حديث الفكر والقلب.. ما الفروق الدلالية بين: الخَشْيَة ـ الخوف ـ الرُّعْب ـ الرَّهْبَة ـ الرَّوْع ـ الفَرقَ ـ الفزع ـ الوَجَل؟!
ماجد الدجاني | فلسطين
الخَشْيَة ـ الخوف ـ الرُّعْب ـ الرَّهْبَة ـ الرَّوْع ـ الفَرقَ ـ الفزع ـ الوَجَل • الخشية فى اللغة: خوف يَشُوبه تعظيمٌ، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يُخْشَى منه [1]. • والخوف فى اللغة: توقُّع مكروهٍ عن علامة معلومة أو مظنونة[2]. • والرُّعب فى اللغة: الخوف الشديد، مأخوذ من قولهم: رَعَبْتُ الحوضَ، أى ملأته، فكأنَّ المرعوب ممتلئ بالخوف[3]. • والرهبة فى اللغة: شدَّة الخوف وملازمته، وتَصْحَبُه مهابةٌ، ومنه “الراهب”؛ لطول ملازمته الخوفَ. وأصله من الرَّهْبِ، وهو الجمل الذى أصابه الهزال والإنهاك من طول الأسفار[4]. • والرَّوْع فى اللغة: خوف واضطراب شديد يبلغ الرُّوعَ، أى القلب. ولا يقتصر على الخوف فقط، بل للجَمال رَوْعٌ ورَوْعةٌ أيضًا[5]. • والفَرَق فى اللغة: تفرُّق القلب من شدة الخوف[6]. • والفزع فى اللغة: انقباض ونفار واضطراب يعترى الإنسان من الشى ء المخيف[7]. • والوَجَل فى اللغة: الخوف والفزع[8]. هكذا تتقارب معانى تلك الألفاظ وتتداخل، فالخشية والرهبة متقاربان إلى حدٍّ قريب من الترادف التام، والخوف والفزع والوجل مترادفة تمامًا، وكذا الرُّعب والفَرَق. ولا يفترق عن هذه الألفاظ سوى الرَّوْع، ويتميَّز باستعماله فى معنى الدهشة أمام الجمال. فلنستقرئ الاستعمال القرآنى الحكيم لهذه الألفاظ المتقاربة: • الخشية: وردت الكلمة فى القرآن الكريم كثيرًا، ومن شواهدها: – {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} البقرة/٧٤. – {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} البقرة/١٥٠. – {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} النساء/9. – {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فاطر/٢٨. – {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} الحشر/٢١. حقيقة الخشية: الخوف الباعث على الامتثال والانقياد، مع المهابة والتعظيم والإجلال[9]، والخشية فى الأغلب تقترن بالعلم كما فى آية فاطر رقم “28”، وفى آية النساء رقم “9” معنى {وَلْيَخْشَ} أى: ليستشعروا الخوف فى نفوسهم مع تعظيم الله عز وجل وامتثال أمره. والملاحظ فى آية النساء رقم “9” أنها جمعت بين لفظى الخشية والخوف، فبدأت بالأمر بالخشية، وهى الاحتراز من الشىء بمقتضى العلم، وهى الحاملة على التقوى[10]، وذلك إذا “خافوا” على أبنائهم من بعدهم .. فالخوف على الأبناء مرتبط بتوقُّع حصول مكروه لهم فى المستقبل، لذلك أُمِرُوا بأن يدفعوا عن أنفسهم الخوف وذلك بالخشية، أى الخوف من الله وتعظيمه وتقواه بمقتضى العلم به. • فخشية الله، تدفع كل خوف آخر؛ لأن خشية الله ليست مجرد خوف وتوقع للمكروه، بل يصاحبها انقيادٌ لأمره وتعظيمٌ لذاته سبحانه وتعالى، مع العلم بموجبات ذلك. • الخوف: تكرر ذكر الخوف كثيرًا فى القرآن الكريم، ومن ذلك الآيات: – {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} البقرة/38. وتكرَّرت جملة: {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} فى كثير من الآيات: “البقرة/ 62، 112، 262، 274، 277؛ آل عمران/170، المائدة/69، الأنعام/ 