د. يوسف زيدان: الإلحاد.. الإبهام وغموض المعنى

يرتبط مفهوم «الإلحاد» بمفاهيم أخرى ممتزجة به فى الأذهان، ولهذا يبدو كأنه عدة مفاهيم وليس مفهوماً واحداً، ومن هنا، وجب أولاً أن نحدد بدقة هذه المشتركات الدلالية، لتوضيح كل ما يختلط فى أذهاننا ويمتزج من هذه المفردات: إلحاد، كفر، شِرك، زندقة، هرطقة، ردة، وثنية، بدعة.

لأن تحديد دلالة هذه المعانى والمفردات هو الخطوة الأولى لإعادة بنائها فى العقل الجمعى على فهم ونحو رشيد، بدلاً من هذا الخلط والاختلاط الشديد فيما بينها.. وفى ذلك نقول وبالله التوفيق:

الإلحاد من حيث معناه اللغوى العام مشتق من اللحد «بتسكين الحاء» وهو القبر، أو بتحديد أدق: اللحد هو الفتحة الجانبية التى يُدخلون منها الميت لدفنه، والضريح هو الجزء الأعلى من القبر.

لكن هذه الكلمات الثلاث جرت عادة الناس على استعمال الواحدة منها محل الأخرى دون تخصيص لمعانيها، فيقولون «قبر، ضريح، لحد» كما لو كانت كلها بمعنى واحد، أو أن كل كلمة من الثلاثة تنوب عن الأخرى.

واصطلاحاً، الإلحاد صفة لكل من حاد وانحرف عن دين الله، فيقال عنه إنه «ألحد» بمعنى أنه مال جانباً أو حاد عن الصواب أو انحرف عن الطريق القويم، وقد ورد هذا المعنى الاصطلاحى فى آيات القرآن: «لسان الذى يلحدون إليه أعجمى» (سورة النحل، آية 103)، «ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم» (سورة الحج، آية 25).

واستناداً إلى هذه الدلالة الاصطلاحية لكلمة «إلحاد» قرر كثيرون من أهل اللغة وأصحاب المعاجم أن الإلحاد هو الكفر والشرك بالله، دون تفرقة دقيقة بين الملحد والكافر، وبين الملحد والمشرك.. فصار الذى يشرك بالله ملحداً، والذى يكفر بالله ملحداً .

ثم توسع المعاصرون فى معنى الكلمة، فصار الذى يشك فى أمر دينى أو ينكره ملحداً، والذى يستخف بما هو مقدس ملحداً، والذى يعارض الرأى الدينى المشهور ملحداً،

وقد أدى هذا التوسع فى استعمال الكلمة بمعان متعددة، ومختلفة، إلى نوع من الإبهام التام لها، خصوصاً أن معانيها الاصطلاحية ابتعدت عن المعنى اللغوى الأصلى (فتحة القبر الجانبية) ولم تعد مرتبطة به،

ولكن ذلك الإبهام وغموض المعنى لم يمنع أهل زماننا المأزوم من اعتبار الإلحاد تهمة، قد تودى بحياة صاحبها، دون الاكتراث بالتحديد الدقيق لمعناها.

ومع التدهور المريع الذى تشهده المجتمعات الإسلامية مؤخرا، العربية منها وغير العربية، انتشرت النزعات الإلحادية كنوع من الرفض العام، و كرد فعل مضاد لازدياد الهوس الدينى.

وصار من المعتاد أن تسمع بتهمة الإلحاد تلاحق كل من يخالف المهووسين دينيا، فيواجهونه بالعبارة المعتادة: ألحد و لا بد من إقامة الحد عليه! وقد راح كثيرون ضحايا لهذه الحالة المتردية، منهم مجاهيل الناس و منهم مشهورون

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الملحد: بالتعريف العلمى هو من لايؤمن بالأديان السماوية ولكن يؤمن بوجود خالق، أما “الأتيست” فهو من لايؤمن بوجود خالق على الأطلاق، فهل يوجد مرادف باللغة العربية لكلمة “الأتيست” atheist ؟، وهو المعنى الاوسع انتشارا فى باقى العالم عدا العالم الإسلامى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى