بحضور نجله غيلان ونخبة من النقاد.. نادي الوتريات يدشّن الأعمال الكاملة لـ بدر شاكر السيّاب
اتحاد كتاب العراق | بغداد
احتفى نادي الوتريات في الإتحاد العام للأدباء، والكتّاب العراقيين مساء يوم الجمعة 25 ديسمبر بتدشين الأعمال الصادرة عن دار الرافدين وتكوين بطبعة منقحة حققها الشاعر علي محمود خضير، وكتب لها أدونيس مقدمة ، وذلك تزامنا مع ذكرى رحيل الشاعر الكبير بدر شاكر السيّاب ال 56.
أدار الجلسة الشاعران: عبدالرزّاق الربيعي، وأحمد رافع، وقال الربيعي مفتتحا الجلسة” لو أمدّ الله بعمر السياب لاحتفلنا هذا العام بميلاده الرابع والتسعين، لكنّ إرادةَ الله أخذته من آلامه وأسقامه، الى نعيمه، وذلك قبل ٥٦ سنة ومابين الرقمين( ٩٤ و٥٦) عمر قصير ٣٨ سنة عاشها السياب على الورق، وفي المكتبات، ومتنقلا ما بين المستشفيات، لكنّ هذا العمر القصير كان كبيرا بعمر الابداع، بدليل أننا هذه الليلة، وفي الأيامِ الأخيرة من عام٢٠٢٠ ها نحن نجتمع بأمسية ينظمها نادي الوتريات في الإتحاد العام للأدباء والكتّاب العراقيين مشكورا، عبر منصة “الفنر” العمانية لنحتفل بولادة طبعة جديدة منقحة لأعماله الشعرية، حقّقها الشاعر علي محمود خضير وصدرت عن دار الرافدين بمقدمة لادونيس، وهذا دليل أنه مايزال يعيش بيننا، لذا وجب عليّ أن أبارك للصديق الأستاذ غيلان بالولادة الجديدة للسياب قبل أن أعزيه بفقده”، وأضاف الشاعر أحمد رافع مفتتحا الجلسة أن هذا المساء الإستثنائي ديدن ابداعي كبير تحت أفياء قصيدة السياب التي لطالما كانت ورودا لقصائد اخرى تستسقي منها ماء الكلمة الرمزية، والاسطورية، فالنص الشعري للسياب يحمل التعابير الجديدة للشعر العربي الحديث واستخدامه الألفاظ المضعفة، وغيرها من الألفاظ الزمانية والمكانية والدلالة الرمزية للتعبير عن الاغراض الوطنية والسياسية خصوصا أنه اتخذ الميثولوجيا والرمزية أحد الأدوات الاستراتيجية للتعامل مع القصيدة واستحداث بنية فنية جديدة للتعبير عما يخالجه من أسى وحرمان وهو يأسس للشعر طريقا جديدا بعمر قصير بـ 38 سنة قضى حياته مع الشعر والورقة وحقق نتاج أدبي مهد الطريق للشعر العربي أن يصل الى العالمية من خلال منظومته الشعرية الحديثة التي تحكم بها ذاته الإستقلالية، ونظرته المغايرة للقصيدة فلم ينتقل فقط من قصيدة الشطرين الى قصيدة التفعيلة بل أضاف لها مفهوم جديد يتماشى مع الواقع المفروض آنذاك، واستطاع أن يصنع رموزا كثيرة في جو القصيدة، وهذا ما يجعله أن يتفرد، ويكون خالدا الى هذه اللحظة بعد غياب لأكثر من خمسين سنة، وهذا لا يخفي على السياب في استخدام الرمز الديني والأسطوري للتعامل بما يراه وبما يقتنع به خصوصا أن الميثولوجيا اليونانية اخذت طريقها في مسار قصيدته لما لها من طاقة شعرية مخبوءة كذلك كأداة لتحريك التورية أضف إلى ان الرقابة كان تفرض على القصيدة أن لا تخرج بإرادة الشاعر من دون أن تمر عليها الرقابة لحذف أو اسقاط شيئا من بعض الجمل الشعرية ولكن السياب من خلال الرمزية والأبعاد التي يتركها أستطاع أن يتحايل بلغته على الرقابة والإفلات منها دون أن تشعر بذلك. وأكمل رافع ترحييه بضيوف الجلسة من الأستاذ غيلان بدر شاكر السياب والأستاذ علي محمود خضير والدكتور حاتم الصگر، والدكتور عارف الساعدي والدكتور سعد محمد التميمي والشاعر وسام العاني والناشر محمد هادي والباحث حسان الحديثي.
