بين الرصاصة والمسمار والوطن الأسير.. قراءة في نصوص العراقيّة ” المينا علي حسن “

عبد الحسين الشيخ علي | ناقد من العراق

الشاعرة (المينا علي حسن) من سكنة بغداد كاتبة لقصيدة النثر وهي جنس فني جيء به لاستكشاف القيم الشعرية الموجودة في لغة النثر، ولغايات إيجاد مناخ مناسب للتعبير عن التجارب والمعاناة التي واجهها الشاعر بتضمينه صوراً شعرية عريضة تتسم بالكثافة والشفافية معاً.

ويمكن فهم المينا علي حسن أنها شاعرة تحاول أن تجر الواقع المزري وما وصلت إليه المرأة من الابتذال والنظرة لها كمستهلك أو بضاعة إلى المرأة التي تتمتع بقوة العبارة والجرأة في طرحها وعلى أنها ليست بضاعة مزجاة على قارعة الطريق؛ بل تريد أن تسمع صوتها بأنها رافضة للظلم والاستبداد كجنس ضعيف والذي يتعامل معها كنزوة عابرة.

وقد أتاحت لها ثورة تشرين أن تكون أكثر تفاعلا في المجتمع جنبا إلى جنب مع الرجل لإيجاد متنفس آخر بعيد عن العقد الموروثة أو التي تم تصديرها إلى مجتمعنا الذي عانى الكثير من الحروب والقمع للحريات والتعبير الأصيل بعيدا عن مغريات الجسد؛ فهي حنونة عذبة كماء الفرات وعصية كتاريخ العراق الموغل في القدم، وهي ثائرة ورافضة للسلوك السلطوي المستبد الذي يريد أن يجعلها منجبة للحروب فقط.

بل ترى أن الحياة منحة من الله وليس لأحد منة عليها حين كتبت في قصيدتها (أدق مسمارا) وهي تفصح عن وجعها وحبها المتدفق لبلدها فما بين صورة أبيها وصورة العراق هم وسقوط يعطيك صورة لحشرجة غاية في الألم وبكاء ممتزج بحسرة الصمت يجعل من صوتها دخانا يتلاشى في الريح ومن جسدها رمادا يمتزج مع أنين بغداد التي تكالبت عليها الوحوش وهو حال المرأة الثائرة المحبة حد الانصهار لوطنها الجريح .

أدق مسْماراً على الحائط

لأُعلِقَ صورة أبي

فتسقط مثقلةً بالهمومْ

تقبعني رغبةٌ عارمة بالبكاء

فأُعلِق صورة العراق

فيسقط الحائط

لا يحتمل ثقل حزن

العِراق

احْتَرقَتْ مثل بغداد بصمتٍ

يصدحُ مني الدخان والرماد

 

وفي قصيدتها الأخرى (رصاصة مؤجلة) نجد انثيال التساؤلات تغزو أفكارها وحيرة وعدم استقرار ذهني فرضته الرصاصات التي اخترقت صدور الثائرين لوطنهم وهي ترى نفسها جزء حقيقي من جسد هذا الوطن المستباح كانها ترى تلك الرصاصة المؤجلة ربما ستقصدها، وإن الذي يفصلها عن هذا الأمر أشياء لا معنى لها وربما تجعل من صوتها خافتا حين تطالب بوطن وتصرخ بصوتها الناعم غير مبالية  حتى وإن كانت هي الشهيدة التالية:

(رصاصة مؤجلة)

تفصلني عن نفسي

ثلاث أبواب ونافذة

طاولة درج مكتبة

أكواب شاي عتيقة

جدران

وعلبة سجائر ترددتُ

أن أُدخنها خوفاً

أن أفقد صوتي

الناعم

ثم تتوالى التساؤلات والحيرة في هذا المقطع التالي من القصيدة بين الركون أو الخوض في المجاهدة مع الثائرين المطالبين بوطن يحميهم من عاديات الزمن فهنالك أشياء كثيرة تفصلها عن قرار المضي في طريق المطالبين بوطن، ونزعه من ربقة الاحتلالات التي أقضّت مضجع العراق وجعلته في جوف إعصار من الموت والتيه, وهي تنادي ربها في وسيلة للوصول إلى غايتها وهي الشهادة  في سبيل الوطن وتعلق صورتها مع من سبقها من الشهداء:

كم مِنْ الأشياء

تفصلني عن نفسي

يا ربي!!

كيف الوصول إلي؟

رفعت الراية البيضاء

قبل أن تتخضب بالدماء

تتعرّق الشمعة

أدعكها براحة يدي

ترى أين أجدني الآن؟

جالسةً على مقعد الباص

أفكر مَنْ الشهيد القادم؟

هل أجدني مُعلقة

مع صور الشهداء؟

أفكر هل سيأخذني

الكفن الأبيض

قبل أن أُقبل ثغرهُ

الشفيف

رصاصة مؤجلة

تنتظر جسدا عراقيا

في قصيدة (رصاصة مؤجلة) نجد الشاعرة قد توحدت لديها الرؤية الانطباعية والاحتمالات من خلال انطباع الواقع الذي أربكها من خلال التساؤلات ومخاطبتها لنفسها والتوقعات المفترضة في حال اندمجت مع الحشود الثائرة ضد الظلم والفساد, لكنها في قصيدة (أدق مسمارا) كانت أكثر وضوحا في الصورة النثرية وأكثر وقعا من خلال إبراز العلاقة بين الأب والوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى