بائع بضاعتُه تالفة
سجى مشعل | القدس العربية المحتلة – فلسطين
في القدس ونحن نُوارب صوب البريد، عند بدايات الشّارع، رائحة حنين مزروعة بدهشة على الأرصفة، والباعة المُتجوّلون يلتفّون حول الضّفاف كأنّ انتصاف الشّارع نهر أو بحر حتّى، أمشي يوم يوم من تلك الطّريق، أمُرّ جانب بائع كفيف، يُحجم النّاس عن شراء بضاعته، رأيت امرأة تقول لأخرى: لا تشتري منه بضاعته فاسدة، ومُتلفة، ريثما تشتريها تتلف وتتكسّر. فَنظرت إليه بِطرف عيني وجدْتُه حزينًا مُنطويًا إلى طرف بضاعته يلُمّها بقلبه بدل عينيه، حَنوْتُ بروحي صوبه لتُلامسَ تعبه، وأخبرته بِكَم مقصّ الأظافر، فأنا سأشتريه وأنا لديّ اثنان في غرفتي، اقتربت من فرشاة الشّعر وأخذتها مع أنّها تبدو قديمة نوعًا ما، وأخذت حزامًا رجاليًّا أيضًا فربّما والدي يحتاج واحدًا، اقتربت من العطور الّتي يعرضها أخذت اثنين مع أنّ رائحتهما تكاد تُشَمّ فهي خفيفة للغاية، ولكنْ في نهاية الأمر هي زجاجة عطر، وقبل أن آخذها ابتسم وقال لي: “الله يرضى عنّك يا عمّي”، هو الله راضٍ عنّي فعلًا حينما رأيتك يا عمّي، يا جدّي، يا …، فأنا منذ اللّحظة الّتي رأيت النّاس يُحجمون فيها عن الشّراء منه كنت أستقصد ذلك، وكنت كلّما مررت من هناك التقطت شيئًا ولو كان صغيرًا، فالسّلعة في بساطتها، وفي جبر خاطر صاحبها، فما فضّلت أن أشتري من بائع مُترفٍ تلفّه رائحة “فيرزاتشي”، ويقضي نهاره يمتطي الرّفاهية، الجمال جُلّه ينعقد في جبين ذلك العمّ الكفيف الحاني ظهره للطّرقات والأرصفة، لذلك الإنسان الّذي يُكابد نفسه ويُجابهها ليكون نفسه ويُثبت ذاته دون الحاجة لأحد، أنت قدوتي يا عمّي الّذي طلبت لي الرّضا من الله