48، الأعراف/35، 49، يونس/ 62، الأحقاف/ 13”. فى المواضع المذكورة ارتبط الخوف بالحزن؛ وذلك لنفى كل ما يُسبِّب الهمَّ والقلق، فنَفَى عنهم الخوف وهو توقُّع مكروه فى المستقبل، ونفى عنهم الحزن، وهو على ما فات. كما ارتبط الخوف فى القرآن الكريم بالطمع، ومن ذلك قول الله عز وجل: – {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} الأعراف/ ٥٦. وكلاهما “الخوف والطمع” متعلِّق بالمستقبل، فأمَرَ الله عبادَهُ بالحذر من عقابه، ورجاء رحمته وثوابه. • الرعب: وردت كلمة “الرعب” فى القرآن الكريم خمس مرات، فى الآيات التالية: – {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} آل عمران/151. – {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} الأنفال/12. – {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} الكهف/18. – {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} الأحزاب/26. – {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} الحشر/٢. الملاحظ أن كلمة “الرعب” استعملت أربع مرات فى سياق وصف الحرب وما أصاب المشركين فيها من خوف شديد ملأ قلوبهم[11]. وهذه معجزة للنبى صلى الله عليه وسلم ذكرها فى قوله: “نصرت بالرعب مسيرة شهر”[12]. أما الموضع الخامس من مواضع “الرعب” فى القرآن الكريم، فقد ورد أيضًا فى سياق معجزة أهل الكهف. وسبب الرعب: ما ألبسهم الله عز وجل من الهيبة، وما بدا عليهم من طول الأظفار والشعور، ووحشة مكانهم[13]. • استعمل الرعب فى الخوف الشديد الذى يملأ القلوب، وجميع سياقاته فى القرآن تقضى بكونه معجزة، فناسب المعجزةَ خوفٌ شديد خارق للمعتاد من الخوف. • الرهبة: وردت مادة “ر هـ ب” فى القرآن الكريم اثنتى عشرة مرة، بصيغ مختلفة، ومن ذلك الآيات التالية: – {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} البقرة/40. – {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} الأعراف/116. – {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} الأنبياء/90. – {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}القصص/32. • الرهبة: خوف يصحبه اضطراب شديد تخفق له الرَّهابة، وهى عظام الصدر[14]، وقيل: إنها مشتقة من الرَّهْبِ، وهو الجمل الذى أنهكه وأهزله طول السفر[15]، وعلى ذلك فالرهبة: خوف شديد يصحبه اضطراب وضعف. • الرَّوع: ورد لفظ “الرَّوْع” فى القرآن الكريم مرة واحدة، فى قول الله عز وجل: – {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} هود/74. الرَّوْع: الخوف الذى يبلغ الرُّوع، أى القلب[16]. ولم يُسْتَعْمَل فى القرآن بمعنى الجمال أو غيره مما يُرَاعُ له. واستعمال كلمة “الروع” هنا للتعبير عن الخوف الذى شعر به إبراهيم فى قلبه، وكان هذا الخوف مصحوبًا بإنكار وتوجُّس وقلق. • وعلى هذا يكون الرَّوْعُ فى الاستعمال القرآنى: خوفًا مصحوبًا بإنكار وقلق. • الفَرَق: ورد لفظ “الفَرَق” فى القرآن الكريم مرة واحدة، فى قول الله سبحانه وتعالى: – {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} التوبة/56. عُبِّر بالفَرَق عن الخوف الشديد الذى يتفرَّق القلب منه كأنه يتصدَّع وينشق[17]. وقد أوضحت الآية التالية مبلغ خوفهم الشديد، بأنهم لو وجدوا مكانًا يلجأون إليه