حول الإسكندر المقدوني وذي القرنين

الدكتور خضر محجز | فلسطين

 

لم أعرف، في التاريخ المكتوب، ملكاً بلغ هذا المقدار من التوسع والغنى، واكتشاف العالم والقوة والعدالة، إلا الإسكندر المقدوني. ولم أعرف في القرآن ملكاً بلغ مثل ذلك إلا ذا القرنين.

وهذه أوجه التشابه بين الشخصيتين:

كان ذو القرنين عادلاً، وكان الإسكندر كذلك.

كان ذو القرنين فاتحاً جاب مشرق الأرض ومغربها، وكان الإسكندر كذلك.

كان ذو القرنين قد وصل في رحلاته إلى مطلع الشمس، وكان الإسكندر قد اكتشف المحيط جنوب الهند في أقصى الشرق.

كان ذو القرنين قد وجد عند أقصى الشرق قوما متخلفين عراة من الهمج، وكان الإسكندر قد وصل هنالك كما قلنا واكتشف المحيط الهندي.

بنى ذو القرنين سدا يفصل بين القوم الهمج المتخلفين، وقوم لا يمكن عدهم لكثرتهم. وقد وصل الإسكندر هنالك بين الهند والصين. ومع أن رواة التاريخ المدون لم يصل علمهم إلى بناء الإسكندر سداً معروفاً ثمة، إلا أن المعروف قطعاً كثرة المستعمرات والمدن والمنشآت والمشاريع والإصلاحات التي أقامها الإسكندر في كل بلد فتحه. فلم لا يكون قد بنى ثمة سداً، لم يصل علمه إلى رحالة الجغرافيا القديمة؟

وصل ذو القرنين إلى أقصى مغرب العالم القديم، ومن الممكن أن يكون نقطة التقاء الأطلسي بالبحر المتوسط، حيث سيقف فرس عقبة في المستقبل. ذلك المكان الذي اتفق أن وصفه القرآن بأنه ماء مختلط بالطين (عين حمئة). ويبدو فعلا أن تلك السواحل كانت مملوءة طيناً وأعشاباً بحرية، في ذلك الزمن، كما يقول المؤرخ القديم سيلاكس (مونتسكيو. روح الشرائع. ج2. ص59).

والنتيجة أننا لا نستطيع أن نجزم بإجابة جازمة للسؤال، إن كان ذو القرنين القرآني هو الإسكندر، أم لا، رغم ما يقوله المرحوم سيد قطب، إذ يؤكد أن:

“التاريخ المدون يعرف ملكا اسمه الإسكندر ذو القرنين. ومن المقطوع به أنه ليس ذا القرنين المذكور في القرآن. فالإسكندر الإغريقي كان وثنيا. وهذا الذي يتحدث عنه القرآن مؤمن باللّه موحد معتقد بالبعث والآخرة” (الظلال. دار الشروق. مجلد6. ص2289).

فها نحن نرى صاحب الظلال ــ على غير عادته هذ المرة ــ يجزم في أمر لا يمكن الجزم فيه. فليت شعري كيف أمكن للمرحوم أن ينفي كون ذي القرنين والإسكندر شخصاً واحداً؟ ومن أين جاء له العلم بكون الإسكندر غير موحد؟ لعمري لقد تعجل صاحب الظلال استعجالا يليق بالعلماء تجنبه! أفكان هذا الجزم نابعا من قول كتاب التاريخ عن الإسكندر أنه كان مزواجاً أو متسرياً بكثرة؟ فلقد قال كتاب التاريخ أعظم من ذلك عن نبي عظيم هو سليمان!. فلم يستطيع سيد قطب أن يكذب ما يقوله كتاب التاريخ، بهذا الخصوص، عن سليمان، ثم لا لا يستطيع قول شيء مماثل بحق الإسكندر، خصوصاً وقد بان لنا عدله وسعة إنسانيته، مع أن ذلك لو حدث لكان من الممكن تبريره دينياً؟.

إن ما قرأناه من سيرة الإسكندر ليس كله بالضرورة صحيحاً. فإذا كنا قد قبلنا ما ينقله كتاب التاريخ الأوروبي من أنه أكبر فاتح، وأعظم عادل في العالم القديم، فهل نحن ملزمون بتصديق أنه كان وثنياً؟

إن أمامنا عقبة كؤوداً، لا يمكن اجتيازها، لكي نوافق على أن الإسكندر شخص آخر غير ذي القرنين، بقوة العقبة التي تحجبنا عن الجزم بذلك.

أيها الناس، إن لله علوما لم تبلغها مدارككم، فلا تستسهلوا الجزم. فالعلم هو مجرد غلبة الظن، لا الحقيقة الكاملة.

والله أعلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى