خطابات الكراهية والإرهاب الجديد في الدول الأوربية

د. خالد كاظم أبو دوح | جامعة سوهاج
يعرف “بهاء مزيد” خطاب الكراهية بأنه “كل ما يشتمل إساءة أو إهانة أو تحقيراً لشخص أو جماعة من منطلق انتمائه أو انتماءاتهم العرقيّة أو الدينيّة أو السياسيّة أو بسبب اللون أو اللغة أو الجنس أو الجنسيّة أو الطبقة الاجتماعيّة أو الانتماء الإقليمي أو الجغرافي أو المهنة أو المظهر أو الإعاقة هو خطاب كراهية، وكذلك كلُّ تبريرٍ للعنف ضد جماعة ما وكلُّ تعبيرٍ عن التميّز والتفوّق على الآخرين لأسبابٍ عرقية أو ما شابهها، وكلُّ ما يشتمل اقتباسات وإحالات وإشارات فيها ازدراء أو تقبيح لجماعة عرقيّة أو جغرافيّة أو دينيّة، وكلُّ تزييف أو تزوير أو تحريف للحقائق وكلُّ استعارة أو تعبير مُهين، وكلّ خطاب يفرّق ولا يجمع، لا يصل بل يقطع، هو خطاب كراهية.
يستخدم مصطلح خطاب الكراهية لوصف مجموعة واسعة من خطابات أو كلمات مهينة جداً، من الكراهية والتحريض على العنصرية والعرقية والدينية والجنسية، وصولاً الى السباب والتشهير، مروراً بأشكال التحيز المتفاقمة. إنه خطاب ينتج عنه الحث على الكراهية والعنف، بلا مبرر موضوعي.
لا أحد ينكر تنامي خطابات الكراهية في السنوات الأخيرة، وبشكل لفت انتباه المؤسسات والمنظمات الدولية والحكومات، لأن هذا الخطاب الذي يحرض على الكراهية، تجاوز ذلك إلى قيام بعض الجماعات بعدد من العمليات الإرهابية والعنيفة، وخاصة داخل عدد من الدول الغربية، يمكن هنا أن نضرب مثالاً بحركات القوميين البيض المتطرفين في مختلف دول العالم، ولا سيما الدول الغربية، والتي بدأت تمارس ما أطلق عليه “الإرهاب الأبيض”، حيث قام المنتسبون لتلك الحركات خلال أقل من عقد بارتكاب عدداً من الجرائم البشعة بحق المهاجرين، عبر هجمات توزعت على قارات العالم الخمس؛ وتنوعت بين إطلاق النار، والطعن، والتفجيرات، والهجمات بالسيارات، مستهدفة المسلمين واليهود والمهاجرين واللاجئين والحركات النسائية والسياسيين اليساريين.
فعلى سبيل المثال، حادث إطلاق النار في مسجدين بمدينة كرايست تشيرش في الجزيرة الجنوبية من نيوزيلندا، أثناء صلاة الجمعة، وما نتج عنه من قتلى وإصابات، كان عملاً إرهابياً، ونتيجة طبيعية لخطاب الكراهية ضد المسلمين، الذي ساد الإعلام الغربي.
وهناك أيضا عدد من الحوادث الإرهابية المتعددة والمتتالية في الولايات المتحدة الأمريكية. التي شهدت عدة حوادث إطلاق نار عشوائية أسفرت عن وقوع عدد كبير من الضحايا. حيث جاء الحادث الأول يوم الأحد 28 يوليو 2019م، إذ قتل مسلح ثلاثة أشخاص في مهرجان للطعام في شمال كاليفورنيا قبل أن ينتحر. فيما شهد يوم السبت 3 أغسطس 2019م، مذبحة في مدينة تكساس، حيث قُتل (20 شخصًا) وأُصيب (26) آخرون إثر إطلاق نار داخل متجر “وول مارت” بمدينة إل باسو بولاية تكساس. وبعدها بساعات، أي في فجر الأحد 4 أغسطس، سقط (9) قتلى على الأقل، وأصيب (16) شخصًا، إثر إطلاق نار في وسط مدينة دايتون بولاية أوهايو.
وقد حللت “مروة نظير” هذه الحوادث خاصة حادثة “تكساس”، وأشارت في هذا السياق إلى أن هناك العديد من المؤشرات على أن مذبحة تكساس هي “جريمة كراهية” موجهة بشكل خاص ضد المهاجرين في مدينة إل باسو. فمن ناحية أولى، قام المتهم بتسليم نفسه للشرطة فخورًا بارتكابه الجريمة. ومن ناحية ثانية، اختار المتهم مدينة إل باسو، التي تبعد عن بلدته 500 ميلًا، لأنها تكتظ بالمهاجرين من أصول لاتينية خاصة من المكسيك، لتلاصقها مع الحدود المكسيكية. ومن ناحية ثالثة، هناك بيان يُعتقد أن المتهم كتبه ونشره على الإنترنت، يتضمن فقرات تندد بما أطلق عليه “غزو ذوي الأصول الإسبانية” لتكساس، ويتضمن عبارات “كراهية وعنصرية” تجاه المهاجرين واللاتينيين، وترويجًا لسيادة العرق الأبيض.
لا شك في أن الواقع يفرز لدينا صوراً جديدة للتطرف في العالم، وبدوره التطرف ينتج خطابات متعددة للكراهية، التي يترجمها بعض الأفراد في أعمال إرهابية وعنف مسلح، ومثل هذه الممارسات لن تتوقف خلال السنوات القادمة، فخطاب الكراهية يتزايد يوماً بعد يوم. بناء على ذلك، يجب ألا تقتصر بحوث العلوم الاجتماعية على الإرهاب فقط، بل يجب الانتباه إلى خطابات الكراهية، ومحاولة رصدها وفهمها وتفسيرها، وكلما كان ذلك في وقت مبكر، كلما تمكنت المجتمعات من حفظ أمنها المجتمعي، وترسيخ وحدة المجتمع، وتجذير ثقافة التسامح والمحبة بين جماعاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى