ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المبدعين والعباقرة (3)
محمد زحايكة | القدس العربية المحتلة
محمود شقير .. توليفة إبداعية كاملة
تعرفت مبكرا على عوالم الكاتب والقاص محمود شقير .. بحكم كونه من بلدة جبل المكبر جنوب القدس وابن بلد كما يقال ..! وهو عبارة عن توليفة إبداعية شاملة طرق مختلف جوانب الأدب والإبداع والسياسة والشؤون الحزبية من مقالة صحفية إلى قصة قصيرة وقصيرة جدا وكتابة مسرحية وحوار تلفزيوني وكتابة مسلسلات تلفزيونية وصولا إلى فن الرواية وكتابة السيرة الذاتية والتي أجاد وأبدع فيها أيما إجادة على مدار أكثر من 60 عاما وشملت 60 إبداعا في مختلف مجالات الفنون والنصوص الأدبية وما زال حتى الآن يشحذ قلمه ويمتعنا بالجديد.
تلقيت بفرح ودهشة نتاجاته الأدبية الأولى مثل خبز الآخرين والولد الفلسطيني التي ما زالت تسحرني حتى اليوم وهو يصور بريشته الأدبية واقعا نعيشه ونحسه بعبارات رشيقة وسرد سلس يثير الإعجاب.
ومن يومها تابعت كتاباته وتجلياته العالية بشغف منقطع النظير إلى حد الزعم بأنني قرأت معظم نتاجاته التي تركت أثرا في نفسي وفي وجداني. والمدهش في عالم شقير هو قدرته على التجدد مع الاحتفاظ بأصالة الإبداع وعدم الانحدار إلى التكرار والأمور التافهة الفارغة المضمون.
وهو يتصف بالقدرة على تصوير الواقع بحذق واقتدار دون مبالغة أو تقزيم. وأذكر أنه وصف لحظات اعتقاله وسجنه وتعذيبه بدقة متناهية قبل إبعاده خارج الوطن بداية السبعينيات من القرن الماضي ودون تهويل بعكس ما كان يروي لنا أحد الأقارب من المتعاطفين مع الشيوعيين أيامها، فيزعم أنه شاهد شقير ينزف دما من رأسه وفمه لدى اعتقاله وجره بوحشية إلى الجيب العسكري الإسرائيلي وإنه تعرض إلى صنوف من التعذيب الوحشي.
هذه الصور المبالغ فيها لم تجعل كاتبنا ينساق إلى تبنيها وإنما نقل حقيقة ما تعرض له من تعذيب وهو ليس قليل لإدراكه لأهمية الكلمة الصادقة في إحداث التغيير. رغم معرفتنا أن الاحتلال مارس وما زال يمارس صنوفا من التعذيب يشيب لهولها الولدان. وسقت هذه الحكاية للتدليل على مصداقية الكاتب المبدع الذي لا يشطح ولا ينجر وراء ادعاء بطولات سوبرمانية خارقة كما يلجأ البعض قاصدين استدرار عطف الآخرين.
تعلمت من عالم محمود شقير أن بريق الأدب أجمل من بريق الذهب وأن اختيار وتبني مشروع الكتابة الإبداعي أهم من بريق الوزارة حتى لو كانت ثقافية.. وتعلمت منه التواضع والخجل واللطف في المعاملة.. الخجل الثوري على رأي لينين.. وهو أن الثوري كتلة من مشاعر الخجل.. أو شيء من هذا القبيل. تعلمت منه وتأثرت بأسلوبه الكتابي الإبداعي المثير.. وما زلت أترقب بشغف كل إصدار له لأنكب عليه ولا أرفع رأسي حتى آتي عليه من الغلاف إلى الغلاف. طول العمر والإبداع لكاتبنا الأشهر محمود شقير.