انشطار .. من دفتر فتاة تونسية (3)

بقلم: نزهة المثلوثي

قبيل دق الجرس وانتهاء الحصة أمرتنا المعلمة ‘رشيدة’ بغلق الكراسات وجمعتها دون أن تلقي نظرة على التمارين .

عدت إلى البيت حيث كنا نقطن وكان غرفة مستطيلة الشكل  ملاصقة لمنزل الحاج نور الدين جدرانها مطلية بالأخضر الفاتح المريح قبالتها مطبخ متواضع مسقوف بقطع” الزنك “وبين الغرفة والمطبخ ساحة صغيرة لم يمنع سورها من ظهور شجرة خروب انتصبت أغصانها في الحقل المجاور

وكان في تلك الساحة التي تفضي إلى البستان البديع حنفية يأتيها  الماء من خزان مبني فوق جدران جابية تراقص فيها  ‘الزغلال ” وطفت عليها شوائب صغيرة وكنا نستعمل ما ينهمر منها للتنظيف ورش الساحة…وتنعرج أمي إلى بهو المنزل لتملأ الأواني بماء الشرب والطبخ

قرر أبي الاستقرارفي مسكن ‘ الحاج نور الدين ‘الذي رفض تسلم معلوم الكراء واكتفى بطلب حراسة منزله أثناء غيابه فقد كان يغادره مع أسرته نحو العاصمة للعمل والإقامة ويعودون إليه آخر الأسبوع لقضاء يومين

وأعلم أمي أن أيام الترحال قد ولت دون رجعة .

أيام قضيناها في تنقل بين الأحياء والديار  فما إن نضع أمتعتنا في مسكن حتى نغادره بعدفترة قصيرة تأثرا بالمنجمات و”الدقازات “اللاتي  كن يشرن على أمي بتغييرالحي والعتبة حتى تسلم من موت الجنين والإجهاض و تحقق حلمها بولادة ذكر حيا  فكان الترحال أمل  حياة  وسبيل خلاص وولادة  وحسب اعتقادهن الحي والدار سبب العدم

على أنها لم يسلم لها حمل  فكل الذين حملتهم بعدي ماتوا أجنة في بطنها …وكانت تقضي الأيام والشهور في المستشفى بسبب النزيف والمرض والاكتئاب

كانت العرافة  تشيرعليها بعجائب وغرائب لا تخطر على بال….

حتى كان اليوم العصيب الذي دخلنا فيه بيت(وقاعة )  ادعت قدرة خارقة وتوقفنا حذو بئر في حوش دارها …وضعتني في حوض كبير بعدأن  نزعت ثيابي  وصبت على رأسي سبعة دلاء جذبتها من البئر فنزلت على قلبي صقيعا كاد يوقفه فاصطكت أسناني وارتعدت مفاصلي  ولما رأت أمي ارتعاشي وتغير لوني قالت

_ ياوخيتي يا وخيتي كان تمرض وتموت الماء بارد

_صلي عالنبي هذي حرشة  كان تموت تو تجيبي ولاد ذكوره ويعيشو لك

وضحكت ضحكات عالية وأردفت وعيناها تتقدان زورا ومكرا

  ما تموتش اسعدي فالك وكبري قلبك  لاسو  لا سويه .

وأكدت لأمي وهي تقسم بربها وأوليائها الصالحين ان  تدبيرها هو الحل الوحيد ليعيش الجنين ويولد حيا فلا بديل عن ماء البئر وإفزاعي  بالنار بعده على حين غفلة

أخرجتني الوقاعة الشمطاء من الحوض وأمسكت عصا كالدبوس توقدت نارها وألصقتها على رقبتي فاكتويت وشعرت أني انشطرت .

^^^

يتبع….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى