وداعاً أيها السومري الأخير

د. نوفل أبو رغيف | الوكيل الأقدم لوزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية

بعد مسيرةٍ أثقلَها الألمُ والأملُ والمكابرةُ والعطاء والعناء.. سكتت زقزقاتُ الألوان وتوارت النوارسُ القديمةُ وانطفأَ السراجُ العنيد.

لقد شاءت السماءُ أن يصبحَ ذاك الطفلُ الأصم الأبكم الذي لا يقرأ ولا يكتب، عملاقاً ورمزاً شاخصاً، فقد حباهُ الله بموهبةٍ فذةٍ نادرةٍ منذ سنواتهِ الأولى، وكانَ وريثاً لأبٍ هو الأمينُ العام للمكتبة الوطنية في إحدى مدن العراق جنوباً ، ليصبحَ الفتى فيما بعدُ، راعياً وأميناً لمكتبة الطفل في بغداد منذ بداية تأسيسها، فكانَ الفنُ وسيلتَهُ الأولى وسبيلَهُ الوحيدَ، ليحَوِّلَ العالم الى صورٍ تضجُّ بالحياةِ ولوحاتٍ وحكايات أسعدت ملايين الأطفال في العراق والعالم العربي،، جيلاً بعد جيل .

لقد رحلَ المعلِّمُ الكبير والرسامُ الحاذق والعراقيُ حدَّ النخاع ..
غادرَ طالب مكي،، المتوهّجُ المؤثِّرُ بعد صراعٍ مرير مع المرض، وطالما كان ينتصرُ عليهِ ويهزمُهُ على امتداد عقودٍ مثقلةٍ بالوجع والصمت والتأمل، بعيداً عن الصخب والضوضاء والتدافع .

وإذ تنعى وزارة الثقافة وفي مقدمتها دار ثقافة الأطفال ببالغِ الحزن والألم رائدها الفقيدَ الكبير وأحد مؤسسيها(طالب مكي) الذي أخذهُ الموت صبيحة العاشر من حزيران، فإنها تؤبّنُ أحدَ أوتاد الخيمةِ التي قامت عليها ثقافة الأطفال والفن التشكيلي في العراق .

رحل طالب مكي تاركاً إرثَه الخالد في النفوس وبصماتِهِ المضيئةَ في الذاكرةِ الحيّة وفي صناعة الجمال، مؤسساً ورائداً، رسّاماً ونحّاتاً ملأَ المشهد وهجاً وألقا .

رحلَ المعلمُ الذي تتلمذَ عليه مئاتُ الموهوبينَ ممن أضاءت اسماؤهم مشهدَ الابداع والجمال وأفقَ الطفولة طوالَ عقود .

إنهُ وداعُ الأجساد والوجوه أيها الإنسان الكبير لكن روحكَ ستظلُّ ماثلةً، وحضورُكَ شاخصاً، وعطاؤك خالداً على امتداد مساحات المحبة والضوء وثقافة الأطفال والفن الأخاذ .

تغمدكَ الله بوافر رحمته وغفرانه.. وداعاً أيها السومريُ الكبير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى