بقلم: قمر عبد الرحمن
بعد السّابع من أكتوبر، ليس كما قبله!.. كلّ المعايير اختلفت، نظرة العالم بأكمله للفلسطينيّ، ولعدوّه وعدوّ الإنسانيّة اختلفت جذريًّا، وبدأت المفارقات الصّارخة تظهر بين ماهو إنسانيّ وبين ما هو لاإنسانيّ، من حيث طريقة الاعتقال، ومعاملة النّساء والأطفال في عزّ الحرب، فالحرب خلقت لتكون بين الجنود المعتديّة والجنود المدافعة، والقتلى من العدوّ أو الشّهداء من المقاومة يجب أن تكون من فئة الجنود، أما المدنيّين من نساءٍ وشيوخٍ وأطفال، يجب ألّا يُمس بهم في الحرب حسب الإسلام والشّريعة الإسلاميّة طبعًا وليس حسب التّوراه المحرّف عند الصّهاينة.
شاهدنا في الحرب على غزّة المستمرة حتى هذه اللحظة مفارقات صارخة في التعامل بين الاحتلال والمقاومة، حيث أن هذه المفارقات دفعت الكثيرين من الأجانب من مشاهير رواد مواقع التّواصل الاجتماعيّ بالبحث عن هذا الدّين العظيم، والكثير منهم من اعتنقوا الإسلام عن ثقةٍ ويقين، حيث شاهدت قبل أيام إحداهنّ تخلّت عن الجنسيّة الإسرائيليّة بسبب جرائم حرب الإبادة الجماعيّة من قبل الاحتلال الصهيونيّ على غزّة، وذهبت للبحث عن دين التّقوى والإنسانيّة الذي سيرشدها للنور والصّبر على البلاء كما وصفت، ممّا يعني أنّ هذه الحرب دفعت القضيّة والدّين الإسلامي لصدارة المشهد العالميّ في خمسين يومًا فقط.
ومن المفارقات المدويّة أيضًا تعامل كلّ من الاحتلال والمقاومة مع أسراهم، حيث شاهدنا عبر مواقع التّواصل الاجتماعيّ العديد من الفيديوهات للأسرى الفلسطينيّين المحرّرين في صفقة التّبادل ضمن الهدنة الإنسانيّة التي تمت مؤخرًا، شاهدناهم كيف يصفون حجم المعاناة التي يقاسيها الأسرى في سجون العدو الصهيونيّ من ضربٍ مُبرح وشتمٍ وإهانةٍ وسحبٍ للأجهزة الكهربائيّة، ومنع الأكل والشّرب والنّوم، ومصادرة الملابس والأغراض الخاصّة بهم والكتب وكلّ شيء، ومنع الفورة، ومنع الكانتينا، إضافة لتكسير للعظام الانتقاميّة، والتّحرش والاغتصاب بالأسرى في أسوء الحالات التي وصفها أحد الأسرى المحرّرين من سجن النّقب، حيث وصف السّجن بمقبرة الأحياء، وأنه خرج من هناك والأسرى يغرقون في برك من الدّم ينزفون ألمًا ودمًا من أجسادهم ورؤوسهم، وبعضهم يعانون من آلالام كبيرة قبل الحرب، والاحتلال لم يستثنِ أحدًا من التّعذيب، حيث شمل التّعذيب الأسرى الجدد والقدامى، والأسرى المرضى وغير المرضى، دون تفريقٍ أو مراعاةٍ لظروفهم الصّحية، هذا العدو المجرم اللّاإنساني يعامل الأسرى والفلسطينيّين على أنّهم حيوانات بشريّة كما وصفهم رئيس جيش الدّفاع الإسرائيليّ الحاقد.
وفي المقابل شاهدنا وشاهد العالم أجمع كيف عاملت المقاومة الأسرى الإسرائيليّين، وكيف قدّمت لهم العلاج، وحافظت عليهم جسديًّا ومعنويًّا، كما حافظت على حيواناتهم التي كانت معهم أثناء احتجازهم، وكيف ظهر الحقّ بشهادات هؤلاء المدنيين الإسرائيّليين عبر مقابلات أجريت معهم عقب خروجهم من غزّة، حيث قالوا أنّهم لم يعنّفوا أبدًا ولم يتعرضوا لأيِّ نوعٍ من العذاب أو الأذى لا جسديًا ولا معنويًا، بل قُدِّم لهم الطّعام والشّراب والعلاج رغم شُحِّ مقوّمات هناك، وشعروا أنّهم في أمان وقرأوا مع جنود المقاومة القرآن، حيث ظهرت بعض السّجينات الإسرائيّليات المحرّرات وهي تقرأ سورة النّصر أمام الملأ عبر موقعها على الانستغرام، وقالت في نهاية الفيديو هذا ما حفظته أثناء أسرها في غزّة، أرأيتهم سجينًا يبتسم ويصافح سجّانه بحرارة وودّ، أرأيتهم سجينًا يودّع سجّانه وعيناه تقول ليتني لو بقيت هنا فترةً أطول (العيون لا تكذب) لقد شاهدنا الصّدق في عيون الأسيرات والأسرى الإسرائيّليين الأطفال والنّساء والمسنّات والأجانب، أرأيتم سجينةً تكتب رسالةً لسجّانها، وتشكره على حسن معاملتها والرّفق في معاملة طفلتها! وسجينةً أخرى تنظر لعيون سجّانها وتودّعه بصوتٍ وديعٍ ونشكره بحبّ وكأنّها أغرمت به كما تداول روّاد المواقع، وأخرى تقبّل رأس سجّانها، وأخرى تتكلم بلغة سجّانها (العربية) بسعادةٍ وراحة، وأخرى تحمل قطّتها وتمشي بأمانٍ وثقةٍ بين سجانيّها، أرأيتم سجّانًا يفتح ذراعيه لمعانقة سجينه قبل تحرّره!
لا تنجم هذه التّصرفات أبدًا إلّا عن قناعةٍ تامّة دون شك بما واجهوه أثناء فترة الأسر في غزّة، الحرب ورغم الحزن العميق على من تيتّموا وتشرّدوا ونزحوا، إلّا أنّ الحرب حققّت انتصارًا كبيرًا عربيًّا وعالميًّا ودينيًّا أيضًا، وفي المقابل لم يحقّق الاحتلال أيّ نصرٍ لا عسكريًا ولا تكتيكيًا ولا إعلاميًا، النّصر كلّه للمقاومة ولأهل غزّة منذ السّابع من أكتوبر وحتّى اللّحظة، ونتمنّى أخيرًا أن يتحقّق النّصر الكامل بتحرير كلّ فلسطين، وخروج العدو الصهيونيّ كليًا من كلّ الأرض الفلسطينية
