 177) فيمكن القول إننا عندما نظرنا إلى الدين بوصفه المضاد المباشر للعقل قد ارتكبنا اخطاء كبيرة التي طرحها المؤلف.
وفي الفصل الثالث الذي حمل عنوان الإيمان والعقل ويكمل فكرته السابقة لكن وفق مناقشة أخرى لما ادعاه ريتشارد دوكنيز (أن الدين يلغي العقل من أساسه) وهذه الأطروحة أوقعت الكثير من الباحثين في ميدان التعصب مما استعار ايغلتن مقولة سلافوج تجيجيك الفيلسوف والمحلل النفسي الذي رأى أن التعصب يخلط بين الإيمان والمعرفة ويرى أن المتعصبين لا دين لهم في الحقيقة.
فيصل ايغتلن في خلاصة لهذا الفصل يرى فيها أن العلم يتضمن الايمان لأنه يشترك مع اللاهوت وأنّ الكنائس كشفت إلى حد بعيد عن رسالتها التاريخية كذلك فعل جزء من العلم . وفي الفصل الأخير الثقافة والهمجية يناقش الدين في الحضارة والثقافة ويرى أن الدين موجود عند الاثنين وهذا جزء من قوته الهائلة . الدراسة أو المحاضرات ناقشت أفكاراً كثيرة ولها أصل قديم وتثار بين فترة وأخرى ولاسيما قضية الدين التي بدأت منذ عصر التنوير إلى يومنا مثاراً للجدل والنقاش .