أو يغيبون فيه لأسرعوا إليه إسراعًا لا يردهم شىءٌ، فرارًا من القتل: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} التوبة/٥٧. • فالفَرَق إذن: أشَدُّ الخوف، وفيه جُبن واضطراب شديد. • الفزع: وردت هذه الكلمة فى القرآن الكريم ست مرات، منها قول الله عز وجل: – {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} الأنبياء/١٠٣. – {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} النمل/٨٧. – {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ} ص/٢٢. والملاحظ أن خمسة من المواضع التى استُعمِل فيها “الفزع” فى القرآن الكريم هى فى سياق وصف أهوال القيامة، وهى أهوال تفوق ما نعرفه من أهوال الدنيا، ولا شكَّ أن الخوف الذى يعترى النفوس يومئذٍ أشدُّ وأمكن فى القلوب من كل خوف فى الدنيا. والموضع السادس للفزع فى القرآن الكريم هو الوارد فى آية ص المذكورة، حيث رأى داود عليه السلام ما لم يكن يتوقعه، والفزع: انفعال يظهر منه اضطرابٌ على صاحبه؛ لتوقُّع شدة أو مفاجأة[18]. وهذه السياقات القرآنية للفزع قرينة على أنه يستعمل فى أشدِّ مواطن الخوف، وما فارق المألوف والمعتاد من الأحداث والانفعالات المضطربة المصاحبة لها. • فالفزع إذن: أشدُّ الخوف، وفيه مفاجأة، ويصحبه اضطراب ظاهر، فى المواقف غير المعتادة. • الوَجَل: وردت هذه الكلمة فى القرآن الكريم خمس مرات، منها قول الله عز وجل: – {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الأنفال/٢. – {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} الحجر/52-53. لم يفرِّق المفسِّرون بين الوجل والفزع، ومن ذلك عبارة الزمخشرى فى تفسير آية الأنفال: “وَجِلَتْ قلوبُهم: فزعت. وعن أمِّ الدرداء: الوجل فى القلب كاحتراق السعفة، أما تجد له قشعريرة؟ قال: بلى. قالت: فادْعُ اللهَ فإنَّ الدعاء يذهبه. يعنى: فزعت لذكره استعظامًا له وتهيبًا من جلاله وعزَّة سلطانه وبطشه بالعصاة وعقابه”[19]. ومثل ذلك عبارة أبى حيان[20]. وأورد كلاهما قراءتين للآية: “فزعت” وهى قراءة أُبَىٍّ، و”فرقت” وهى قراءة عبد الله بن مسعود. وهاتان قراءتان شاذتان تُحْمَلَان على التفسير. لكن المتأمِّل للآية يجد أن كلمة “وجلت” استُعملت هنا لتعبِّر عن خوف وتعظيم يُدَاخِلُ القلبَ، ولا يظهر ذلك على البدن، فليس فيه اضطراب كالذى يصاحب الفزع، بل الوجل أقرب إلى السكون. • وعلى هذا يكون الوجل: خوفًا، يصاحبه تعظيم وإجلال، ولا تظهر آثاره على البدن. • ونخلص مما سبق إلى وجود تقارب دلالى بين ألفاظ: “الخَشْيَة ـ الخوف ـ الرُّعْب ـ الرَّهْبَة ـ الرَّوْع ـ الفَرقَ ـ الفزع ـ الوَجَل”؛ حيث تشترك هذه الألفاظ فى معنى: توقُّع المكروه، وانقباض النَّفْس لذلك. • وتشترك أربعة من هذه الألفاظ فى ملمح الشدة، وهى “الرعب ـ الرهبة ـ الفَرَق ـ الفزع”. • وتشترك ثلاثة منها فى ملمح الاضطراب، وهى: “الرهبة ـ الفرق ـ الفزع”. وتتميَّز بعض هذه الألفاظ بملامح دلالية فارقة على النحو التالى: • الخشية: تمتاز بملمح العلم بموجبات الخوف، وفيها انقياد وامتثال. • الرعب: يمتاز بملمح الهيبة الناشئة عن أمر خارق للمألوف. • الرهبة: تمتاز بملمح الاضطراب والضعف معًا. الروع: يصحبه إنكار وقلق. • الفَرَق: فيه جبن واضطراب معًا الوجل: فيه سكون ظاهرى.