الشاعر والكاتب عبّد الرزاق الربيّعي و مرّتضى عليّ ” وجها لوجه “
الربيعي يقول:
العمل الصحفيّ جعلني قريباً من الأوساط الثقافية والشعراء الكبار
استفدت من تجارب الكبار فتطورت أدواتي واختصرت المحطات
العراق أحمله معي أينما كانت وجهتي حاضرٌ في وجداني ونصوصي وذاكرتي
ما زلت أغترف من معين طفولتي والشغف بالمسرح يملأ وجداني
وجدت في قصيدة النثر رحابةً أوسع في التعبير عن مكنونات الذات
شاعرٌ مبدعٌ، وكاتبٌ ماهرٌ في المسرح، والأدب، والصحافة،وشخصيةٌ معرفيةٌ فاعلةٌ، شق طريقه بقوةٍ في عالم الشعر، والأدب،والصحافة، ولم تزده الغربة إلا تمسكاً بالوطن والناس. إنَّه الشاعر، والكاتب المسكون بالقلق الوجودي عبّد الرزاق الربيّعي. التقيته على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو في مسقط حيث يقيم، فكان هذا الحوار الذي بين أيديكم..
يحيلنا عنوان مجموعتك الجديدة” شياطين طفل الستّين “إلى سؤالك عن الذي تبقّى من طفولتك بعد تجربتك الطويلة في الشعر والمسرح والصحافة؟
ـً معين الطفولة لا ينضب، مازلت أغترف منه، لذا لا أبتعد عنه، فبه زادي، وزوّادتي، وكلّما يتقدّم بي العمر أقترب منه أكثر، فأكثر، منسجماً مع قانون دورة الحياة، التي تبدأ بالطفولة، والشباب، والشيخوخة التي تمسك بتلابيب الخطوة الأولى :الطفولة، وفي كل مرحلة يصبح الطفل الذي داخلنا أكثر نضجاً، وأكثر قدرة على العطاء، لأنَّنا نستعيد الدهشة الأولى التي ننظر من خلالها للعالم.
لم تغب مفردة الموت عن مجاميعك الشعرية فمتى تكف عن مطاردته؟
ــ الموت مرادف للحياة، ولولاه لما كانت، وهو” شرط الخلود الأول” كما يرى البولوني جرزي ليك ويُعرّف الكائن الحيّ بأنه” الصائت المائت”، وفي كتابه يخاطب الخالق الإنسان “إِنَّكَ مَائِتٌ وَإِنَّهُمْ مَائِتُونَ “، إذن الموت هو الوجه الثاني للحياة، مثل ورقة الشجرة لا يمكن فصل وجه عن الآخر، يقول المثل التركي” يا أيّها الإنسان لا تنس الموت فإنَّه لن ينساك”، فشعورنا بأن هذا” الزائر الأخير ” هو نهاية الحياة الحتمية يجعلنا أكثر حيوية ونشاطاً، لإنجاز ما ينبغي علينا إنجازه، ومن هنا، فنحن نتحدّث عن الموت، نتحدّث عنه كوجهٍ آخر لحياةٍ مليئة بالأزمات، والصراعات، مثلما كأسها مترعة بالجمال، والعذوبة، وكلّ شاعر ينظر للعالم بعينه، ويراه من زاويته، وربما أكون من الذين حين فتحوا عيونهم على واقع حيطانه فيها لافتات الحداد تحتلّ مساحة أكبر بكثير من مساحة لافتات الفرح، فوقع نظرهم على الوجه الثاني من شجرة الحياة، فانعكست على نصوصي، كونها مرآة عاكسة لما يختزن في اللاشعور، وما ينتج عن الوعي!
جربت أنواعاً من الكتابة الشعرية فأيُّ نوعٍ تجد نفسك فيه من حيث الشكل، والمضمون؟
ــ بشكلٍ عامٍ ، أنحاز للشعر الجيد، بغضّ النظر عن الأشكال، على نهج ابن قتيبة في(طبقات الشعراء) عندما جعل الجودة معياراً، في مفاضلته بين الشعراء، وحين أكتب أحتكم للسجية، فأترك للقصيدة اختيار الهيئة التي تكون عليها بشكل أفضل، وربما وجدت في قصيدة النثر رحابةً أوسع في التعبير عن مكنونات الذات، لذا فما كتبته ضمن هذا النمط من الكتابة الشعرية أكثر مما كتبته وفق قصيدة التفعيلة، أما الشعر العمودي، فقد كتبت كثيراً ، لكنَّني لم أنشر الّا القليل جداً.
هل تتوقع عودة للمسرح الشعري بعد انحساره قبل نصف قرن؟
ــ لا أظن، فالمسرح الشعري صار من كلاسيكيات المسرح، الذي اختلفت اتجاهاته، تطورت تقنياته، ولم يعد النص ركيزةً أساسيةً في العرض، بل هو عنصرٌ من عناصره، صار يعتمد على المشهد البصري أكثر، ويمكن أن يحضر الشعر في العروض المسرحية من خلال السينوغرافيا، والمؤثرات السمعية والبصرية، والتلوين في الأداء.
هل تظن أنَّ الجوائز الادبية تحفز المبدع على انتاج اعمال مهمة؟
ــ الجوائز الأدبية تقدير المحيط للكاتب، وبالتأكيد لها دورٌ في خلق الحافز والدافع، وتعزيز الثقة بالنفس، ولفت أنظار وسائل الإعلام، لكنَّها ليست كل شيء، ففي أوساطنا الثقافية المحكومة بالشللية، والمحسوبيات، والعلاقات الشخصية مع لجان التحكيم، قد تخطىء تلك الجوائز الكثير من الموهوبين وتذهب لمن لا يستحق !
ما زال وطنك الأول حاضراً في أعمالك برغم هجرتك منذ سبعٍ وعشرين سنة، فكيف أدمت هذه العلاقة؟
ــ الأوطان ليست أماكن، بل خرائط مرسومة في الروح والوجدان، لقد شاهدنا وجه الوطن كاملاً عندما غادرنا، فكنا كرائد الفضاء الذي لم يشاهد القمر الا عندما وصل الأرض، يقول أدونيس : (ليس الوطنُ وطناً ما دمتُ فيه، يجب أن يرحلَ أحدنا) من هنا، فالعراق ظل حاضراً في وجداني، ونصوصي، وذاكرتي، بل مغادرتي اياه جعلته أكثر حضوراً ، وأعمق.
هل تعتقد ان العمل الصحفي افادك شعريا أم أكل من جرف قصائدك؟
ــ طبعا أكل الكثير، فالصحافة من الأعمال الشاقة التي تلتهم الوقت، دون أن يشعر المنخرط بذلك، خصوصاً إذا كان عاشقاً للصحافة مثلي، وإذا كان تشيخوف يقول : (المسرح هو تلك الهوة السحيقة التي تبتلع أعمارنا دون أن نعلم، فنصحو ونحن على مشارف الستين) ، فانا أضع كلمة (الصحافة) بدلاً من ( المسرح) في تلك العبارة الساخرة، والساحرة، لكن العمل الصحفي، بالوقت نفسه، وهو أقرب المهن للشاعر والأديب كما هو الحال مع التدريس، جعلني قريباً من الأوساط الثقافية، والشعراء الكبار الذين استفدت من تجاربهم لتطوير أدواتي واختصار الكثير من المحطات.
كتبتَ للأطفال قصائد وأناشيد في مرحلة مبكرة من حياتك فلماذا غابت هذه الهمة الآن؟
ــ لم تغب، وإنْ غابت لسنواتٍ فبسبب عدم وجود اهتمام بأدب الطفل من قبل المؤسسات، ولا من الأوساط الثقافية، وفي السنوات الأخيرة حولتها للمسرح الموجّه للطفل، ولي مسرحيةٌ استعراضيةٌ هي (حلاق الأشجار) للمخرج ابراهيم لاري، قدمتها فرقة الوطن القطرية على خشبة المسرح الوطني بالدوحة، ونالت عدة جوائز في الموسم المسرحي القطري لعام٢٠١٩ من بينها جائزة أفضل كلمات أغان، ومسرحيتي( بنت الصياد) شاركت في مهرجاناتٍ دوليةٍ كثيرةٍ، ونلت عنها جائزة أفضل نصٍ في مهرجان الطفل الدولي في الناظور المغربية.
تجربتك المسرحية مهمة فما الذي جعلك تعطي العمل المسرحي أهمية كبيرة؟
ــ لأنَّ المسرح واجهةٌ جماهيريةٌ حضاريةٌ، تحمل رسائل جمالية، وتوعوية، وتربوية، وهنا أقصد بالمسرح الذي (يفحص الظواهر، ويقدّم رؤىً معرفيةً، وجماليةً يتصدى للتيه المعرفي بمساءلات نقدية جادة) كما يقول المخرج كاظم النصّار، وليس المسرح الذي يخلو من الفائدة العقلية، والمتعة،وقد شغفت به منذ الطفولة، وكان اهتمامي به موازياً لاهتمامي بالشعر ، وعلاقة الأخير بالمسرح مشيمية وقديمة، كون المسرح تربّى في أحضان الشعر، يقول لوركا: (المسرح هو الشعر الذي ينهض من الكتاب ويتحول إلى بشر) ، وظل هذا الشغف بالمسرح يملأ وجداني، وكبر معي، وواصلت معه الطريق.
قابلتَ شخصياتٍ أدبيةً، وفكريةً، وفنيةً فأيهم كان الأقرب إليك في الحوار وتعلمت منه؟
ــ كثيرةٌ هي الشخصيات التي قابلتها، ولا يمكن حصرها، لكن لقائي ببطل العالم للملاكمة محمد علي كلاي يعد من اللقاءات الفريدة، وقد نشرته في جريدة ” الجمهورية ” ١٩٩٢، كذلك لقائي بالكاتب الالماني الحائز على جائزة نوبل غونترغراس في اليمن خلال مؤتمر الرواية العربي الألماني الذي عقد في صنعاء، وأجريت معه حواراً خلال زيارتنا لجزيرة سقطرى قام بالترجمة د.علي الشلاه، ولكن للأسف فقدت الحوار في طريق العودة لصنعاء.
هامش:
نشر الحوار من قبل في جريدة (الصحافة) كلية الإعلام، جامعة بغداد العدد٧٠