لماذا قام “حور محب” بتشويه آثار أخناتون وولده توت عنخ آمون
فريدة شعراوي | باحثة في التاريخ والمصريات
فترة العمارنة من أهم الفترات التاريخية في مصر القديمة، حيث قام الملك أخناتون بتغيير الكثير من الثوابت في نظام الحكم ومفهوم الملكية في مصر القديمة، وكان من بين أهم ما قام به هو محو كل أسماء وآثار الآلهة الأخرى خصوصًا اسم وآثار الإله آمون، وكانت هذه الخطوة من بين الخطوات التي أثارت ثورة عارمة ضد أخناتون وخلفائه وعجلت بنهاية حكمه.
تعرضت آثار أخناتون لحملة كبيرة من التدمير والتشويه كرد فعل على ما قام به ضد آثار الآلهة الأخرى، ولعل من الجديد في الأمر أنه تم تدمير آثار أخناتون وعدم استخدامها في آثار الملوك اللاحقين، ونظرًا لأنه اعتبروه ملكًا مهرطقًا، واعتبروا آثاره آثارًا مدنسة لا تليق بها، ونظرًا لأنها آثار أخناتون كانت تخص وحده ولا يمكن أن يتم تعديلها كي تناسب أي ملك آخر.
قلم الملك حور محب، بدور كبير في تدمير آثار أخناتون بشكل منهجي على عكس توقير حور محب لأبيه أمنحتب الثالث وزوجته الملكة تي، وأغتصب آثار خلفاء أخناتون خصوصًا توت عنخ آمون و(آي)، وأصبحت العديد من آثار توت عنخ آمون هدفاً للتشويه.
أن ذلك التحطيم ارتبط بحورمحب، فبعد وفاة توت عنخ آمون أكمل (آي) الأعمال التي تركها توت عنخ آمون غير مكتملة. ونجح آي في تزيين صالة الأعمدة في معبد الأقصر وفي تشييد تماثيل أبو الهول في طريق الكباش بين الصرح العاشر في معبد الكرنك ومعبد موت .
كما أكمل أيضاً بناء وزخرفة المعبد التذكاري لنب خبرو رع، والذي يظهر احترامه لتوت عنخ آمون، وفي المعبد يدعو توت عنخ آمون بـ”ابنه” كدعاية سياسية لإضفاء الشرعية على حكمه .
بالرغم من وجود تمثال لآمون يظهر استيلاء آي على اسم توت عنخ آمون، والذي يبدو أنه نقش اسمه على التماثيل التي نفذها توت عنخ آمون في نهاية حكمه، لم يحدث أبدًا أن اضطهد آي آثار توت عنخ آمون عن عمد، ولهذا فلم يتهم آي أبداً بقمع ذكرى توت عنخ آمون، ولكنه كان يظهر للعامة احترامه لتوت عنخ آمون وأكمل برنامج توت عنخ آمون الإنشائي والترميمي.
حورمحب أزال أسماء توت عنخ آمون بعناية، مثلما حدث مع الحكام السابقين مثل حتشبسوت، أخناتون وسمنخ كا رع، بالرغم من كل تلك الأنشطة الإنشائية والترميمية لآمون والآلهه التقليدية الأخرى.
حورمحب في البداية حافظ على أسماء توت عنخ آمون كمحاولة منه لإضافة الشرعية على كونه ملكاً جديداً بعد هزيمة حزب آي، ولكن بعد ذلك بدأ حملة اضطهاد لكل ملوك العمارنة.
كما يبدو أن اضطهاد حورمحب لعنخ اس إن آمون كان أكثر قسوة من اضطهاده لتوت عنخ آمون. فقد قام بمحو اسماءها وأشكالها من على آثار توت عنخ آمون، بينما ترك أشكال الملك لم تمس، بالرغم من اغتصابه لأسماء توت عنخ آمون. ربما يرجع ذلك إلى أنها قامت بتسليم السلطة لآي بعد وفاة توت عنخ آمون.
وفي النهاية فإن أغلب أسماء توت عنخ آمون استبدلت بأسماء حورمحب، كما لو أنه اعتبر آثار توت عنخ آمون كأنها آثاره هو، على سبيل المثال على لوحة الترميم تغيرت أسماء توت عنخ آمون إلى حورمحب.
كان حور محب يستولي على أسماء توت عنخ المنقوشة على آثاره بدون أن يدمر الأثر نفسه، فإن العديد من تماثيل توت عنخ آمون أو آمون في هيئة الملك الطفل تم إزالتها.
على سبيل المثال تمثالي آمون الذي يظهر الإله وهو يحمي توت عنخ آمون والموجودان في متحف اللوفر ويظهر التدمير الذي أصاب رأس وأطراف الملك عن عمد، بينما لم يحدث لآمون أي تدمير. أسماء توت عنخ آمون على أحد التمثالين تظهر طريقة جديدة من الإستيلاء. فبدلاً من حفر اسم حورمحب فوق اسم توت عنخ آمون
فإن العناصر المقدسة في اسم الملك (مثل آمون ورع وهي جزء من اسمه) ظلت كما هي حيث إن إزالتها من الممكن أن يستدعى انتقام الإله، بينما الأجزاء الاخرى من الاسم محيت بعناية.
ورغم كل ذلك، يظل أخناتون بهرطقته و ولده توت بمقبرته الذهبية، من أشهر الملوك في تاريخ مصر القديمة.