الجدل والجدل العقيم

محمـد علوش | شاعر وكاتب فلسطيني

حتى ثقافة الاختلاف وتباين الآراء والمواقف لم نحسن ولم نتقن العمل من خلالها في حالتنا العربية والفلسطينية فصار الجدل والجدل العقيم سيد الموقف في ظل تمترس كل فرد أو طرف أو حزب أو مجموعة ما خلف شعاراتها ومواقفها الجاهزة المعلبة ، فلا يمكن تقبل الآخر ولا يمكن الوثوق إلا بموقف الطرف الذي يميل اليه هذا أو ذاك .

لا يمكن تحقيق التطور في مجتمعاتنا إلا اذا انطلقنا من منطلق أن هناك آراء وانتماءات وتوجهات مختلفة في اطار تعددية يجب أن تصان وتحترم وأن نطلق العنان لحرية الرأي وحرية المعتقد وحرية التفكير وأن تكون هناك حالات من النقاش الحضاري المعمق بين مختلف الأطراف واحترام كل رأي من الآراء بعيداً عن الجدل العقيم الذي لا يمكن أن ينتج أفكاراً حضارية يمكن أن تخدم واقعنا وتسهم في تغييره .

هناك تنامي للأفكار الرفضوية التي لا تتقبل أي رأي أو موقف أو اجتهاد خارج مؤسستها النقلية ، وهناك من يهاجمك ويبدأ بالتجريح الشخصي والتسفيه والتكفير لمجرد أن تعبر عن رأي مختلف يتعلق بالمجتمع أو بالدين من زاوية التقييم والمراجعة والتصويب وتنقية الدين من شوائب علقت به نتيجة مواقف متشنجة يطلقها هذا الشخص أو ذاك دون أن تتوفر لديه المعلومات والمنطلقات الحقيقية الصافية من أصول الدين فيذهب بطريقة هوجاء ليغير قناعات راسخة عند المجتمع وتطلعات يسعى لتحقيقها خدمة لأجندات ما وبشكل خاص الأجندات الحزبية التي تتكئ على مقولات دينية أو اجتماعية كما حدث في عدة دول عربية من جدل وجدل عقيم وطويل الأمد أفضى في نهاية الأمر الى أحداث عنف وصراع دموي وارتكاب جرائم وحشية في مجتمعاتنا وملاحقة للمفكرين والكتاب والمثقفين واغتيال عدد منهم ، كما حدث في مصر والجزائر ولبنان وغيرها من البلدان لمجرد الاختلاف في الرأي والموقف والمنطلقات الفكرية .

أنا هنا لا أحمل أشخاصاً بعينهم المسؤولية ، بل أحمل المجتمع بمؤسساته ككل وبخاصة النخب السياسية والفكرية والأكاديمية والثقافية فقد آن الأوان لتفكير موسع في خلق فضاءات حداثية وتطوير لوقائع مجتمعاتنا وتصفيتها من التخلف والأمية المستشرية ، ولا أعني بالأمية عدم القدرة على القراءة والكتابة ، بل الأمية التي أقصدها هي الجهل والجاهلية التي يقبل الكثيرون التستر بعباءتها واهمين بأن من السهولة الانقضاض على قيم وثقافة وتجارب متراكمة لمجتمعات متنوعة ومختلفة وفيها من الأفكار ووجهات النظر المتباينة حول مختلف القضايا وفي مختلف الجوانب ، وانه من غير الممكن سوق هذه المجتمعات وكأنها قطعان لفرض ارادة وثقافة هذا الطرف أو ذاك عليها ، ولذلك علينا أن نكون واقعيين وان نتقبل واقعنا ، وإذا اراد أي طرف أن يعمل في اطاره العام فليعمل وليتنافس المتنافسون ، ولكن بطريقة محترمة وحضارية دون المس بمكانة أي شخص والاحترام المتبادل بغض النظر عن مستوى الخلاف أو الاختلاف في الآراء .

كل طرف ينطلق من المستوى الذي يمثله أو يعتقده وهذا حقه الطبيعي، أما أن نصل أحياناً بالنقاش الى حالة الالغاء والإنكار والتغييب والشتم كما نتابع في بعض النقاشات فهذا أمر مرفوض ولا يمكن القبول به .

لذلك كل ما أرجوه أن نعكس ثقافة الاختلاف وأن نتباين في المواقف حول كل القضايا ولكن أن لا نفقد احترامنا لبعضنا البعض وأن نصل في النهاية الى مقاربات وخلاصات تصب في مصلحة الجماعة / المجتمع / الأمة / الشعب وليس مجرد البحث عن دور مفقود من خلاله نسعى لفرض مآربنا وأهوائنا الشخصية وفقاً لولاءات كل فرد أو طرف أو حزب أو مجموعة من المجموعات .

الحوار هو الأساس فلنعمق الحوار ولنكرس ثقافة الاتصال والتواصل لنصل في النهاية الى نهايات مرضية وتخدم المصلحة العامة .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى