حاجتنا إلى نقد أدب الأطفال
سهيل كيوان | فلسطين
تشهد ساحتنا الأدبية المحلية في العقدين الأخيرين، نهضةً في الكتابة للأطفال، وذلك من الناحية الكميّة، حيث لا يمرُّ أسبوع إلا ونشهد صدور كتاب جديد أو أكثر للأطفال، وهي عمومًا عبارة عن قصص والنادر من الشعر.
أحصيتُ في كتاب “أعلامنا في أدب الأطفال” الذي أعددته بالمشاركة مع مديرة مكتبة نحف العامة، السّيدة هدى عيسى، حوالي 200 اسم بين كاتب وشاعر كتبوا للأطفال، إلا أن أكثرهم ظهروا في العقدين الأخيرين، وتزداد أعداد الكتّاب عامًا بعد عام. هذه الظاهرة صحّية جدًا، ولها أسبابها، وسيكون لها تداعياتها على هندسة وعي الأجيال الصاعدة.
كتب للأطفال كتَّابٌ وشعراءُ ومسرحيّون ونقّادٌ ومختصّون نفسيون ومعلمو مدارس، وأستاذة جامعات وكلّيات، وصُحفيّون ومفتّشون في اللغة، وأصحاب دور نشر، وشخصيات اجتماعية وسياسيون وعاملون في المجال الطبي والقضائي وحتى الأطفال كتبوا قصصًا ونشروها في كتب بمساعدة ذويهم.
فما هو سر هذا التهافت على الكتابة للطفل؟
أوّلاً، لأنَّ طلاب المدارس يشكّلون أوسع شريحة عددية من القرّاء، ويعود هذا إلى كون الأطفال في أطر منظّمة، من السّهل توفير الكتاب لهم، سواء من مكتبات المدارس أو المكتبات العامة في كل بلدة أو المكتبة المتجوِّلة والمراكز الجماهيرية، وإقامة أسبوع للغة العربية الذي يتخلّله انكشاف على الكُتّاب المحليين وأدبهم.
ثانيا، يوجد لدى الأهالي استعداد كبير لدفع المال ولشراء كتب لأطفالهم، كثيرًا ما نرى الأهالي في معارض الكتب يشترون عشرات الكتب لأبنائهم، وهو ما لا يفعلونه لأنفسهم.
ثالثًا وهذا مهم جدًا، استسهال عملية الكتابة للطفل، فالكثير من القصص بسيطة جدًا، وفي أحيان كثيرة ساذجة جدًا، تعتمد في تسويقها على نوعية الورق والرُّسومات الملوّنة وعلاقة الكاتب العامة.
سهولة نقل الكثير من القصص العالمية، في صِيَغ مختلفة قليلاً عن الأصل، دون أن يحاسِب الكُتّابَ أحدٌ على ذلك، إضافة إلى نقل قصص تراثية شعبية وقصص دينية معروفة، أو حتى من كتب دراسة قديمة.
عدم قدرة معظم الأهالي على التمييز بين الغثّ والسّمين مما يُكتب للأطفال، لاعتقادهم بأن ما ينشر مدروسٌ بشكل يلائم ذوق ووعي الطفل وليس ذوقهم هم.
المردود المادي لكتب الأطفال أكبر بكثير من كتب الكبار، سواء للنّاشر أو للكاتب نفسه، والمقصود ليس المبيعات فقط، بل وبصورة غير مباشرة من خلال انتشار اسم الكاتب وكتابه في المكتبات المدرسية وفي مسيرة الكتاب، الأمر الذي حوّل كتابة قصص الأطفال إلى صناعة مربحة نسبيًا قياسًا بقصص الكبار.
مُلاحظ أنّ معظم قصص الأطفال خالية من العقدة التي تُعتبر أساس كل قصة، بل نجد سردًا لأحداث عادية دون تأزيم للموقف أو إدهاش، وإذا وُجدت عقدة، فهي ساذجة. كثير منها في صيغة: لماذا يا جدي كذا وكذا؟ أو لماذا يا ماما؟ وحينئذ يسردُ الكاتب ما يريد أن يوصله ويصبح لدينا قصة.باعتقادي أن القصة للطفل يجب تحمل مقومات قصّة الكبار، والقصّة الجيّدة للأطفال يستمتع بها الصغير والكبير وحتى الكاتب والناقد، مثلا قصّة القنديل الصّغير لغسان كنفاني.
الطفولة هي مرحلة حاسمة في بناء شخصية الإنسان، ولهذا يفترض أن تكون القصص والأشعار هادفة ومساهمة في عملية البناء من نواح عدة، لأن أحداث القصص تنغرس في وعي الطفل كأنها حقيقة، وتؤثر على تصرفه وفكره ونفسيته وهذا يستمر حتى بعد أن يصبح شابًا.
نلاحظ زيادة الوعي في القضية الوطنية والقومية، فقد انتشرت قصصٌ كثيرة عن المدن والجغرافيا الفلسطينية خصوصًا المدن السّاحلية -عكا وحيفا ويافا وغيرها – كذلك انتشرت قصص كثيرة عن القرى المهجرة والنكبة وفكرة حقّ العودة، كذلك يوجد اهتمام في الشخصيات التاريخية المُلهمة والأحداث التاريخية.
بعض القصص تعليمية وأخرى مكرّسة للقيم الأخلاقية مثل التسامح والسّلوك العام في مواقف كثيرة والمناسبات الدينية والاجتماعية، والكثير من القصص صارت تعالج قضايا أكثر تعقيدًا وغير تقليدية، ذات طابع نفسي مثل الأحلام والموت والشّراكة مع آخرين في البيت والوالدين والأشقاء والخوف بشتى ألوانه والقلق والتعامل مع الجسد وذوي الإعاقة والتكنولوجيا الحديثة، وتقبّل الذات والعلاقة مع الآخر المختلف وغيرها الكثير.
يُسجّل للكاتب سهيل عيساوي أنه تناول العديد من قصص الأطفال بالنقد، وهذا مطلوب جدًا، ولكن نحتاج إلى أكثر، أرى أننا بحاجة إلى حركة نقديّة تواكب هذا الإنتاج الغزير مما يكتب للأطفال مثلما توجد حركة نقدية تتعامل مع قصص وروايات وشعر الكبار، نظرًا لأهمية هذا اللون من الأدب وتأثيره الكبير في صناعة وعي الأجيال.