ما بين الغزو الروسي والغزوات الأمريكية
د. إبراهيم أبراش | فلسطين
الغزو الروسي لأوكرانيا ليس الحالة الأولى لغزو دولة عظمى لدولة مستقلة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة 1991، فقد سبق وأن غزت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003 ،وكان مبرر غزو أفغانستان دعم حركة طالبان الحاكمة للإرهاب وتهديد الأمن القومي لأمريكا والسلام العالمي، ونفس الأمر للعراق حيث تم اتهامها بدعم الإرهاب وامتلاك أسلحة دمار شامل. روسيا أيضا بررت غزوها لأوكرانيا بأن ما يجري في أوكرانيا من اضطهاد ذوي الأصول الروسية وظهور النازيين الجدد ومحاولة أوكرانيا الانضمام لحلف الناتو كل ذلك يهدد أمن روسيا القومي ويهدد السلام العالمي؟
ومع ذلك فإن الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق لم يترك ردود فعل غاضبة وقوية كما جرى مع الغزو الروسي لأوكرانيا حيث حشد الغرب كل قواه ضد روسيا كما عمل على استنفار وتحريض العالم عليها، ووضع الغرب كل إمكانياته لدعم الشعب الأوكراني بل وسمح بدخول مقاتلين ومرتزقة من جنسيات متعددة للقتال إلى جانب الشعب الأوكراني، بينما في حالة أفغانستان والعراق فقد صنفت أمريكا كل من يقاتل الأمريكيين كإرهابيين وكل من يدعم ويساند المقاتلين الأفغان والعراقيين بأنه مُساند للإرهاب.
فهل يجوز للغرب ما لا يجوز لغيره وخصوصاً أنه ظهر لاحقاً أن العراق لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل ولم يكن يدعم الإرهاب وهو ما اعترف به سياسيون وعسكريون أمريكيون وأوروبيون بعد احتلال العراق، كما أن أمريكا عادت وتعاملت مع حركة طالبان المُتهمة دوليا بالإرهاب واحتلت أفغانستان بسببها؟ وهل إن غزو دولة عربية أو إسلامية أمر مبرر ومقبول بينما غزو دولة غربية ومسيحية أمر لا يجوز؟ وما سبب هذا الغضب الغربي والتجنيد والتجييش العسكري والاقتصادي والسياسي ضد روسيا؟ وهل هناك احتلال شرعي واحتلال غير شرعي؟ والسؤال الأهم لماذا كان من السهل على الولايات المتحدة احتلال أفغانستان والعراق بينما تجد روسيا صعوبة في احتلال أوكرانيا؟ .
سيكون من التعسف في التفكير والتحليل اختزال التباين في ردود الفعل الغربية والدولية على الغزو الروسي لأوكرانيا والغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق بالأبعاد العنصرية والدينية فقط، أو تفسير سهولة احتلال أمريكا لأفغانستان والعراق وغياب ردود فعل قوية عليه مقارنة بالحالة الأوكرانية باعتبارات عسكرية فقط.
نعم، للغرب تاريخ أسود مع العرب والمسلمين ومع شعوب العالم الثالث وما زال الغرب محكوما بـ (الأنوية الحضارية) التي ترى أن العرق الأبيض متفوق على غيره من الأعراق وأن الغرب سيد العالم ومن حقه السيطرة والهيمنة الخ، ولكن هناك أسباب أخرى لا يتم الحديث عنها تفسر سهولة أمريكا والغرب في الاحتلال والسيطرة على الشعوب العربية والإسلامية، وهي أسباب سبق وأن عبر عن بعضها المفكر من أصول جزائرية مالك بن نبي في منتصف القرن العشرين عندما قال بوجود قابلية للاحتلال عند شعوب العالم الثالث .
فبالنسبة لأفغانستان، فهذا البلد كان قاعدة لتنظيم القاعدة وجماعات إسلامية متطرفة، والدول العربية والإسلامية نفسها صنفت هذه الجماعات كجماعات إرهابية قبل أن يصنفها الغرب بذلك وكان جزء كبير من الشعب الأفغاني معارضا لحكم هذه الجماعات، وبالتالي وجد الغزو الأمريكي لأفغانستان قبولا واستحسانا من غالبية الدول العربية والإسلامية وحتى من غالبية الشعب الأفغاني، بغض النظر عن الأهداف الحقيقية لواشنطن من الغزو والاحتلال.
وبالنسبة للعراق، فبالرغم من السياسة الأمريكية والغربية المعروفة بتحيزها لإسرائيل ومعاداتها تاريخيا لتطلعات الأمة العربية بالحرية والوحدة وأن الهدف الأمريكي من غزو العراق له علاقة بسياسة الرئيس صدام حسين المعادية للغرب وقدرة العراق على تطوير قدراته الاقتصادية والعسكرية بحيث بات يهدد إسرائيل والمصالح الغربية في العالم العربي، إلا أن واشنطن بغزوها للعراق وجدت قبولا ودعما من أنظمة عربية بل وتواطؤا من إيران، أيضا وجدت دعما ومساندة من بعض المكونات السياسية العراقية التي رحبت بالاحتلال وتعاملت معه، بالإضافة إلى الموقف السلبي للأمم المتحدة.
هذا لا يعني تبرير السياسة العدوانية الأمريكية والمواقف الغربية أو التقليل من خطورة احتلال أفغانستان والعراق وعدم شرعية احتلال أمريكا لهما، بل كشف تواطؤ بعض الدول والجماعات العربية والإسلامية مع المعتدي الأمريكي وعدم قدرة البلدين المعتدى عليهم على كسب مؤيدين وحلفاء لهم كما جرى مثلا مع أوكرانيا.
لو تضامن العرب والمسلمون مع أفغانستان والعراق كما تضامن الأوروبيون مع أوكرانيا ما كان حدث الاحتلال واستمر لسنوات في أفغانستان والعراق، ولو كان الشعب في البلدين موحدا في مواجهة العدوان الأمريكي ما استطاعت أمريكا احتلال البلدين وديمومة الاحتلال لسنوات، بينما نجد في أوكرانيا مثلا الشعب الأوكراني يقف موحدا خلف قيادته وهو الأمر الذي يجعل احتلال روسيا لهذا البلد صعبا وحتى لو تمكن الجيش الروسي من احتلال البلد فلن يستطيع المكوث طويلا إن لم يجد دعما وتعاونا من الشعب الأوكراني أو من جزء مهم منه.
وفي هذا السياق نستحضر أيضا حال الفلسطينيين وهم من أكثر الشعوب التي عانت من الاحتلال، فبالرغم من استمرار الاحتلال الصهيوني لكل أرض فلسطين بالإضافة إلى الجولان السورية فإن دولا عربية وإسلامية وقعت اتفاقات سلام مع إسرائيل وأخرى طبعت علاقاتها معها متجاهلة وجود الاحتلال ومعاناة الشعب الفلسطيني، كما أن الأمم المتحدة تقف عاجزة عن ردع المعتدي .
وأخيرا فإن كل أشكال الاحتلال مُدانة وروسيا اليوم ليست الاتحاد السوفيتي سابقاً فهي دولة عظمة تتحرك حسب مصالحها القومية و صديقة لإسرائيل، وهذا يتطلب تفحص أسباب الصراع الدائر دون مواقف مسبقة تنتج من ردود فعل عاطفية وعلاقات أيديولوجية عفا عنها الزمن.