في سؤال من الربيعي أفصح غيلان عن تميز هذه الطبعة، وأهم ما يميزها أن من قام الاشراف عليها هو شاعر وهذا هو المكسب الكبير لهذه الطبعة وخرجت بعناية فائقة والطبعات السابقة كانت جميعها تجارية.وأكمل غيلان في سؤال من احمد رافع أن هذه الطبعة ولادة جديدة تليق بوالده والطبعات السابقة لا تليق بمكانته ومنجره الشعري وان العائلة لها حدث عظيم ونحن حاولنا خلال سنوات سابقة ان نعيد نشر المجموعة الكاملة خارج نطاق سيطرة دار العودة لكننا لم نفلح في ذلك.
وأكد علي محمود خضير في سؤال من الربيعي أن السياب ظلّ لأكثر من 50 سنة يفتقد الى طبعة جديدة وفنية تليق به وهذا ما نعاني منه في البيئة النشرية للشعر، فابتدأت اول خطواتي بتحرّي الدقة وهناك اختلافات كثيرة بين المخطوطات القديمة والطبعات المتوالية ومن هذه النقطة انطلقنا شيئا، فشيئا لأعداد أعماله الكاملة ثم تلتها التصويبات والوثائق التاريخية لإعداد المشروع الكبير.وأشار الدكتور حاتم الصكر في التعبير عن مراياه في ان مطولات السياب امتازت بالسرد لكون السياب يطور القناع، فأصبح السارد المضاد لسرده، وعاش مثالا وطوّر كل واقعه بهذا المثال والرمز فعلى سبيل المثال اصبحت جيكور يعرفها الجميع. وان القصيدة اكرمته والحياة شحت به وأنا اقرأه بين قوسين الاول ما فعله في التجديد وما فتح به الطرق والابواب للحداثة التي تليه .
توقف الربيعي أمام مقال الناقد حمزة عليوي المنشور في الشرق الاوسط عن ” ظاهرة تزييف التاريخ الأدبي القائم على أساس تزييف النص وتدمير ثباته المتحقق عبر التداول”، وتحدّث غيلان أن الوالد اسقط نفسه في الورقة، وقال هذا أنا، فيما أكّد محقّق الكتاب الشاعر علي محمود إتفاقه مع الحريزي وكان المقصود منه علينا ان نتعامل مع النص الشعري بما يريده الشاعر دون أن نملي عليه واشار أن ديوان أنشودة المطر في طبعة 1960 الصادرة عن مجلة شعر هناك مقاطع ينتقد فيها السياسات الأميركية والعنصرية ضد السود وحين سألت أدونيس عن هذا الحذف قال كنت متفق مع السياب وهو سمح لي أن اتصرف بالنصوص. وأضاف غيلان في إطلاعه عن رسائل والده مع اصدقاءه الشعراء أن قضية نشر القصائد واسقاط جزء منها كان يحكمها السماح بهذه المجلة هو للتحايل وعدم الخضوع لمقص الرقابة.
وأضاف غيلان في سؤال أثاره أحمد رافع عن الرمزية والميثولوجيا في قصيدة السياب، فأجاب: أنه استخدمها لسببين وكما هو وضح في مقالاته القديمة في أن الميثيولوجيا الإغريقية والأساطير تحمل في داخلها الكثير من الشعر والمعاني الذي يمنح للقصيدة ابعادا جديدة، والسبب الثاني هو للتورية لعدم الوقوع في فخ المباشرة.
وتابع الدكتور سعد محمد التميمي أن قضية التوظيف الاسطوري في شعر السياب اخذ مناحي عدة منها الرمز الديني والأسطوري، والرمز في شعره معادل موضوعي يعبر من خلاله عن القضايا الواقعية فقد انتقل من ذاته من المرحلة الرومانسية الى الانسانية اندمج فيها الناس ولم يكتف بالرموز والتجديد على الشكل فقد صنع رموزا مثل نهر بويب وحدث في المفاهيم الشعرية وأكد الشاعر وسام العاني في كلمته الادبية أن السياب يعتبر مرجعا له وهو واحد من الشعراء القلائل الذين لهم القدرة على تحقيق متون شعرية مميزة ودالة عليهم ومأثرة على من جاء بعدهم وختم العاني لقراءة قصيدة له.
وتوقّف الربيعي عند مشروع الباحث حسان الحديثي الذي قال” إن الكتاب يحتوي على دراسات نقدية والسياب استخدم الأسطورة وجعل من المفردات علامات ربما تكون هي الأسطورة مستقبلا إذ لم يتكلم أحد من قبل أن المطر دلالة الحزن ولم يجعل من بويب حزن فهو ابتكر الدلالات ودق الاوتاد في الارض الادبية، وتكلم الحديثي عن نظرة السياب للانسان في قصيدته في مداخلة من الرافع فذكر انه عندما يحمل الهموم الاجتماعية لصبية تظلم ويقتل أباها وترحل وبهذا النمط الدرامي الذي لم يعهده احد بهذه الكثافة الانسانية فهو يتكلم عن العبيد ايضا.
وبهذا الصدد وجه الرافع سؤالا لغيلان عن اعتراف السياب وجرأته في كسر نمطية الشعر، فذكر هذا الجزء المميز الذي أضرّ في الوالد وسفح نفسه على الورق كما هي وحرر شعره من كل القيود
مكملا الناشر محمد الهادي كلمته في إلتفاتة من الربيعي عن دوافع النشر في أنه لا يوجد متن شعري حقيقي للسياب فكان الاصدار تحدي للنجاح وهو جامع مانع واثمن جهده لمحقق الكتاب والاستاذ غيلان وكان هناك تسديد لتخرج الاعمال بهذه الحلة مسترجعا الربيعي عن مقال حمزة عليوي بمدى تدخل الناشر بمساحة العبث في النص فأسترسل هادي أن الناشر ليس من حقه أن يتصرف بأي نص وخلال الحديث عن نقاط الترقيم أدلى غيلان وصفه في أن العلامات من فروع شجرة القصيدة لا يمكن التلاعب بها معتمدا على المخطوطات الاصلية للوالد وتابع علي محمود خضير كلامه عن علامات الترقيم في أنه قد عمل مقارنة بين المخطوطات الأصلية وبين ما هو مطبوع في نصوص فقمنا بترجيح المخطوطة لأن المطبوع يخضع للاجتهادات، وأكمل الواقع سؤاله عن الصعوبات التي واجهته بصفته كمحقق للكتاب واوضح علي محمود أن مشكلتنا كبيرة في ندرة الأرشيف ولم يكن هناك أرشيفات ممتازة عن الماضي وهذه مشكلة واجهتها اثناء جمع النصوص وان اغلب الارشيفات له في دار الوثائق محترقة وبعضها غير موجودة.
وأدلى الدكتور عارف الساعدي أن أصدار الاعمال هو مكسب حقيقي ليس للسياب لأنه لا يحتاج الى أعمال بل نحن من نحتاج لمثل هكذا عمل نفخر به وأفصح عن موقف الشاعر شمس الدين عند زيارته للبصرة في انه يرى شباك وثيقة وان ارى نهر بويب في ثقب جدار، مكملا الساعدي كلامه في أن السياب كان يكتب القصيدة بـ 100 عام للأمام وهذا ما عمل في رسالته وتداخل غيلان في وصف شمس الدين في أن جيكور كان جنة اشبه بعدن ووصف شمس الدين لبويب بخط ناحل يمكن عدّه تجنيا على الحقيقة، وأضاف الساعدي أن الوصف جاء للتعبير عن ان السياب يضع رموزه وأساطيره فيما أكد الدكتور حاتم الصكر عن عطفه أن هذا الوصف هو امتداد السياب عربيا وتحدث في استفتائه لمجلة الاقلام سنة 1987 لمجموعة من الشعراء كيف تقرأ السياب بعد رحيله؟ كلهم قالوا أن السياب حاضر في بداياتنا ولخّص الدكتور عبد الرضا علي كلهم شربوا من بويب. إذ اعادت حيوية الشعر وان قيمته الاكبر في قصيدته ولغته والدليل أننا اليوم نحتفي به تحت لافتة وتريات قصيدة النثر بينما السياب لم يصل الى هذا الفتح الحداثي.
فيما اتفق الدكتور سعد محمد التميمي مع الدكتور حاتم وعارف في أن السياب قدّم مشروعا ورؤى مختلفة وعلينا أن نرجع للسياب لانه يضيف الكثير في دراساتنا
وألقى الشاعر احمد رافع كلمة الاديب جبار الكواز بالنيابة عنه معتذرا لعدم حضوره التي حملت كلمته ما الذي تبقى من السياب فأكد الكواز أن بعد موته التراجيدي غريبا في احدي مشافي الكويت وتشييعه الباهت تحت زخات مطر خفيف في اواخر كانون الاول الى بشارة اصدار الاعمال الكاملة له عن دار الرافدين بجمع الشاعر المميز( علي محمود خضير) بجهد اشتثنائي لائق به مازال سؤال السياب حاضرا في المشهد الابداعي العراقي والعربي والعالمي بوصفه ثيمة كبرىاستطاع تجاوز المحلية الى ضفاف العالمية واسس بقوة الوعي الخطوط التجديدية الاولى في الشعر العربي في عصره الجديد فكان الجسر الذهبي الذي عبر به الشعر العربي الى ضفاف التجديد والحداثة وأضاف الكواز أن السياب ظل شخصية اشكالية على مستوى حياته وانجزاته الشعرية التي امتازت منها المطولات التي اسست اضافة الى البنية الفنية والشكلية المستجدة مصدر جدل طويل وعميق ما زال اواره قائما في كل لقاءات الشعراء والباحثين والدارسين..ربما كان تمثاله الشهير على شط العرب يشكل صورة من الوفاء الشعبوي له خاصة بعد سقوط الشمولية اذ نجا التمثال من التخريب كبقية التماثيل المجاورة له بقوة تأثيره الابداعي في وجدان الناس رغم ان اكثرهم قد لا يكون قد قرأ له نصا واحدا ولكن قيمته الفنية الكبرى انعكست على قيمة اجتماعية عميقة التأثير شعبويا حتى صار التمثال محجا عراقيا لجميع زائري البصرة وبهذا يرتبط السياب عضويا بالناس.
وفي سؤال من د. محمدعبدالرضا شياع حول تسميته غيلان، فقال” سمعت في مقابلة مع الشاعر سلمان الذي كان زميل الوالد في دار المعلمين فالوالد قد سماني على اسم ابن سلمان الاكبر وهذه معلومة جديدة تضاف لي.
وختم الربيعي الجلسة مثمنا جهود الحاضرين من النقاد والأساتذة الأكاديميين ونادي وتريات في اتحاد الادباء ومنصة فنر العمانية.
لمشاهدة لجلسة على اليوتيوب
https://www.youtube.com/watch?v=ET15OeRDpEQ
https://youtu.be/ET15OeRDpEQ