هل تطعَّمت؟
سهيل كيوان | فلسطين
هل تطعّمت؟ ألم تشعر بأعراضٍ جانبية بعد التَّطعيم؟ لا أبدًا، بل هي أعراضٌ خفيفةٌ، تشبه تلك التي كانت تظهر في الطفولة بعد التطعيم ضد الحصبة والتيفوئيد والسِّل، وغيرها، هل تذكرونها؟ وأنت لماذا لم تتطعّم بعد؟
-أنا متردّد!
-لا تصدِّق نظريات المؤامرة، ولا الإشاعات، لوكان في التطعيم أي شكٍّ لما تطعم ملايين الأمريكيين والإسرائيليين والأوروبيين وغيرهم حول العالم، القضية ليست فوضى، منظَّمة الصحة العالمية هي التي تصادق على فعالية هذه الأمصال، وتتأكد من عدم وجود أعراض جانبية خطيرة، إلا بنسبة ضئيلة وفي حالات نادرة جداً، تُجرى اختبارات على عشرات الآلاف من البشر قبل تسويقها بشكل واسع، ثم هل أنت أفضل من ملايين المتطعّمين؟ إذا ماتوا فمُتْ أنت معهم، أين المشكلة؟ يجب أن تتطعَّم، فالأجيال الجديدة من الفيروس قد تكون أخطر، فهذا الملعون يطوّر نفسه ومناعته تلقائياً، وقد صار منه عدَّة نسخات، بريطاني، برازيلي، جنوب أفريقي، وقد يصل التُركي والهندي وغيرهم والله أعلم ماذا!
-هل حصلت على جواز أخضر يعفيك من العزل الصحي عند دخول دولة أخرى؟
-لم تعترف أي دولة من دول العالم بالجواز الإسرائيلي الأخضر سوى جورجيا، يبدو أن الرَّشوة وصلت القيادة الجورجية، نتنياهو يوزع أمصالاً مقابل مواقف سياسية، حتى اليونان وقبرص، اللذان كانا قد أعلنا أنهما سيعترفان بالجواز الأخضر الإسرائيلي، تراجعا، وذلك لأن الاتحاد الأوروبي رفض ذلك، وألمانيا أوَّل المعارضين، كي تشجّع السيّاحة الداخلية بين دول الاتحاد لتعويض شيء من خسائر الجائحة، إضافة إلى أن مصداقية الجواز الإسرائيلي الأخضر مشكوكٌ فيها، هنالك طريقة صارت معروفة للحصول عليه مقابل مبلغ بسيط من المال، وقد اعتقل مسؤولون منحوا جوازات خضراء مقابل رشوة مالية، وبالمناسبة فقد تراجع تصنيف إسرائيل في سلم الفساد والشفافية، كانت في يوم ما أقل فساداً، في السنوات الأخيرة تراجعت كثيراً، بسبب حملة الفساد التي يقودها رئيس الحكومة شخصياً.
أصحاب المحلات التّجارية، وأصحاب المطاعم والمقاهي يرحِّبون بالزبائن، ويقولون لسنا شُرطة، كي نسأل كل زبون عن بطاقة خضراء، نحن نريد عملاً، كي ننقذ ما يمكن إنقاذه من المصلحة، لقد أفلست كثير من المطاعم والمقاهي والمصالح رغم الدّعم الحكومي، ويبدو أن من لم يكن يُسجِّل دخله بأمانة في العام 2019 للتهرَّب من دفع الضرائب دفع الثمن في عام 2020، لأن الحكومة تدعم حسب الدخل الذي كان يقدّم إلى مصلحة الضرائب، وهكذا من غشَّ الحكومة قبل الجائحة خسر دعمها، هذا الدعم وصل إلى حوالي ثمانية وأربعين مليار دولار حتى أواخر العام المنصرم، ولكن لا خوف على الاقتصاد الإسرائيلي.
في إحدى سنوات الخمسينيات أمحَلت، فأخبروا دافيد بن غوريون رئيس الحكومة في حينه وهم قلقون بأنه عام محل، فضحك وقال: هل يوجد محلٌ في أمريكا؟
فقالوا لا، فرد عليهم: لا مكان لأي قلق ما دامت أمريكا بخير. طبعاً لدى أمريكا مشاكلها، ولكن الأب لا يتخلى عن ابنه.
قبل أيام، كانت بلدتنا مصنّفة كبلدة صفراء، وأوشكنا أن ندخل اللون الأخضر، المنطقة الآمنة، ولكنَّ موجة جديدة من المصابين أعادتنا إلى الأحمر، هذه الزيادة المفاجئة تحدث عادة بعد وفاة شخص، حيث يتجمَّع الناس في بيوت العزاء بدون حذر، يضعون الكِمامات على ذقونهم، يا جماعة، الإنسان لا يتنفس من ذقنه، الكِمامة للحماية من الفيروس وليست خوفاً من مخالفة الشُّرطة، الإحصاءات التي نشرتها صحف إسرائيلية كشفت أن تسجيل الغرامات في البلدات العربية أكثر بكثير من البلدات اليهودية.
أعترف أن كثيرين منا غير منضبطين، أحد الأسباب هو أننا لا نخدم في الجيش، الخدمة العسكرية تعلّم الشّباب الانضباط مدى الحياة، نحن كعرب نرفضها أصلاً في جيش الاحتلال، ولهذا ينشأ أبناؤنا غير منضبطين، إضافة إلى الاكتظاظ السُّكاني في البلدات العربية، ولهذا نرى أن أوّل خمسة وعشرين بلدة حمراء في داخل الخط الأخضر هي بلدات عربية باستثناء أربع من بلدات الحريديم اليهود.
خالي ابن التسعين عاماً، استقر في غزة منذ أواخر الخسمينيات من القرن الماضي، بعد تنقلات بين مخيمات جنين والوحدات وبرج الشمالي وعين الحلوة، استقر في مخيم الشاطئ، ثم في غزة البلد، اتّصلت لأطمئن عليه.
فقال: بارك لي يا خال..
-مبروك يا خال، على شو؟
-بالأمس استعملت العكّاز لأول مرّة!
-آه مبروك مبروك، ظننت أنك تطعَّمت…
-لا، نحن ننتظر حتى يصلنا الدّور، لقد بدأوا في تطعيم الطواقم الطبية، ونحن نؤمن بأن ما كتبه الله لنا فهو ما سيحدث، كلنا سنموت، ولكن لكل موت سبب وتوقيت، لا يقدّمون ساعة ولا يستأخرون، سنموت بكورونا أو بغيرها.
-اعقل وتوكّل يا خال، ضع كِمامة عند الخروج من البيت.
-نعم، أنا أضعها حتى داخل البيت إذا دخل الأولاد أو الأحفاد.
نتحدث عن البلدة والتغييرات والناس والسِّياسة، وبين حين وآخر تتكرَّر مني ومنه كلمات، الله يرحمه الله يرحمه.
ها قد أقاموا محطات تطعيم لـ 120 ألفاً من العمال الفلسطينيين الذين يدخلون للعمل داخل الخط الأخضر وفي المستوطنات، وهؤلاء يدخلون بترخيص عمل وحجز مسبق، أما المساكين الذين يدخلون خلسة وتسلّلاً، فقد قُتل كثيرون منهم برصاص حرس الحدود وجيش الاحتلال وهم يحاولون التسلّل من فتحات يحفرونها في الجدار العنصري وتحته للوصول إلى مكان يبيعون فيه قوَّة عملهم.
ابنة خالتي التي ولدت في أحد مخيمات جنوب لبنان، ثم انتقلت للعيش في صور، ترسل لي في كل صباح أدعية بالرِّزق الحلال والتوفيق، تتابع ما أنشر، وأحياناً تعقّب على منشوراتي بدعاء لي بالتوفيق، معظم ما تنشره نقلٌ عن السّلف الصالح.
زارت فلسطين في معيّة خالتي منذ عقود، كانت طفلة، الآن صارت تحكي لي عن أحفادها.
تحدثنا صوتياً عن الشؤون العامة وعن الفيروس، هل تطعمت؟
-لا، يا بن خالتي، حتى الآن لم نتطعَّم، نحن والسوريون غرباء وننتظر، الأمر لا يسير بسهولة، هناك بعض التعقيدات بالنسبة للاجئين، الأونروا تتحمل مسؤولية تطعيم اللاجئين، وقد توصلوا لاتفاق مع الحكومة اللبنانية، وها نحن ننتظر.
ولكن ما مصير غير المسجلين في الأونروا؟ وما مصير ملايين النازحين السوريين في لبنان والعراق والأردن وتركيا وغيرها…