دون تخطيط

أسماء إلياس| حيفا – فلسطين

تركنا ذلك للصدف، وجاءت صدفة عجيبة غريبة، كنت أنتظر القطار. الطقس بارد بشكل يجعلك تتمنى لو لم تخرج من البيت، تجلس أمام مدفأة الحطب، تراقب النار وهي تعلو تارة، وتخبو تارة أخرى، صوت الخشب وهو يتكسر ويصدر أصواتا يجعلك تشعر بالنشوة والسعادة، شعور جميل أن تراقب المدفأة، المطر في الخارج غزير، الرياح تعصف، كل شيء معها يطير، كوبٌ من الشاي الساخن مع قطعة من البسكويت، أرتشف الشاي بصمت، لكن العقل مشغول، ترى ما حال المشردين الذين لا بيت لهم؟ يلتحفون السماء ويفترشون الأرض؟ ترى ما حال البلاد التي دمرتها الحروب؟ أشفق على كل من أجبرته الحرب أن يترك بيتا دافئا ووطنا غاليا أفكر والأفكار أحيانا تأخذنا بعيدا.

 في ذلك اليوم كنت مجبرة أن أذهب إلى الجامعة، فقد تقدمت بطلب كي أدرس علوم النبات، وعليّ أن أسجل اسمي حتى أستطيع الحصول على مقعد في الجامعة، لم يكن بد من النهوض من الفراش الدافئ؛ حتى أصل في الوقت المناسب، وحتى لا يفوتني القطار، وأضطر للإنتظار ساعة أخرى، جاء وجلس بجانبي، يحمل بيده جريدة الصباح، يقرأ العناوين ويترك الباقي، يقلب الجريدة كأنه يبحث عن خبر مهم، ترى عمّ يبحث؟ هل يا ترى حصل شيء لم أعلم به؟ لكنّبي لم أسمع شيئا مريبا، عند خروجي من المنزل استمعت لموجز الأخبار، الأخبار عادية، حادث طرق، إطلاق نار، حوادث عادية تعودنا عليها! لم تعد تؤثر فينا! التفتّ نحوه وسألته:

هل حدث شيءٌ مريب هذا اليوم؟ لأني أراكَ مهتما جدا بالأخبار؟

– يا سيدتي إنه فايروس كورونا، لقد انتشر في كثير من البلدان.

– نعم لقد سمعت، لكن لماذا كل هذه الضجة؟

– لأنه فيروس قاتل، يميت كل من يصاب به!

– يا ساتر استر، هل تتكلم جادّا؟

 نعم كل الجدّ، لذلك ذهبت اليوم واشتريت عدة أقنعة.

– لكنك اليوم لا ترتدي قناعا واقيا.

– نعم معك حق؛ لأني لم أسمع عن حالة واحدة هنا في البلاد.

– نعم لأن وزارة الصحة مهتمة جدا بعدم دخول أي شخص للبلاد آتٍ من تلك البلاد الذي بدأ فيها الفيروس، لكن الاحتياط واجب. ألا توافقينني؟

-نعم انا معك عزيزي.

– لم أتشرف باسمك؟

– أنا حنان طالبة جامعية، اليوم سوف أسجل اسمي بقائمة طلاب علوم النبات،وحضرتك؟

– أنا محسن أستاذ في أعلّم الحاسوب.

– جميل جدا، أردت أن استشيرك بموضوع ما، لكن القطار وصل وعليّ أن أذهب.

– أنا معك في نفس القطار، نكمل حديثنا عندما نعتلي القطار.

– فيتلك اللحظة التي جلسنا في القطار جنبا إلى جنب، بدأت أشعر بالراحة نحوه، وهذا الشعور -كما يبدو- بداية لشيءٍ جميل، يخيل لي أنه الحب. لم أكن أعلم بأن الحب بكل بساطة يتسلل داخل الروح. نعم إنه الحب لا شك بذلك!

  سألته عن إمكانية تعليمه لي حصة أو حصتين بعلوم الحاسوب.

 وافق دون تردد، بعد أن وصل كل واحد منا إلى هدفه، وبعد أن تبادلنا أرقام الهواتف. واهتم جدا كي نلتقي يوم العطلة… يوم السبت القادم في الحديقة العامة. قال لي: اليوم يوم دراسي طويل، عندما ينتهي الدوام سوف أكون معك على تواصل.

ذهبت إلى مكاتب الجامعة، وهناك التقيت بالمدرسين… السكرتارية، سجلت اسمي، تعرفت على القسم الذي سوف أبدأ به الدراسة. أعطوني جدول الحصص، ومتى تبدأ الدراسة؟ غمرني الفرح، فهذا اليوم بالنسبة لي من أجمل أيام حياتي، ولا بد أن أسجله في دفتر مذكراتي.

عندما عدت للبيت سألتني أمي إذا ما كان كل شيء على ما يرام؟

 أجبتها: نعم وأكثر من ذلك وابتسامة عريضة على وجهي ما زالت ترتسم على وجهي، والفرح يرقصعلى محيّاي.

 التقينا عدة مرات وكل كل لقاء يكون من أجمل الصدف، وهكذا كانت لقاءاتنا تحمل صفة (صدفة خير من الف ميعاد)، حتى عرف كلّ منّا الآخر جيدا. عندما انهيت الدراسة تزوجنا وامتلأت حياتنا حبّا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى