التفاؤل: أسلوب التفسير التفاؤلي، وعلاقاته بالصحة الجسمية والنفسية

أ.د. محمد السعيد أبو حلاوة| أستاذ الصحة النفسية المساعد، كلية التربية، جامعة دمنهور

أولاً- مقدمة:

التفاؤل Optimism سمة شخصية إيجابية ينظر إليها كثيرُ من الناس على أنها مؤشرًا جوهريًا من مؤشرات الصحة النفسية، وعادة ما تفهم دلالات مصطلح التفاؤل من قبل رجل الشارع العادي وفقًا لمقولة وينستون تشرشل Winston Churchill والتي مفادها أن “المتشائم يرى صعوبة أو أزمة في كل فرصة، وأن المتفائل يرى فرصة في كل صعوبة أو أزمة”.

وتفيد عديد من التحليلات النظرية أن التفاؤل يحسن من جهاز المناعة لدى الإنسان، ويقي الإنسان من الأمراض المزمنة، ويساعده في مواجهة الأخبار والأحداث الضاغطة وظروف الحياة العصيبة.

ويرتبط الامتنان والعرفانGratitude  والتوجه نحو الاعتراف بالفضل لأهل الفضل Gratitude بالتفاؤل، ويوجد شبه اتفاق على أن ذوي المستوى المرتفع من الامتنان والعرفان والموجهون في حياتهم بالاعتراف بجميل الآخرين وفضلهم أكثر سعادة، وأكثر تلقيًا للمساندة الاجتماعية، وأقل تعرضًا للضغوط النفسية، وأقل اكتئابًا.

وخلصت نتائج عديد من الدراسات البحثية الحديثة أن المتشائمين والمتفائلين يتعاملون مع المشكلات بطرق مختلفة، كما أن قدرتهم في مواجهة مصاعب الحياة وشدائدها ينتج عنها تداعيات متباينة.

وأشار مارتين سليجمان (Seligman, 2006)إلى أن التفاؤل تجسيد “لرد فعل الشخص للمشكلات بشعور بالثقة والاقتدار الشخصي”، وبصورة محددة، يعتقد المتفائلون أن الأحداث السلبية ذات طابع مؤقت، ونطاق محدود (بدلاً من اعتبار جوانب عامة في حياة الشخص)، ويمكن إدارتها والتعامل معها وضبطها.

والتفاؤل شأنه شأن الحالات والخصائص النفسية الأخرى يوجد على متصل continuum، ويمكن للناس في نفس الوقت تغيير مستوى تفاؤلهم بناء على الموقف الذي يتواجدون فيه، ولتبسيط المعالجة يناقش في الصفحات التالية ما يعرف بذوي المستويات المرتفعة من التفاؤل مقارنة بذوي المستويات المنخفضة من التفاؤل على نفس المتصل أو على نفس الطيف spectrum، مع عرض ومراجعة فوائد التفاؤل، والتركيز على الأدلة التي تفيد بأنه مهارات يمكن تعلميها واكتسابها.

 

ثانيًا- أسلوب التفسير التفاؤلي: التماس معنى في الأحداث السيئة Optimistic Explanatory Style:

تخيل وجود طالبين حصلا على درجة منخفضة في أحد الاختبارات، واعتقد الأول أنه فاشل ولا يتوقف عن لوم ذاته وتأنيبها على الدوام بقوله “أنا شخص فاشل؟!” أنا دائمًا هكذا لا رجاء في وأدائي منخفض في هذا الموضوع؟! لن أستطيع أداء أي شيء بصورة صحيحة؟!!، بينما يعتقد الطالب الثاني أن الاختبار كان صعبًا، ويقول لنفسه: إنه مجرد اختبار واحد من بين اختبارات كثيرة، أدائي في الموضوعات الأخرى جيد”.

يظهر هذين الطالبين أسلوبين مختلفين من أساليب التفسير explanatory styles، ويعكس أسلوب التفسير ثلاث خصائص أساسية يكونها الشخص عند حدث حال: هل هذا الحدث وقع بسببي (داخلي internal)، أو وقع هذا الحدث بسبب شخص أو شيء آخر (external)؟ هل سيقع هذا الحدث لي دائمًا (ثابت stable) أو هل أستطيع تغيير ما سبب هذا الحدث (غير ثابتunstable)؟ هل هذا الحدث يؤثر على كل جوانب حياتي (عام وشائع pervasive)، أو يقتصر تأثيره على جانب واحد (محدودlimited).

يميل المتشائمون إلى إدراك المشكلات على أنها: داخلية، ثابتة، وعامة، بينما يميل المتفائلون إلى الاعتقاد في عكس ذلك بمعنى يتصورون أن المشكلات أو الأحداث السيئة خارجية ومؤقتة ومحدودة.

وتفيد نتائج دراسات بحثية متعددة وجود علاقة بين التشاؤم Pessimism وكل من: الاكتئاب، القلق، والضغوط (Kamen& Seligman, 1987),، بينما يعد التفاؤل عامل وقاية جوهري ضد الاكتئاب، فضلاً عن حماية الإنسان من عدد من المشكلات الطبية الخطيرة مثل أمراض الشريان التاجي (Tindle, et al., 2009)، من جانب آخر كشفت نتائج دراسة أن الأمهات المتفائلات تنجبن أطفالاً أصحاء وأثقل وزنًا (Lobel, DeVincent, Kaminer, & Meyer, 2000).

 

ثالثًا- التفاؤل والصحة الجسمية Optimism and Physical Health:

أن يعيش الإنسان حياة سعيدة قوامها التفاؤل والاستبشار حتى وإن كانت قصيرة أفضل من أن يعيش حياة تعيسة مفعمة بالتشاؤم والاستياء، حتى وإن كانت طويلة ومع ذلك أشارت نتائج دراسة(Maruta, Colligan, Malinchoc, &Offord, 2000) إلى وجود علاقة ارتباطية موجبة بين التفاؤل وطول العمر life longevity بما يعني أن التفاؤل يطيل عمر الإنسان.

من جانب آخر توصلت نتائج دراسات (Carver et al., 1993; Schou, Ekeberg, &Ruland, 2005) إلى أنّ التفاؤل يلعب دورًا مهمًا في التعافي من الأمراض والعلل الجسمية، خاصة الأمراض الخطيرة والمهددة للحياة مثل السرطان.

وفينفس السياق بينت نتائج دراسة (Schou, etal., 2005) أن ارتفاع الروح المعنوية وروح المواجهة لدى المتفائلين أفضل منبئ بجودة الحياة بعد إجراء عمليات جراحة سرطان الصدر.، فضلاً عن أن التفاؤل يعد أحد العوامل المنبئة بانخفاض الضغوط والإعياء والتعب واختلال الحياة لدى النساء الذين مروا بفترات علاجية مؤلمة من سرطان الصدر (Carver, Lehman, &Antoni, 2003).

ويبدو أن للتفاؤل في هذه الحالة دورًا وقائيًا ضد رغبة الشخص في الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية، والتي لها فاعلية وأهمية خاصة في عملية التعافي والشفاء، كما أن المتفائلين أكثر انفتاحًا عقليًا وأكثر تقبلاً ولديهم زيادة في جودة النوم(Howell. etal., 2008).

ويوجد شواهد أيضًا تدل على أن التفاؤل يقي الإنسان من الأمراض المزمنة، ففي عينة من النساء من منتصف العمر تم تعريضهم لفحوصات لتقييم تصلب الشرايين atherosclerosis من نقطة بداية أو أساس معين ثم بعد ثلاث سنوات فيما بعد، فوجد أن النساء وذات المستويات المرتفعة من التشاؤم لديهم بعض علامات احتمالات الإصابة بتصلب الشرايين مثل سمك الشرايين والأوردة، بينما لم تحدث هذه الزيادة في سمك الأوردة والشرايين لدى المتفائلات (Matthews, Raikkonen, Sutton-Tyrell, &Kuller, 2004).

ويؤثر التفاؤل بصورة واضحة على جهاز المناعة للشخص أيضًا، ففي دراسة تم تطعيم مجموعة من المسنين ضد الإنفلونزا، وبعد أسبوعين تم قياس الاستجابة المناعية للتطعيم، فوجد أن التفاؤل أحد العوامل التي تم بموجبها التنبؤ بإنتاج أجسام مضادة أكثر وبالتالي تحقق نواتج مناعية أفضل (Kohut, Cooper, Nickolaus, Russell, &Cunnick, 2002)..

وعليه ذلك، تفيد نتائج الدراسات السباقة أن للتفاؤل تأثيرات إيجابية على الصحة الجسمية للشخص، ويترتب عليه نواتج صحية إيجابية تعزز بصورة عامة من جهاز المناعة الجسمية للإنسان، وتقيه في نفس الوقت من السلوكيات الخطيرة، وتحول دون إصابته بالأمراض المزمنة، وتساعد الناس في التوافق مع الأخبار المزعجة، فضلاً عن إمكانية ارتباط التفاؤل بالتنبؤ بطول العمل.

 

رابعًا-التفاؤل والصحة النفسية Optimism and Psychological Health:

تفيد شواهد علمية عديدة أن التفاؤل عامل مركزي في تمكين الشخص من التوافق الإيجابي والمواجهة الفعالة لأحداث الحياة الضاغطة وظروفها العصيبة ونكباتها وشدائدها المتنوعة، إذ يرتبط التفاؤل بالاستجابات المناسبة لمختلف المصاعب من أبسطها إلى أكثرها شدة(Zeidner& Hammer, 1992)

ويبدو أن التفاؤل يلعب دورًا وقائيًا بمساعدة الناس في التوافق مع الأحداث غير الاعتيادية، إضافة إلى أن التفاؤل يرتبط بصورة موجية بالرضا عن الحياة وتقدير الذات (Lucas, Diener, &Suh, 1996).

وفي نفس السياق استهدفت (Segerstrom&Sephton, 2010)التحقق من إمكانية التنبؤ عبر التفاؤل بالوجدان الموجبPositive affect أم لا، وانطلقت الدراسة من افتراض عام مفاده أن التغييرات في التفاؤل يمكن بموجبها التنبؤ بالتغييرات في الوجدان الموجب، حيث افترض أن الزيادة في التفاؤل ترتبط بالزيادة في الوجدان الموجب والعكس، والمثير للدهشة في نتائج هذه الدراسة أن التغيرات في التفاؤل لم ترتبط بالتغيرات في الوجدان السالب negative affect، وعليه يبدو أن التفاؤل يرتبط بصورة نوعية بالوجدان الوجب، ويعني ذلك أن المتفائلين أكثر سعادة في حياتهم من المتشائمين.

كما أنّ المتفائلين أكثر قابلية للتعافي من خيبات الأمل ومن شدائد الحياة مصاعبها بسرعة عبر الانتباه إلى النواتج الإيجابية للأحداث والمواقف بدلاً من التركيز على الجوانب السلبية، ودرس (Litt, etal., 1992) التفاؤل والتشاؤم بين الزوجين الذين يجريان ما يعرف بعملية أطفال الأنابيب من أجل الإنجاب in-vitro fertilization (IVF) وتكونت عينة الدراسة من (41) سيدة وأزواجهم تم مقابلتهم قبل العملية بأسبوعين وبعد أسبوعين من اختبار الحمل اللاحق، ومن بين السيدات اللاتي تلقين نتيجة سلبية لاختبار الحمل كانت السيدات المتفائلات أكثر قدرة على مواجهة محاولات الإخصاب الفاشلة وأكثر تحملاً لها بالاعتقاد بأن هذه المحاولات جعلت علاقتهم أقوى بأزواجهن، بينما أظهرت السيدات المتشائمات أعرض الاكتئاب وشعرن بأنهم مسئولات شخصين عن هذا الإخفاق، وأظهرت نتائج هذه الدراسة أن المتفائلات أكثر قدرة على التوافق مع خيبات الأمل وذلك عبر التركيز على الجوانب الإيجابية في العثرات أو الإخفاقات.

وتفيد نتائج دراسات أخرى مثل دراسة (Taylor et al., 1992) أن المتفائلين أكثر قابلية وميلاً للاندماج في سلوكيات حل المشكلة عند مواجهة صعوبات أو متاعب، وأن هذا الأمر يزيد من طيب الوجود النفسي وجودة الحياة النفسية لديهم psychological well-being.

كما أن المتفائلين من المصابين بمرض نقص المناعة المكتسب على سبيل المثال أكثر ميلاً وأكثر توجهًا للتخطيط لعملية العلاج، وأكثر سعيًا للمعلومات، ويتجنبون لوم الذات ولا يلجئون إلى الهروب من مشكلاتهم.

ويميل المتفائلون أيضًا إلى قبول الواقع بمتاعبه ومواقفه الصعبة دون إنكار ودون تهويل أو تهوين، لكن مع صياغته وتلوينه بضوء مشرق قدر الإمكان (Carver et al., 1993.

فبينما يميل المتشائمون إلى التوافق مع ضغوط الحياة ومشاكلها ومتاعبها عبر الإنكار أو التجاهل والتخلي عن الأهداف الشخصية، يعول المتفائلون على كل من التقبل واستخدام روح الدعاية والحس الفكاهي العام.

من جانب آخر ربما يلعب التفاؤل دورًا مهمًا في جودة حياة من يقدمون الرعاية للمرضى بأمراض مزمنة، إذ لا شك أن رعاية شخص محبوب وعزيز يعاني من مرض خطير ومهدد للحياة يمكن أن ترتب تأثيرات سلبية على جودة الحياة النفسية لمقدم الرعاية، وعلى ذلك فإن التفاؤل يبدو أنه عامل وقاية من مثل هذه التأثيرات السلبية، ذلك لأن التفاؤل يرتبط بصورة سلبية مع الاكتئاب بمعنى أن المتفائلين أقل اكتئابًا، وأكثر شعورًا بجودة الحياة النفسية أو طيب الحياة والسعادة الذاتية، وينطبق هذا الأمر على من يقومون برعاية مرضى السرطان(Given et al., 1993)، مرضى الزهايمر (Hooker et al., 1992)، ومرضى الاضطرابات النفسية (Singh et al., 2004).

وتأسيسًا على نتائج البحوث المشار إليها، يتضح أن التفاؤل أداة نفسية قوية جدًا في رصيدنا وعتادنا النفسي لحمايتنا من الاضطرابات وجلعنا أكثر ساعدة وأكثر فعالية وأكثر إيجابية وأكثر صحة وأكثر إقبالاً على الحياة وترحيبًا بها. ولكن ماذا عن من لا ينظرون إلى الجوانب المشرقة من الحياة؟ هل يمكن جعل المتشائمين بطبيعتهم أكثر تفاؤلاً؟

 

خامسًا- هل يمكن للمتشائم أن يصبح متفائلاً؟ Can a Pessimist Become an Optimist

بدأ مارتين سليجمان حياته العلمية المهنية بدراسة موضوعات: الاكتئاب، الضغوط النفسية، والقلق. وتوصل من خلال نتائج دراساته البحثية في هذا المجال إلى اكتشاف ما يعرف بأسلوب التفسير التفاؤلي optimistic explanatory style واعتبره أحد أهم عوامل الوقاية من نشأة الاكتئاب وتطوره عند مواجهة الشخص لظروف حياتية صعبة أو مواقف ضاغطة.

وأثير نتيجة هذه الدراسات سؤالاً عامًا مفاده: هل يمكن تعلم أو اكتساب أسلوب التفسير التفاؤلي؟ وللإجابة عن هذا السؤال أجريت دراسات عدية منها دراسة والتي قدمت شواهد على إمكانية تعليم الأطفال وإكسابهم أسلوب التفسير التفاؤلي(Gillham, Reivich, Jaycox, & Seligman, 1995).

وتجاوبًا مع هذا المسار البحثي، أعدت مناهج تعليمية عديدة للتطبيق على أطفال المدارس لتعليمهم أسلوب التفسير التفاؤلي، وجاء تفضل الأطفال لما تتميز به شخصيتهم من قابلية للتشكيل وإعادة التشكيل، وطبقت هذه المناهج في إطار ما يعرف ببرنامج بنسلفاينا للصمود Penn Resiliency Program (PRP), والذي يستهدف بالأساس غرس ورزاعة التفاؤل في البنية النفسية لأطفال بوصفه عامل وقاية لهم  من الأعراض الاكتئابية في المستقبل وكنوع من أنواع “التحصين النفسي psychological immunization أو تقوية جهاز المناعة النفسية”.

ويعتمد في تطبيق هذا البرنامج  على المعلمين والمرشديين المدرسيين في (12) جلسة تدخل تركز على تغيير طريقتهم في التفكير والانتقال بهم من أسلوب التفسير التشاؤمي إلى أسلوب التفكير التفاؤلي، ومن أهم الدراسات التجريبية التي أجريت في هذا المسار دراسة (Gillham et al., 2007) والتي تكونت عينتها من (700) طفلاً من تلاميذ ثلاث مدارس من المرحلة المتوسطة، وباستخدام برنامج بنسلفانيا للصمود وبرامج تعزيز المكتسبات السلوكية تم التركيز على تنمية قدرة الأطفال على التعامل مع الضواغط النفسية العامة في حياتهم، فضلاً عن تنمية تقدير الذات، ومقاومة ضغط الأقران، والتعامل مع الصراعات الأسرية، مع وجود مجموعة ضابطة من التلاميذ لم تتعرض لبرنامج التدخل.  وتم تقييم التلاميذ بعد مرور أسبوعين من انتهاء البرنامج، ثم أجريت تقييمات مرة كل ست شهور طوال السنوات الثلاث التالية، وخلصت النتائج إلى أنه في مدرستين من المدراس الثلاث وجد أن (20%) من فقط من الأطفال ارتفعت لديهم الأعراض الاكتئابية، وأن (10%) ظلت الأعراض لديهم بصورة منخفضة، أما بقية الأطفال فقد اختفت لديهم الأعراض الاكتئابية.

وتعزز هذه النتائج فكرة أن التفاؤل يمكن تعلمه عبر إكساب الأطفال أسلوب التفسير التفاؤلي، مما يعطي مشروعية وجود لمصطلحات مارتين سليجمان والمتمثلة في “التفاؤل المتعلم Learned Optimism”، و “الكفاءة المتعلمة Learned Competence” في مقابل “التشاؤم المتعلم Learned Pessimism“، و “العجز المتعلم Learned helplessness “.

 

سادسًا- نموذج التفاؤل المتعلم:

أشار سليجمان إلى أنه بمقدورنا جميعًا استخدام التفاؤل المتعلم بغض النظر عن مستوى النظرة التشاؤمية التي قد تكون لدى البعض منا، وأفاد بأن كل المتشائمين ليسوا على نفس الدرجة من التشاؤم، وعليه فإن الخطوة الأول لدفع الذات في مسار التفاؤل تتمثل في تحديد مستوى التفاؤل من خلال التقييم والقياس النفسي بأدوات القياس المقننة، وإذا كان مستوى التفاؤل منخفضًا فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن الإنسان متشائم ويتوقع الأسوأ، وكل ما يعنيه أن مستوى التفاؤل هذا يمكن تجاوزه وتحسينه بآليات معينة.

وتتمثل الخطوة الثانية المسار في قياس ردود فعل الإنسان للمواقف السلبية، ولتحقيق هذه الغاية استخدم مارتين سليجمان نموذج ABCلألبرت أليس، وأدخل عليه تعديلاً بإضافة مكونين أساسيين لبينته فصاغ ما يعرف بنموذج ABCDE ويمكن توضيح مكوناته على النحو التالي:

– يشير الحرف A إلى الأزمة أو المحنة أو الشدة Adversity: أي الحدث الذي يسبب الضغوط أو الكرب والتعاسة.

– يشير الحرف B إلى الاعتقاد Belief الذي يستند إليه وينطلق منه الشخص في تفسير ذلك الحدث.

– يشير الحرف C إلى النواتج أو التداعيات Consequence: الفعل الناتج عن الاعتقاد المرتبط بتفسير الحدث.

– يشير الحرف D إلى التفنيد أو الدحض Disputation: ويقصد به الأدلة والشواهد التي يمكن بها تحدي أو تنفيد الأفكار السلبية المتعلقة بالشدة والتداعيات.

– يشير الحرف E إلى التزكية أو التقوية Energizing: ويقصد به تدعيم الشخص لذاته وتقويتها وبث الاعتقاد بالقدرة والجدارة والتمسك بالأفكار والسلوكيات الإيجابية استجابة للشدة والاعتقاد والتفنيد.

ولكي تتم رحلة التغير الوجداني الفعال، على الشخص أن يبدأ بوصف وتحليل وتفسير وتفهم اعتقاداته وردود أفعاله تجاه الحدث الضاغط أو المحنة أو الشدة أو عثرات الحياة وظروفها العصيبة adversity، ومن الطرق الفعالة للقيام بذلك ما يعرف بأسلوب التوثيق الكتابي لردود الأفعال التلقائية أو الطبيعية لهذه الشدة أو المحنة، على أنّ يعاد الاطلاع على ما يتم توثيقه كل فترة.

ثم بعد ذلك يمارس مع يعرف باستراتيجية التفاكر أو العصف الذهني لكيفية استبدال الأفكار والسلوكيات السلبية بأخرى إيجابية لتبدأ مرحلة الدحض أو التفنيد وفقًا لنموذج سليجمان، ومع تتالى تكرار مثل هذه الممارسات يبدأ الشخص في تعلم التفاؤل.

وعلى الرغم من السهولة النسبية النظرية لهذه الممارسات إلا أنها لا تعني أن الإنسان يصبح متفائلاً بين يومٍ وليلة، إنها ممارسات متواصلة ومثابرة طويلة وقد تتطلب للتمكن منها جلسات إرشاد وعلاج نفسي أو صيغ تدخل إيجابية على يد اختصاصي نفسي مؤهل.

 

سابعًا- خاتمة واستنتاجات: إلى أين نذهب من هنا؟ Conclusions: Where do we go from here:

أجريت دراسات كثيرة عن التفاؤل، وخلصت جميعها إلى أن: التفاؤل سمة أو حالة سوية وصحية وإيجابية! إذ أن المتفائلون يعيشون حياة أطول، ولديهم أجهزة مناعية وظيفية أفضل، ويتوافقون بصورة إيجابية وفعالة مع الظروف الصعبة والأحداث الضاغطة، ويكون لديهم أطفال أصحاء بصورة واضحة.

ومع ذلك: هل للتفاؤل سلبيات؟ نعم يوجد لكنها قليلة جدًا، على سبيل المثال يوجد بعض الشواهد أنه في ظروف معينة يؤدي التفاؤل إلى قمع الوظيفة المناعية.  إذ يوجد مجموعة معينة من فإن المزيد من الضغوط والأحداث الصعبة مع ارتفاع مهامل الصمود يودي إلى إضعاف وظائف جهاز المناعة (Segerstrom&Sephton, 2010; Segerstrom, 2006).

ولا يعرف سبب ذلك على وجه اليقين، ومع ذلك من التفسيرات المحتملة أن التفاؤل إذا اقترن بتعدد في مصادر الضغوط زيادة في شدتها يوقع الشخص في الارتباك وسوء التقدير.

يضاف إلى ذلك أن التفاؤل قد يرتبط بسلوكيات صحية لها نواتج سلبية، على سبيل المثال، توصلت نتائج دراسة (Goodman, Chesney, & Tipton, 1995) إلى أن الفتيات المراهقات المتفائلات مقارنة بأقرانهن الأقل تفاؤلاً أقل سعيًا لمعرفة المعلومات عن تقييم مرض نقص المناعة المكتسب.

للمزيد راجع:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى