عن الفراغ
عبد الله الحكماني | سلطنة عمان
لو تمعنّا في الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية والتجاوزات الدينية والقانونية لوجدنا سببها الرئيسي هو الفراغ وربما هناك أسباب أخرى لا يمكن تجاهلها كالوازع الديني مثلا ولكن من وجهة نظري أرى الفراغ يأتي في مقدمة جميع الأسباب.
فمثلا نرى الأطفال حينما لا يجدون ما يلعبون به أو يقضون به الوقت يتّجهون إلى ابتكار طرق أخرى لسدّ الفراغ كالتخريب والمشاجرات وغير ذلك من أفعال.
وكذلك من هم في سن المراهقة عندما لا يجدون ما يسدّون به الفراغ تجدهم يبحثوا عمّا يسدّوا به هذا الفراغ فتجدهم تكثر بينهم ظواهر متعددة كالتدخين والأفعال الجنسية والسرقة وكل ما هو خارج عن الشريعة الاسلامية والأعراف الاجتماعية.ولا يتوقف أثر الفراغ عند هاتين الفئتين من الناس بل يتجاوزهما إلى فئات اخرى متقدمة في العمر كالشباب والكهول فاعتقد جميعنا يلاحظ مع الكثير من الناس الذين لا يوجد لديهم أعمالاً يقضون بها فراغاتهم ويجدوَلون بها أيامهم ينحرفون عن الطريق الصحيح إلى طرق أخرى أصغرها القيل والقال والغيبة والنميمة وأكبرها يتجاوز ذلك إلى المخدّرات والجرائم بمختلف أشكالها وألوانها.
أما الحلول فهي كثيرة جدا وسنذكر بعضها أو أهمّها:
أولاً/الوازع الديني: عندما يكن لدى الفرد وازعاً دينيّا سيردعه ذلك عن ممارسة أي عملٍ خارج عن الشريعة الإسلامية وسيقضي وقت فراغه في التعبّد سواء صلاة النوافل او قراءة القرآن الكريم أو التسبيح والدعاء وغير ذلك من أعمال خيّرة ولكن السؤال الأهم كيف للوازع الديني أن يصل إلى هذا الفرد؟واعتقد أن المسؤولية هنا تقع على الفرد نفسه بدرجة أولى لكونه أكرمه الله بالعقل وما عليه إلا أن يقوم بتفعيل هذا العقل ويميّز به الخير من الشر ثم يسير في حياته وفق السياق الإسلامي ويراقب أفعاله وأقواله بنفسه فيصحّح الفعل الخطأ ويحافظ على الفعل الصواب.ولكن بالنسبة للأسرة ومن ثم المجتمع أيضا عليهم مسؤولية كبيرة في غرس الوازع الديني لدى الفرد فالأسرة دورها في تنشئة أطفالها تنشئة إسلامية صحيحة وبأدق التفاصيل وأن يخافوا الله في فلذات أكبادهم ويتّقوه في أماناتهم لكون الأولاد أمانة وضعها الله في يد الأسرة.أما بالنسبة للمجتمع فدوره ينحصر في توفير الجو الملائم لممارسة الشعائر الدينية ونشر الفكر الإسلامي في المجتمع والمحافظة على الأخلاق الإسلامية بتفعيلها أولا ومن ثم الوقوف ضد من يخرج عنها حتى لا يؤثّر سلباً على أفراد المجتمع.
ثانياً: الثقافة: لا يخفى علينا جميعا أن الفرد المثقف يختلف عن الغير مثقف بدرجة كبيرة لذلك يجب علينا كمجتمع أن نهتم بالشأن الثقافي اهتماماً لا يضاهيه الا الاهتمام بالدين علما بأن الدين هو من أمر بالثقافة اذا اعتبرنا أن العلم هو الثقافة فيكفي أول فعل امرٍ جاء في القرآن الكريم قوله تعالى(اقرا..) فهذا الامر بحد ذاته يكفي لتوافق الدين والعلم ويكفي كذلك للسير نحو الثقافة بأسرع خُطى. أما مصادر الثقافة فبلا شك عديدة والطرق إليها كثيرة ولكن تأتي القراءة الحرة على رأس هذه المصادر وأول الطرق إليها ولا بد من الاهتمام بها سواء على مستوى الفرد أو المجتمع فالفرد بإمكانه أن يستغل وقت فراغه في القراءة الحرة وبذلك سيحمي نفسه من الوقوع في الخطايا الناتجة عن الفراغ كما سبق ذكرها وعلى الأسرة كذلك غرس القراءة وحب الاطلاع في الأطفال حمايةً لهم من الفراغ ولن يتم ذلك الا بتوفير مكتبة منزلية وأن تكون أهمية المكتبة في البيوت كأهمية المطبخ لكون المكتبة تغذّي العقل كالمطبخ الذي يغذّي البطن ولكن الفرق أن العقل هو من يتحكّم في تصرّفات الفرد على عكس البطن الذي ينتهي دوره بعد نهاية كل وجبة غذاء.وهناك دور ايضا على المجتمع يتمثل في توفير المكتبات العامة والانشطة الثقافية والمراكز العلمية وغير ذلك مما يؤدي الى التسلّح بالثقافة ضد الفراغ.
بعد كل هذا تخيلوا معي كيف سيكون المجتمع عندما يصبح كل فرد فيه لديه وازعاً دينيّا يمنعه من الوقوع في الخطأ ولديه وعياً ثقافياً في تمييز الخطأ من الصواب وكذلك بهذين الفعلين أو السلاحين سيصبح الفرد مدرّعاً ضد الفراغ فما أن يباغته فراغاً الا وسيستغله في صلاة ركعتين أو قراءة كتاب.