أزمة المياه.. السد الإثيوبي يدق ناقوس خطر (5)
د. فيصل رضوان | أستاذ وباحث التكنولوجيا الحيوية والسموم البحرية بالوكالة الأمريكية للمحيطات والأجواء (نوا)- الأستاذ الزائر بجامعة سوهاج
تعتمد مصر على مياه نهر النيل بشكل أساسى حيث تبلغ حصتها 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وهذه الحصة ثابتة منذ توقيع اتفاقية توزيع مياه النيل بين مصر والسودان عام 1959. ويرتبط فقر المياه بكمية المياه التي يحتاجها الفرد سنوياً، وهناك توافق عام، أن تلك الكمية هي 1000 متر مكعب، وهو ما يحتاجه الفرد لحياة آمنه لتوفير غذائه وصناعته وشربه ونظافته. ونجد أن نصيب المواطن المصري من المياه كان 2000 متر مكعب سنوياً عام 1959، حيث تعداد السكان 25 مليون نسمة.
ومع تزايد عدد السكان الى نحو 4 أضعاف، فقد إنخفض نصيب الفرد من المياه العذبة الى الربع في عام 2020 حيث يقدر الآن بحوالى 500 متراً مكعباً سنوياً. ومن المتوقع أن يتدنى نصيب الفرد إلى 300 متر مكعب فقط عام 2050.
وهذه الأرقام تؤكد أن مصر دخلت نطاق الفقر المائي ليس الآن، بل منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، وإن عمق ذلك الفقر يزداد بصورة مطردة وهو مرتبط بالزيادة السكانية بشكل مباشر، حيث تخطت مصر حاجز الـ100 مليون نسمة.
ويفاقم سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا لتوليد الطاقة، وما يترتب عليه من إستهلاك للمياه لغرض التنمية الزراعية من الخطورة المباشرة لشح المياه في مصر، حيث تعتمد مصر على حصتها من مياه نهر النيل مباشرة بنسبة تتخطى 90%.
وهنا نشير إلى الإجراءات الرسمية المصرية لتخطى الأزمة والتى فى مجملها تهدف إلى مواجهة مشكلة شح المياه على العموم، وتقوم على مسارين: الأول سياسى؛ وهو الحفاظ على الحقوق المائية التاريخية الكاملة في مياه نهر النيل، مع عدم الاضرار بحقوق الشعوب الاخرى فى التنمية. والمسار الثاني تنموي بالدرجة الأولى ويتضمن الإسراع فى الخطى لرفع كفائة المرافق المائية، وترشيد ورفع كفائة الري الزراعى الذى يستهلك 70% من موارد مصر من المائية. ويأتى ذلك فى محاولة تحديث توزيع المياه وتبطيه الترع والمجارى وتغطية الكثير منها؛ وإحلال نظم الري بالغمر إلى الري بالطرق الحديثة. وكذلك تقليص زراعة المحاصيل التي تحتاج لكميات كبيرة من المياه وعلى رأسها الأرز وقصب السكر. والتوسع فى تخزين مياه السيول والامطار، ومعالجة مياه الصرف الصحى. وتنمية موارد المياه بدعم تكنولوجيا التحلية. وتقوم الحكومة بتكثيف الجهود التوعوية لترشيد إستخدام المياه في المحافظات جميعها، بهدف رفع الوعي بأهمية الترشيد عند المواطنين.
ومع نهاية المقال الخامس والأخير فى سلسلة “أزمة مياه”؛ وبعيداً عن الدخول فى ابعاد الأزمة السياسية لسد النهضة، التى نتمنى أن تمر بسلام؛ يظل التحدي الأكبر الذي تواجهه الحكومة المصرية، يرتبط بمدى النجاح في توعية المواطنين بحتمية ترشيد إستهلاك المياه، وإتخاذ إجراءات صارمة في قطاع الزراعة للتوقف نهائياً عن الري بالغمر، ذلك بدعم الإستثمار فى الأساليب الحديثة في الرى وبشكل كامل. وحيث ان الشح المائي يزداد ولا مفر منه فى ظل الزيادة السكانية الكبيرة وزيادة الطلب على المياه.
ومع نهاية المقال الخامس والأخير فى سلسلة “أزمة مياه”، نود أن نكون قد تمكنا من نقل صورة متكاملة وبشكل بسيط عن أهمية المياه فى حياة الشعوب وتحديات المستقبل للحفاظ عليها.
ولإن المياه هى أصل الحياة، فتقبلوا الشكر على القراءة وأطيب الأمانى منى لكم بحياة صحية ونظيفة ومديدة.