تأملات بلاغية في حديث نبوي.. الجزاء من جنس العمل (٢)

رضا راشد | باحث بالأزهر الشريف

    وقفنا من قبل مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المروي في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه والذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم :(من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)

وعرفنا كيف أضفت بلاغة التشبيه على المعنى من الأسرار ما هو جدير بالتنبه له .

حيث نبهنا التشبيه إلى أن الجزاء من جنس العمل،  وأن من أراد أن يعود من حجه طفلا في ذنوبه (أي نقيا خالصا من كل ذنب)، فليخرج لله طفلا في مظهره (محرما في ثوبين كالطفل ساعة ولادته ملفوفا في خرقتين باليتين) ومخبره (حيث لا يعرف الغش ولا الخداع ولا الرفث ولا الفسوق ).

   وهناك وجه للشبه آخر بين الطفل والحاج؛ وهو أن الطفل ساعة يولد من بطن أمه يستهل صارخا باكيا فيسر  الناس وقتئذ لذلك البكاء؛ إذ هو علامة الحياة وأمارتها.

ولولاه هو لعُدَّ الطفلُ ميتا وكذلكم الحاج  يتجرد من الدنيا وعلائقها ساعة يتجرد من ثيابه مرتديا ملابس الإحرام ملبيا لله بالحج، وهنا يتنوع الناس: فمنهم من لا يتأثر بذلك شيئا؛ فقلوبهم كالحجارة أو  أشد قسوة، وهو في ملابس الإحرام كأنه لم يخلع عنه شيئا من متاع الدنيا، وهؤلاء ليس لهم نصيب من حجهم إلا الإنفاق والتعب ومنهم من تصفو نفوسهم وترق قلوبهم؛ فتذرف دموعَ الخشية عيونُهم، فإذا هذه الدموع أمارة حياة القلب ورقته (الله نزل أحسن الحديث كتابا مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله)، وهؤلاء هم من تُغفَر لهم ذنوبُهم، وتمحى سيئاتُهم، ولا شك أن هذا مما يدخل السرور على أهليهم،  فيعودون أطفالا من ذنوبهم، كما خرجوا لله أطفالا في بكائهم بكاء يدل على حياة الروح.

هذا والله أعلم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى