بيتان بقصيدة كاملة.. تمام في المعنى إيجاز في المبني

برهان غنيم | باحث وناقد

تقول الشاعرة المصرية دعاء رخا في رباعية شعرية لها:

‏لا  فرق  بين  دمِ  الفؤادِ    وأسطري

أو  بين   أشعــاري   وبين   شعائري

***

في   كلِّ   خافقةٍ    أضخُّ    دفـــاترا

إنْ  رمتَ  ماهيتي،  فدعني  أنبــري

أي أنك الشعر ذاته.. بل حياتك ووجودك شعر ووجودك وحياتك وكبنونتك هي الشعر  لأن دم الفؤاد غير ثابت.. يدور في كل الخلايا.

لم يكن شعرك محصورا في العقل أو الوجدان أو القلب كوعاء.. شمولية الاحتواء وديمومة الدوران.. هذا هو شطر البيت الأول. والأشعار التي تجري كالماء هي ذاتها العادات والطقوس.. كأن كل حركاتك وسكناتك شعراً.. الله على هذا التوحد والاندماج.. هذا البيت الذي احتوي مضمونا قد يحتاج بعض الشعراء لبناءه قصيدة كاملة..

أما البيت الثاني فهو قصيدة أخرى ومفادها المختصر إن كنت من الفوارس الذين يجابهون الطوفان (في كلة خافقة أضخ دفاترا). نعود إلى العلاقة بين دم الفؤاد وسطور الشعر وربطها ب لفظة (أضخ) وهنا أبدلت القلب وهو المسؤول عن ضخ الدم تلميحا (الشعر تصريحا).. وانظر إلى لفظة خافقة .. والتي لمحت بها أيضا إلى انقباضة أو انبساطة القلب.. لكنها أبدلت خافقة ب (نبضة).. فالخفقان مرتبط أكثر بالاحساس العاطفي عنه في لفظة نبضة التي تستعمل عادة في الأمور الوصفية المجردة للقلب كآلة ضمن أعضاء الجسم.. هنا لا تأتي الشاعرة بالألفاظ جزافا.. بل هي تتخير وتنتقي اللفظ الأوحد في كل جملة أو شبه جملة..

(في كل خافقة أضخ دفاترا.. إن رمت ماهيتي فدعني أنبري).. يا أيها الفارس أنت على موعد مع فيضان مستمر من الشعر لاولن يتوقف ماديا إلا باتتهائي.. فإن أردت هذا الكيان فلا توقفني.. لا توقف فيضان الكلمات..

بيتان بقصيدة كاملة.. معنى تام و إيجاز شديد في المبني و تفصيل شديد في المعنى.. تشعر أنك في بيتٍ من حجرة واحدة لكنها قصراً من قصور النبلاء في القرون الوسطى.. فيلا فاخرة بحديقة وحمام سباحة علي مساحة سيارة ملاكي… أعتذر عن التوصيفات الأخيرة التي لا تناسب مقام الولوج في عمق معنى البيتين لكنني لم أجد تقريبا وتبسيطا للمعني سوى ذلك..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى