أزمة التناقض في مفاهيم النظام الفلسطيني الرسمي
يونس العموري | فلسطين
بدون مقدمات ودون تجميل الكلام أو اللجوء إى التحليل والترميز وبالشكل المباشر على كل القوى الوطنية، وعلى جموع جماهير الشعب بمختلف اتجاهاتها أن تعيد تقدير الموقف حيث إنه وفي ظل معطيات المرحلة وحقائقها الراهنة اتضح وبشكل جلي أن المسألة الفلسطينية في مهب الريح وتراجعت إلى الوراء على مختلف الأجندات الإقليمية والدولية وصارت تراثا بروتكوليا قد تحتل المكان المتأخر بجداول الأعمال والديباجة قد أضحت معلومة ومعروفة لصيغة ما يسمى بالقرار المُتخذ هنا أو هناك.
والتحديات تفرض نفسها على الكل، وتأتي الانتخابات هذه المرة في ظل شعارات استعراضية كبيرة حيث شعار إسقاط النظام أو على الأقل تغيره ولا يمكنني استيعاب أن تغيير النظام يأتي من أرباب النظام ذاته ولا يمكن تفهم أن إسقاط النظام الأوسلوي ممكن من خلال منصة الانتخابات القائمة على أساس أوسلو.
وما بين تجديد النظام واسقاطه تكمن حكايا السجلات وهرطقة الجدال وفعل اللا فعل.. فمتى يعود النظام السياسي الفلسطيني الى تقاليده واساسياته الفعلية؟ ومتى تعود القوى والفصائل الفلسطينية إلى رشدها.. بعيداً عن الشطط السياسي والإعلامي؟ ولماذا كل هذا التشنج في انجاز التوافق والاتفاق الوطني؟ وهل هذا ما تمليه المصلحة الوطنية العامة على امراء وسادة الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية اليوم؟ ام اننا امام مرحلة إعادة تدوير الازمة الانقسامية من خلال التوافق على انتاج المحاصصة السياسية وبالتالي التوافق على انتاج مشاركة بالنظام وفقا لتفاهمات قواتية معينة ليس لها علاقة بتغير جذري بمنظومة النظام السياسي الرسمي الحاكم بالاراضي الفلسطينية المحتلة ..؟؟ ولماذا لا يقول الشعب كل الشعب كلمته ( ولا اقصد هنا كلمة الشعب من خلال ما يسمى بالانتخابات العامة )؟ بهدف ايقاف مهزلة الاختلاف والتناحر وبالتالي التقاتل…؟؟ والمقصود هنا الاختلاف والتناحر داخل الأطر والفصائل والقوى وما بات يعرف بالانقسامات الداخلية والصراعات في إعادة ترتيب البيت الداخلي لهذا الفصيل او ذاك ، والكل يتغنى بضرورة تغير النظام واسقاطه . وما بات واضح ان الكل بات جزء من هذا النظام …
ومن الواضح أن الطبقة السياسية اصبحت عاجزة على ان تفرض رؤيتها على صناعة القرار الاقليمي الذي من المفروض انه مؤثر بمعادلة القرار المحلي او الوطني حيث ان المتغيرات الاقليمية الحادثة والمتسارعة على الساحة الشرق اوسطية تفرض نفسها وترمي بثقلها على منظومة صناعة القرار الفلسطيني وفي ظل فعل التجويع والتركيع لفرض الاجندات وفرض الازلام الامر الذي بات عنوان الحراك السياسي لمختلف القوى الدولية والاقليمية فيما اصبح التعاطي والانقسام والشرذمة امر فيه وجهة نظر مقبولة ، تتعايش واياها التكتلات الاقليمية الممتددة بالاطروحات الدولية واصطفاف التعسكر والتخندق هنا او هناك …
حيث ان الاسلام السياسي الذي يحاول تثبيت كينونته في المعادلة الاقليمية يدرك ان نقطة الارتكاز الاولى له تتمثل في امارة الانقسام والشرذمة في غزة … وتيار الحركة الوطنية بكافة اشكالها ومشاربها تعيش على هوامش ارتدادية لإدارة الشأن السياسي العام وفقا لمتغيرات لحظية دون امتلاكها للحد الادني من الفعل المبادر في ظل محاولة تحييد الفعل الجماهيري والسيطرة علية ووضعه في اطار السيطرة المنضبطة للإستثمار اللحظي للعملية السياسية المنغلقة الافاق والتي اثبتت فشلها واصبحت مجردة من مضمونها بل وصارت فارغة حتى من امكانية حل الاشكالات اليومية لقضايا من المفترض انها عابرة وروتينية والشكل الذي تتعايش معه فلسطين القضية والشعب هو الشكل الهجين غير المتوافق وحقيقة الواقع .
فمن جانب ثمة الوهم الكبير المتناقض اساسا والحقيقة حيث المسافة كبيرة وشاسعة ما بين دولة فلسطين المحتلة والاراضي الفلسطينية المحتلة وما بين ادارة الشأن العام وفقا لوقائع الاحتلال وما بين محاولة التوهم بالسيادة على اشبار معدودة من فلسطين … المسافة شاسعة وكبيرة ما بين منهجية القيادة في ظل الاحتلال وادارة شؤون الجماهير على هذا الاساس، وما بين ادارة شؤون الشعب على اساس العيش في كنف كينونة السلطة والدولة وبالتالي لابد من الاتفاق على المصطلحات والاصطلاحات فمجلس الوزراء للسلطة الوطنية الذي يحاول التسلل ليتحول الى حكومة الدولة يدرك تمام الادراك انه يقف على ارض رخوة ويعايش السراب بكونه مجلسا للوزراء له مساحاته في اتخاذ القرارات والعمل على تنفيذها … ولابد من فك الاشتباك وتوضح العلاقة الجدلية بين هذا الاطار ( مجلس الوزراء للسلطة ) وما بين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صاحبة الولاية الفعلية والحقيقية على الشعب وهياكله ومؤسساته وبصرف النظر عن تراجع دور المنظمة وترهلها وتعطيل مؤسساتها واطرها.
نحن أيها السادة، لم نعُد أمام نظام متناقض فحسب وانما امام نظام منقلب منفلت العقال على ذاته ومتخربش وغير مفهوم ومعلوم الزوايا، وحتى لا يختلط الحابل بالنابل لابد من اعادة التأكيد على جملة من الحقائق والمفاهيم ولعل هذه المفاهيم والحقائق معلومة ومعروفة الا انه وفي ظل الازمة الراهنة ووقائع الشرذمة والانقسام والوهن في كينونة الحركة الوطنية الفلسطينية. قد تخربشت بعض من تلك المفاهيم والحقائق وان كانت غير متوافقة والاطروحة الواقعية العلمية العملية للمرحلة الفلسطينية عموما حيث لابد من ان تدرك الطبقة السياسية الرسمية والتي تشتغل بالشأن العام وبمختلف المؤسسات الرسمية وخصوصا الحكومية انهم مكلفون كموظفين عند الشعب … واذا كانت وظيفة السلطة الوطنية هي ادارة الشان الفلسطيني الداخلي بصرف النظر عن اتفاقنا او اختلافنا مع هذه السلطة بالتالي فان طواقمها بالاساس هم موظفون مكلفون بادارة الشان العام وهم بالتالي ليسو زعماء او قادة قبائل تنظيمية او صناع سياسات او مناهج و ليسوا حتى قيادات لهم اراء مفصلية … من هنا لابد من اعادة تعريف المسائل حتى لا تختلط الامور …
ان السلطة الفلسطينية المفروض انها اداة لتنفيذ سياسات القيادة الفلسطينية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية لكن ان تتحول السلطة الى قيادة بديلة تصنع السياسات فهذا ما يمكن ان نسميه وضع العربة امام الحصان لتصبح العربة هي التي تقود الحصان الامر الذي يستحيل معه ان يسير الحصان خطوة واحدة للامام بل التوقف والثبات التام عن التقدم وهذا ما يحدث بالظرف الراهن بالحالة الفلسطينية … حيث انه من المفروض انه تكون صناعة السياسات والتقرير بها من صلاحيات القيادة الفلسطينية باطار ما يسمى باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لا ان تستجدي اللجنة التنفيذية مخصصاتها من وزارة مالية السلطة وهو الامر الحادث بالظرف الراهن، وهو الواقع المعاش في أروقة وزارة المالية تشهد على هذه الحيثيات وبات موظفا صغيرا او من يتحكم بآليات الصرف والتقرير بشأنها بل وباولويات المسار المالي.
ان الواقع الفلسطيني لا شك انه معقد لدرجة ان الابيض اضحى مختلف على نصاعة بياضه والاسود قد يتحول الى رمادي اللون وبالتالي اختلطت الحقائق كلها ببعضها وهنا لا يمكننا تحميل المسؤولية فقط لوقائع الاحتلال فهذا من البديهيات لكن ان يتحول المواطن الفلسطيني الى مستجدٍ للقمة العيش وان يتحول فعله النضالي والاحتجاجي الى فعل مطلبي فهو بلا شك ما اشتغلت عليه سلطات الاحتلال لسنوات طويلة حتى تخلق مثل هكذا مواجهات وبالمقابل يتضح ومن خلال هذه الازمة الفشل الذريع لسياسات السلطة سواء أكانت تلك المالية او المنهجية بادارة وقائع الواقع الفلسطيني واعتقد ان ثمة خلل خطير وقعت به القيادة الفلسطينية بالعموم وهو تعريفها للمرحلة حيث هناك فرق شاسع ما بين مرحلة التحرر الوطني وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي السياسية والنضالية والياتها ووسائلها واساليبها وتلك المسماة بالمرحلة الانتقالية لبناء الدولة … والوهم الذي عاشته جماهير الاراضي الفلسطينية المحتلة جراء سياسات غير واقعية والقاضية بانها بظرف بناء الدولة وان الدولة قد باتت على مرمى حجر وبناء عليه عايشت المرحلة وبدأت هي الاخرى بالاستعداد لمرحلة الدولة ومارست حياة ابناء الدولة الذين يعيشون في كنف الاستقلال وتقرير المصير فكانت بالتالي الاليات العصرية للعيش وفقا لمقترحات البنوك والاستدانة وحسابات الجاري والمدين والدائن والتسابق للتعينات وان كان ثمة من فعل للتصدي لسياسات الاحتلال فمسيرة شموع على دوار المنارة قد تفي بالغرض …
الحديث عن الربيع والخريف وما بينهما في المعادلة الفلسطينية يدغدغ المشاعر لمن يحاول التأثير بمعادلة الواقع الفلسطيني ومنظمات ال ( إن جي اوز ) تحاول جاهدة اثبات الشفافية والدمقرطة وتعليم الشعب مواءمة الحياة بالطرق العصرية واساليب الاحتجاج العصرية والسلمية سيدة الموقف … ومفردات منظمة التحرير وقوانين المرحلة الراهنة ومواجهة الاحتلال وتداعياتها من مخلفات العهد البائد ….
لابد من التوقف طويلا للتأمل بطبيعة المرحلة فحينما يتحول الجهد الشعبي الفلسطيني نحو وقائع معيشته وضد قادته وضد سلطته وحينما يحاول الجميع وبلا استثناء التنصل من المسؤولية من هذا الواقع المرير فثمة خلل خطير هنا في ادارة الشأن العام على مختلف مستوياته وفشل للطبقة السياسية ككل في تحمل مسؤولياتها ولابد من مراجعة شاملة بجدوى السلطة وبجدوى ما يسمى بالحكومة وبجدوى الفعل السياسي الفلسطيني برمته … بل باعتقادي ان ثمة مراجعة شاملة لابد ان تكون بعناوين المرحلة الراهنة المسماة بمرحلة بناء مؤسسات الدولة … ونقطة الارتكاز هنا لابد من الاتفاق على توصيف طبيعة المرحلة من خلال الاجابة على السؤال المفصلي والمتمثل بطبيعة الواقع الراهن فهل نحن في ظل بناء الدولة ومؤسساتها ..؟؟ والانتقال من واقع السلطة الى حقيقة الدولة ..؟؟ ام نحن في ظل مرحلة التحرر الوطني .. بقوانين وفعل التحرر الوطني ؟