حول لعن الجماعة أو عقوبتها بفساد قسم منها

د. خضر محجز | فلسطين

 للعيش في مجتمع واجبات، ينال الأفراد مقابلها الحقوق. وكما قال الحسن بن علي ـ عليه السلام ـ لعثمان، حين أمره بجلد الوليد بن عقبة بن أبي معيط، أخي عثمان في الرضاعة للخمر: “وَلِّ حَارَّهَا مَن تَوَلَّى قَارَّهَا” أي: اجعل أقاربك الذين خصصتهم بعطفك يجلدونه. هكذا هو الأمر دائماً: تعيش في مجتمع فيسود فيه الظلم، ولا يتحالف الخيرون لمكافحته، فيعمهم العقاب، لأنهم تخلوا عن واجب الجهاد، وتركوا الأرض تفسد، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾ (البقرة/251).

فإن فسد مجتمع أخذه الله. فاليهود كان فيهم الصالحون، لكن الخبث طغى وزاد وعم، ولم يقم الصالحون بجهاد الطالحين، فاستحقوا مصيرهم. وكذلك المسلمون اليوم. أما أن اليهود أمة ملعونة ملاحقة بالعقوبة مدى الدهر لظلم سابقيها فليس صحيحاً، لأن اللعن كان للذين كفروا، كما هو واضح من قوله تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (المائدة/79).

 وقد تبين من قوله تعالى لبني إسرائيل: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراّ^ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً^ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً﴾ (الإسراء/6 ــ 8) أنهم ليسوا ملعونين بجملتهم، بل تجري عليهم سنن الخلق والأمر والتكوين كالمسلمين وغيرهم. أما ما يقوله حمقى الخطباء من أن اللعن أصاب كل بني إسرائيل فلا يصح، خصوصاً وقد صدر عن مشاعر قومية، لا علاقة لله بها، فهو سبحانه متعال عن القوميات، وإن رغب الأقوام أن يمنحه كلٌّ جنسيته.

 لكن اللعن يصيب القوم أو الجماعة في جيل أو مكان إذا لم تقم بجهاد الفاسدين فيها، لأنها بصمتها تدع الأرض تفسد، والله شرع الجهاد لمنع ذلك، كما قلنا. والمسخ كذلك أصاب القرية التي احتالت على الشريعة كما في قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ (الأعراف/163). وإبادة كامل رجال بني قريظة وسبي نسائهم كان لنكثهم العهد مع المسلمين (صحيفة المدينة) وتحالفهم مع الكافرين يوم الخندق. فكانت عقوبتهم بمقتضى قوله تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ^ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ^ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ (الأنفال/55 ــ 57).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى