الطريق الوعر.. مقطع من رواية قيد الكتابة (5)

محمد حسين أبو حسين | فلسطين – سوريا

مساءً تسربت رائحته من ضجيج النهار ، هطل حنيناً أخضر فوق زجاج الرَّوح  ، تصفّح كتاباً أغلقته كثبان  الرّمل عندما كانت تلهث خلف ينبوع رجمته امرأة لم تستطع الإمساك بحبل القافلة ،

 مساءً خطف قلباً وقدّمه للرّيح هدية لميلاد جديد، 

صفاء تتصفّحُ كتبها بسرعة كأنّها تريد أن تسابق قطار فقد علبة السرعة ومضى فوق أجساد تبحث بين ثنايا سكته عن بقايا طعام تركه عاشقين بعدما داهمتهم  قبلُ ، تشعل الة الموسيقا ، تنظر في مرآتها ، تجلس على كرسيها القديم ، تنام على سريرها برهة ، تغادر غرفتها شيء غريب يمسك بأحبال روحها ، حركات عبثية سيطرت على جسدها  فجأة ، تنظر إلى الطّاولة التى تكدّست عليها أوراق بيضاء ، صوت عميق ينادى عليها  ، أكتبي … تمسك قلمها  ينساب الحبر على أوراقها كينبوع ماء فجرت جوفه رشقات مطر بحجم تعبٍ. 

” لقد كنت  أمضي في متاهات هذه الحياة القاسية، غربة تعتلي فؤادي أشق طريقي بين الجبال أتعثر بين الصخور أنزف طويلاً وجرحي يئن لم أكن آبهة لألمي، كل ما كنت أصبوا له قليلاً من الأمان أو ربما كفين من الحب تحتوي جنوني.. عبثي..شغفي..بعد وقوفي في محطات كثيرة كلّ محطةٍ كنت أفقد فيها حقيبةً أقف لا حول لي ولا قوة أمام تلك الذّاكرة الحمقاء أتألم لفقدان تلك الحقائب المملوءة بالصور والأحلام الذي بعثرها زمن أحمق حتى التقيت به ،كنت أبحث عنه في كل الأماكن في ضجيج المدينة في الأزقة الفقيرة.

كنت أحدّث الحمام على الأسطح أرسل إشاراتي إلى الكنائس وابتهالاتي إلى الجوامع عسى أن يوصل الحمام بعض أمنياتي إلى السماء ،فجأةً تعثرت به كصفحةٍ بيضاء لم تكن تنتظر أن يكتب فيها سطر، خطفني من الحزن والوحدة، خطفني من ذاتي وألقى بي في غياهب قلبه كنت أتساءل يوماً عن مدينة الحنين كيف تحولت إلى وجع ، الآن تحولت إلى شيءٌ يشبه ظلي.

والدها خليل: صفاء نحن هنا أين سرحتِ يا ابنتي؟ 

صفاء؛ ااه ، لاشيء.. لاشيء.. لقد كنت أفكّر في دعوة صديقي لأتناول الغذاء معه. 

خليل ؛ أجل هذه الدعوة جعلت الفرح  يغمر عينيك ، قولي يا أبنتي لاتنسِ نحن أصدقاء. 

صفاء؛ أنت الأب الأجمل في الكون ، سأقول لك ؛ لقد  أعجبت بزميلي في الجامعة  جاء من مدينة نابلس في  فلسطين للدّراسة هنا لقد أرسله عمّه أبو علي .

خليل؛ كيف يتدبر أموره بحاجه الى مصروف كبير  وانت تعرفي الأوضاع في الضفه الفلسطينية  هناك انتفاضة والشعب بحاجة إلى دعم، هل يعمل بعد  الدوام  الجامعي ؟

صفاء  ؛ لا 

خليل؛ لابدّ انا هناك شخص او جهة تساعدة  .

صفاء؛ ستأكد من ذلك. 

خليل ؛ هل سالت نفسك  كيف ممكن أن تتزوجي من هذا الشّاب وأنت لا تستطيعينّ الدخّول إلى  الضفه اذا ما قرر العوده الى هناك. 

صفاء: هذه اسئلة مهمة  ساطرحها على خالد  ونرى  ردّه. 

تدخل أم سامر على الصّالون الصغير بعد أن انتهت من عمل المطبخ. 

أم سامر؛ لقد سمعت جزءاً من حديثكما ، الف مبارك يا أبنتي وأخيراً وجدت الشاب  الذي تحلمين به ، لكن يا أبنتي هذا مستقبل وحياة عمر  بأكمله يجب أن تكون الأمور واضحه بالنسبه لك  وله المشاعر لاتكفي لوحدها كثيراً من المشاعر حطمها  فأس الواقع، والداك سأل أسئلة مهمة عليك أن تعرفي  إجاباتها. 

صفاء؛ أجل يا أمي سوف استوضح عن هذه الأمور غداً عندما ألتقي خالد  بالجامعة. 

في الصباح الباكر تستيقظ صفاء تهرع إلى الهاتف تتصل بصديقتها نور..

صباح الخير يا نور..

نور: صباح النور يا صفاء..

صفاء: أريد ان اذهب معك إلى الجامعة..

نور: الحمد لله أنك غيرت رأيك وسوف ترافقينني كلّ يوم  بالسَيارة..

صفاء: لا لم أبدل رأيي لكن لديّ أمر هام اليوم في الجامعة يجب أن أكون هناك باكراً..

تهرع صفاء من المنزل مسرعة الخطا كطفل أشتاق لثدي أمَّه بعد الفطام. تجد نور بانتظارها ، تصعد إلى السَيارة بلهفة.

نور؛ ماهو الأمر المهم اليوم  بالجامعة..

صفاء؛ تصمت  .. ااه..عند  زميلي  محاضرات عن السنة الرابعه جلبها من زميل له متخرج من نفس القسم  وأنت تعرفي أن هذه السنه يجب ان اتخرج من الجامعة..

نور: أنت مجتهده يا صفاء  ..

صفاء: لماذا  تسيري  ببطء  ..

نور؛ أسير بشكل طبيعي  لكن يبدو عليك  العجله..

تصل نور وصفاء إلى الجامعة ، تدخلا  تبحث صفاء عن خالد في كل الاتجاهات لكنها لم تلمح له أثر .. نور  اذهبي إلى  محاضراتك وانا سانتظر زميلي عند الياب الرئيسي للجامعة. تخرج صفاء من الجامعة وقد  بدا على وجهها علامات التّوتر ، تطلب من بائع القهوة والشاي الجالس على الرّصيف كأساً من الشاي ، تجلس بقربه على كرسي حديديّ صغير ترقب الشّارع بدقه كصّياد يبحث عن عصفور فوق شجرة في الرّبيع، يمضي الوقت بطيئاً ، فجأة تقف سيارة امام باب الجامعة يترجّل منها خالد  ومعه شاب .

صفاء؛ تصرخ ..خالد .. خالد.. يلتفت خالد  نحو الصوت  ااه صفاء ؛ صباح الخير..

صفاء؛ صباح النور ، هل يمكن أن نجلس سويا الآن لديَّ حديث أريد ان  أحدّثك به. 

خالد ؛ أجل هيا ندخل الى  البوفيه..

صفاء: لا لنجلس في حديقة الجامعة..

خالد؛ كما تريدين..

صفاء: أنت في السّنة الأخيرة مثلي ، ماذا تفكّر  بعد التخرج ؟ هل ستبقى هنا ونشقّ طريقنا مع بعض ؟ 

خالد؛ أنا كنت أفكر أن أبقى هنا لكنّ القرار ليس بيدي..

صفاء؛ ماذا تقول  بيد من..

خالد؛ أنا منذ عام انتميت لتنظم فلسطيني وقد أخفيت عليك هذا الشىء للضّرورات ، عمي عندما أرسلني إلى هنا قال لي ستتعلم أشياء اخرى غير الدّراسة وأنا تعلمتها وتفوقت بها ، سوف أعود إلى الوطن. صفاء تقاطعه وأنا ، أنت ستلحقي بي .

صفاء؛ كيف..

خالد؛ هذا التّنظيم يتكفّل بالأمر ولست أنا..

صفاء؛ اه  فهمت هذه السَيارة التي أقلتك تابعه له..

خالد؛ أجل سأصطحبك إلى مقر التنظيم. 

صفاء؛ عندي رغبة للذهاب الآن..

خالد؛ بعد أن ننتهي من الدّوام..

