حكايا من القرايا.. موقف صامت
بقلم: عمر عبد الرحمن نمر
دخلت المدينة جائعاً أتلفّت، أبحث عن أي رغيف مدهون أو محشو… جلست على دكّة إسمنتية، أمام عربة قالي الفلافل، أتملّى وجهه وهو يتصبب عرقاً، وأعجب من سرعته في رمي أقراصه النيئة في الزيت المحمى… الله يعينه، الدنيا نار، وهو أمام النار يسترزق من قلي فلافله، كل شيء في المدينة في هذا اليوم التمّوزي نار… الجو نار… والأسعار نار، والناس معصبّة، وأصوات الباعة يدللون على بضائعهم كأنها قنابل… تتفرقع في الفضا… ما حدا طايق حدا… ومن حسن حظي أن عربة شراب البرّاد تجاورني بلونين خمري، وأصفر… وأنا أمنّي النفس بشطيرة فلافل، وبعد التوفيق في التهامها، سأتبعها بكوب من الشراب الأصفر البارد، علّ ذلك يبرد الكبد… ويبرد المشهد… ويطفّي الشوبة…
… جاءت، لا أدري من أين؟ تحمل كيسيْن من الخيش، كيساً على رأسها، وآخر بيدها… وقردها (ابنها) يقفز أمامها بشقاوة، وهي تزجره بصوت عالٍ، وبائع بسطة الألعاب زجره؛ وبائع البراد صرخ في وجهه… توجهت نحوي، أيقنت أنها ستجلس بقربي على الدكّة لا محالة. احتطت للأمر، وأخذت أقصى اليمين، كسائق أعطى الطريق كله لشاحنة كبيرة خوف الصدمة. وكانت الصدمة، إذ رمت أحد الكيسين على الأرض بنزق شديد، والثاني رمته على الدكّة بنزق أكبر، الله يسامحها إذ صدم طرف الكيس برجلي.
ولما أفقت من صدمتي، و جدت دماً ينزّ من رجلي نتيجة الارتطام، كأن كيسها احتوى على قطع من (الخردة) المعدنية، لم تكترث بِمَ اقترفت يداها، وكأن الأمر لا يعنيها… هي رمت كيسيْها والأرض أحمل بهما… حاولت أن أبدي شكلاً من أشكال الاحتجاج، لكني فوجئت عندما رأيتها تحمل قردها (وتطقعه) بالأرض، عندها أيقنت عدم جدوى أي احتجاج علني، وغُلُب بستيرة ولا غُلُب بفضيحة… احمرّ وجهي، وزاد عرقه… وزادت حرارة الجو، أو هكذا شعرت، ورضيت من الغنيمة بالهروب… بلا فلافل ساخنة… وبلا شراب بارد… وبلا طقعة…