صفاء؛ لا الآن أريد  الذهاب…

تذهب صفاء وخالد إلى مقر التنظيم في مخيم اليرموك تدخل إلى المقر  تلقي التّحية على ثلاثة أشخاص كانوا موجودين ، يسأل خالد عن أبو نضال المسؤول عن المقر يجب أحد الحاضرين؛ لديه عمل قصير  سأبلغه بوجودكم ، بعد نصف ساعة حضر أحد العاملين بالمقر وطلب من خالد وصفاء  الدّخول إلى مكتب أبو نضال ، دخلا صافحهم أبو نضال  باليد رحّب بهما كثيراً .

ابو نضال؛ ماذا تودّان أن   تشربا. 

خالد  ؛ قهوة  … صفاء..  شاي..

صفاء: تتأمل المكتب في صّدر الغرفة علقت صورة  للشّهيد غسان كنفاني وإلى جانبها صورة  للشّهيد عز الدين القسام، وفي الحيط  المقابل لها صورة  للشّهيد تشي جيفارا  والشّهيد الطفل محمد الدره. 

خالد ؛ أعرّفك صفاء زميلتي في الجامعة تدرس سنه رابعه فلسفه. هذا الرّفيق أبو نضال مسؤول المقر ، 

أبو نضال؛ يبتسم  اهلا وسهلا نحن نعرف أن لك  صديقة أسمها صفاء لقد أخبرني أحد الشّباب بذلك منذ فترة طويلة. وهى تسكن هنا في المخيم وتحضر جزءاً من انشطتنا وأنشطة غيرنا. 

صفاء؛ مندهشه من كلام أبو نضال لكن كيف عرفتم هذه المعلومات ..

أبو نضال؛ نحن نهتم بشبابنا كثيراً وخالد واحداً منهم. 

أبو نضال؛ لماذا لم تفكري بالانتماء إلى إحدى المنظمات ،

صفاء: الانتماء يقيد الإنسان  وله التزامات وأنا وضعي في البيت ودراستي لا تسمح بذلك لكنني معجبه بطريقة عملكم. 

أبو نضال؛ كيف تسير دراستكم أنت يا خالد بالسنة الأخيرة والكلّ ينتظر تخرجك وعودتك إلى الوطن نحن بأمس الحاجه لك هناك خاصة في هذه الظروف المصيريه، الانتفاضة بحاجة إلى من يرفدها بعمل ما أنت تفهم كلامي .

صفاء؛ مندهشه من كلام أبو نضال. 

خالد: اذا قررت صفاء الدخول إلى الوطن هل يمكن ذلك  ؟ لأنني بصراحه أريدها أن تكون زوجة لي  .

أبو نضال؛ من حيث المبدأ لاشيء صعب  لكن أترك هذا الموضوع لوقته. 

خالد؛ لدينا محاضرات عند الظهر  يجب ان نذهب. 

أبو نضال: رافقتكم السلامة أصعدوا في سيّارتي حتى  تقلكم إلى الجامعة حتى لا تتأخروا .

خالد: ان شاء اللة. 

صفاء؛ فرصة سعيدة .

تغادر صفاء برفقة خالد المقر ولم يغب عن عقلها كلام أبو نضال .

خالد؛ هيّا يا صفاء اصعدي..

صفاء؛ اليوم لا يوجد لديَّ محاضرات بالجامعة أريد أن أذهب إلى المنزل لكي أساعد أمي في ترتيب المنزل.

تظاهر خالد بتفهم ظرف صفاء لكنه كان مقتنعاً بعدم صدق كلامها لأنه يعرف جيداً برنامجها في الجامعة. 

تعود صفاء إلى المنزل وعلامات الذّهول تسيطر عليها. 

خليل؛ أرى وجهك مختلفاً يا أبنتي كأنّه تلفّه سحابة حزن. 

صفاء: مثلما توقعت يا والدي خالد يريد الذّهاب إلى الوطن وهو منتمي لأحدى المنظمات اليسارية ويريد أن يدخلني إلى هناك  بطريقة غير نظاميه. 

خليل؛ هذه مجازفة كبيرة لك ممكن ان يلقى القبض عليك  وممكن أن تفقدي حياتك .

صفاء: لكن يا والدي أنا متعلقة به كثيراً .

خليل؛ أعلم ذلك فكري بالأمر كثيراً لن أقف امامك.

 أتمنى لك التوفيق.

صفاء؛ دعني أقبل جبينك أيّها الأب الرّائع لأنك تفهمت علاقتي بهذا الشّاب ،

 خليل ؛ لا تنسِ دراستك .

صفاء؛ سأدرس أكثر لأنَّ هناك شيء ما يدفعني لذلك .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى