كيف نفهم التغيير الاجتماعي
سعيد مضيه | مفكر وكاتب فلسطيني
غاب اليسار والناصريون في سبعينات القرن الماضي واختفى نفوذهم الشعبي وفقدت الأفكار الاشتراكية جاذبيتها، واندفعت الجماهير الشعبية تبحث عن منافذ بديلة تحقق تطلعاتها أو حتى لإيجاد اطمئنان يبررالقبول بما هم عليه، ووجدت ملاذها عند التيار السلفي، يبرر الفقر قدرا لا فكاك منه، والخضوع لنظام الأبوية المتسلط اتباعٌ لخطى الأجداد.
أُشرِعت أبواب أيديولوجيات جاهزة سلفا ومتربصة بالجماهير ، أدخلتها بيت طا عة . في حالات الركود استكانت الجماهير لأوهام وضعتها في محجر مفتوح على الإذعان للمتسلط، بعيدا عما يدور من وقائع ومن صراعات وآفاق واعدة.
في المرحلة الأولى للخروج من المتاهة تستعيد الجماهير وعيها وصحتها النفسية، إذ تتخلص من ترسبات الهدر والانسحاق، أو مما وصفه هشام شرابي”عوامل التخلف العقلي والقحط العاطفي والشلل الفكري التي احدثها الإرهاب الاستعماري وحكم الأنظمة الأبوية “. مهمة ثقافية تتطلب مثقفين بمقدورهم التأثير في النفسية الاجتماعية وترقيتها.
لا بد من إنجاز المهمة كي تبدا الجماهير تتلمس الطريق نحوالسيطرة على حياتها والارتقاء نحوالمشاركة في الحياة السياسية.
ثمة حاجة لتهيئة مناخ حقيقى من الوعي لدى المقهورين المزمنين المسكونين بأشواق عارمة صوب العدل الاجتماعى وانتصار كرامة البشر وعشق الحرية. مشروع اليسار يستهل بمجهود دؤوب يبذل، وعمل مثابر لخلق حالة نقاهة من هدر الأنظمة الأبوية وثقافتها الرأسية القائمة على الإملاء والمدعومة بثقافة التفسخ والإفساد المنتجة في مطابخ الليبرالية الجديدة.
هناك قيم موروثة ونظم تربية تستند إلى الثقافة السائدة وتعيد إنتاجها. خاصة المؤثرات الاقتصادية والثقافية لليبرالية الجديدة وهيمنة انماطها الاقتصادية وسياساتها وثقافتها العدمية اللاإنسانية في ظروف الثورة التقانية -المعلوماتية، تنتج مطابخها الثقافية وتضخ قنواتها ثقافة التحلل الاجتماعي والأسري والخلقي الى جانب ثقافة العدوان والكراهية العنصرية والقسوة . فقد فتحت سياسات الخصخصة واقتصاد السوق الأبواب على مصاريعها لتغلغل الاحتكارات الامبريالية، خاصة الأميركية في اقتصادات مختلف البلدان وعملت على استتباع اقتصادات البلدان المتخلفة في بنيتها الراسمالية، وتفكيك وتخريب مؤسساتها وقطاعاتها الإنتاجية، ومن ثم تقويض دعائم استقلالها الوطني وتعطيل التطور المستقل ومشاريع التنمية.
باختصار أعيدت البلدان التي قبلت نهج الليبرالية الجديدة الى حظيرة التبعية المباشرة ؛ بينما أنجزت البلدان التي تمردت على النهج الليبرالي الجديد نجاحات ملموسة في تطوير الإنتاح العلمي، وإدخاله في الاقتصاد والثقافة والإدارة، وحافظت على سيادتها وتطورها المستقل وحققت مناسيب رفيعة في تطوير رفاهية الشعب.
تعمق المفكر الفلسطيني الراحل الدكتور هشام شرابي في دراسة النظام الأبوي وارتباطاته الدولية؛ فخلص إلى أن القيم التي تسود العائلة من سلطة وتسلسل وتبعية وقمع، تكيف المجتمع بأسره لعلاقات اجتماعية سداها القهر والهدر.. “جميع المؤسسات التي تقوم بدور الوسيط، بما في ذلك المؤسسات التربوية والدينية، تقوم هي ايضاً بتعزيز القيم والمواقف التي بواسطتها تدرج العائلة أعضاءها في الحياة الاجتماعية”.
ونتيجة لما تقدم “فنظام التربية متصلباً كان ام متساهلاً، لا يكتفي بتعليم الطفل أنه عاجز عن فعل اي شيء بنفسه، بل يعلمه ايضاً ان لا ضرورة لتحقيق الاحترام الذاتي”. وشرط اكتساب الفرد الاهمية الاجتماعية رهن بتقبل شروط الجماعة المحافظة على التخلف، يحذر شرابي .
تخليص الجماهير من سطوة التسلط الرجعي وترسباته في الوعي الجمعي مهمة تتطلب صلابة الإرادة وقوة التصميم والمثابرة. إن إشراك الجماهير بشكل واع وهادف وجماعي في الحياة السياسية تتم بجهود اليسار الحثيثة. تتمثل المهمة الأساس للحزب الماركسي ، قائد عملية التغييرالاجتماعي، في نقل الوعي السياسي والفكري الى الجماهير، من خلال الممارسة العملية. تنشئ الهيئات الشعبية وتعلم فنون الإدارة من خلال إدارة تلك الهيئات بديمقراطية. تستلهم المنجزات الثقافية والفنية على وجه الخصوص، وتخوض النضال ضد سلطوية النظام الأبوي.
وفي الحالة الفلسطينية تمارس النضال الشعبي ضد الاحتلال، وتصطدم معه دفاعا عن حق المواطنة على أرض الوطن، ودفاعا عن الأرض بالسعي لوقف الاستيطان وتفكيك المستوطنات المقامة على الضفة الغربية. في حالة الاصطدام مع المحتلين يتصاعد التضامن الأممي ويشدد الضغوط على إسرائيل وكل من يساندها. تخليص الجماهير من سطوة التسلط الرجعي مهمة تتطلب صلابة الإرادة وقوة التصميم والمثابرة. إن إشراك الجماهير بشكل واع وهادف وجماعي في الحياة السياسية تتم بجهود اليسار الحثيثة.
ان استنهاض مقاومة شعبية متصاعدة ليست امرأ عفويا ولا ينجز غب الطلب. لا تهرع الجماهير فورا لنداء القيادات الوطنية ، يجب أولا معرفة الواقع الذي تكابده الجماهير. على القيادة أو القيادات الوطنية أن تعي أن القسم الأعظم من الجماهير الشعبية مصدوم من اليسار، ومن يراد استنهاضها للنشاط المقاوم يربكها تعدد الطروحات وتباينها.
شحن الكوادر الحزبية ومجموع الحزبيين بالطاقة الكفاحية هو ما توجبه تلك التطورات الكبيرة على المستويين الدولي والاقليمي. والمهمة ثقافية بامتياز وتتطلب برنامجا ثقافيا للنهوض الاجتماعي.
أزمة حركة التحرر العربية ثقافية من حيث الجوهر. خواء ثقافي لدى القيادة والكوادر لا تقدم للجماهير ما يوضح الأفق ويقوي العزائم.
من التسطيح النظري والفكري نشأت النواقص الذاتية مثل الأزمة الفكرية والتفكك التنظيمي والتأرجح بين التجارب الأجنبية وضعف التحاور مع الواقع الموضوعي وعدم القدرة على الاتصال بالجماهير وحشدها وتنظيمها وتربية كوادر العمل الجماهيري وربطها بالمشروع السياسي العام .على عناصر اليسار ان لا تسقط مقولة لينين ” لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية”؛ بل وتضيف إليها ربط الفكر بالممارسة العملية.
إن التنظير والفكر يسقطان إلى حضيض الاجترار واللغو الفارغ إن لم يتم استيعابهما في ممارسة عملية . الوعي والتنظيم صنوان يدعم أحدهما الآخر،وبالوعي والتنظيم الديمقؤراطي يلتصق الحزب اليساري بالحركة الشعبية ويكون مرشدها ورائدها.
على قوى اليسار أن تتقن الديالكتيك المادي وتستوعب خبرات النضال الثوري والتاريخ القومي وكيفية التعامل مع التراث وأمورا أخرى كثيرة. إن إشراك الجماهير بشكل واع وهادف وجماعي في الحياة السياسية تتم بجهود اليسار الحثيثة.
وعلى قوى التحرر أن لا تتمثل فكرة الانفصال عن الدين. جوهر الدين طاقة روحية تهيمن على الجماهير، ويستحيل استئصالها؛ فهي متجذرة في الوعي الاجتماعي. طاقتها الهائلة يمكن توظيفها فى النهوض بالحاضر والمستقبل.
والفهم العقلاني للدين مشروط بترقي العقل الجمعي حَكَما في حل الإشكالات الاجتماعية. وهذا مقرون بحل إشكال الثقافة والتعليم، وترقية مناهج التعليم الديني، بحيث تحترم العقول.
يقتضي تحديث التعليم تحويله مجالا ديمقراطيا عاما، وترقيته إلى أفق العدالة والمساواة والحرية. ظاهرة فقهاء الاستنارة تتسع باضطراد، تتسع معهم دائرة التأثير الإيجابي للدين على ا قضية التقدم الاجتماعي. التقطوا من الدين رسالته الإنسانية ودعوته لمكارم الأخلاق وللتكافل الاجتماعي والعدالة.
كما اختطفت الرجعية الدين يمكن بل يجب على قوى التقدم أن تعيد له جوهره الإنساني، وطاقة ملهمة للتجرر الإنساني.
بدون إشراك الجماهير في السياسة يستحيل تجسيد الفكر واقعا متعينا. السياسة، بما تعنيه من التعامل اليومي مع الجماهير، تتيح التواصل الدائم مع الجماهير، تعلمها وتتعلم منها، تضبط إيقاع الحراك الشعبي بما يضمن الحفاظ على الواقعية السياسية ويعزز لحمة العلاقة بين الحركة السياسية والجماهير، وبما يصون الجماهير من الانزلاق في الانفعالية النزقة والتطرف اليساري غير الموجه وغير المرشد، او السقوط في هاوية الخيبة. ترتفع جاهزية الحزب مع تنامي المزاج الثوري.
على القيادة الوطنية الديمقراطية أن تعي البون الشاسع بين ما يدور بخلدها وبين حصيلة ما تجرعته قطاعات من الشعب خلال عقود التيه. تميز اليسار عن بقية أطراف الحركة الوطنية في اعتماده المباشر على الحركة الشعبية تمارس تحت قيادته وبترشيد منه النشاط الثوري وبناء المنظمات الأهلية ، النقابية وهيئات المعونة المتبادلة، وتجني لصالحها بعض منجزات نضالها وتقوم على حراستها من استباحة الرجعية والثورة المضادة.
يتصاعد زخم النضال الشعبي الديمقراطي ويستحوذ على الدعم والتضامن ويستقوي لدرجة القضاء على النظام الأبوي وتصفية جميع مؤسساته واستئصال مظاهر القهر والهدر في الحياة الاجتماعية . من منظور عالم الاجتماع هشام شرابي، فان “مصير المجتمع العربي متوقف على مقدرته في التغلب على نظامه الأبوي واستبداله بمجتمع حديث”؛ بسبب هذه النظرة فرض الحجر على مؤلفه بمؤامرة صمت.
التخلف حسب شرابي يطال الإدارة. حقا فإدارة المقاومة الفلسطينية عبر العقود اتسمت بالتخلف والعقم، حيث افتقرت الى اليقظة والدهاء، وبسبب ذلك استدرجت مرارا الى مصيدة الصراع غير المتكافئ، ما ألحق الهزائم بالمقاومة وأتاح لإسرائيل التمكن وقضم المزيد والمزيد من الأراضي الفلسطينية.
بالإطاحة بالنظام الأبوي وإحلال الديمقراطية الثورية تبدأ مهمات التغيير الاجتماعي. التغيير الاجتماعي يجب أن يكون بنيويا مثلما ان التخلف الاجتماعي بنيوي هو الآخر؛ من خلاله يتم تطوير مناحي الحياة الاجتماعية السياسية والإدارية والاقتصادية والثقافية – الفكرية. عملية التحديث الثقافي” ثورة شاملة ،إصلاح شامل اجتماعي وسياسي واقتصادي وثقافي فكري في آن معا”، حسب توصيف الراحل نصر حامد ابوزيد.
عملية التغيير لاجتماعي ليست تركيبة اجتماعية صماء بل يمكن الوصول اليها بوسائل وأساليب متعددة ؛ غير انها لا بد لها ان تتصدى لمهمات ثلاث أو لإشكاليات ثلاث هي إشكالية الهدر الخارجي وإشكالية الهدر المحلي ، وقد تم التنويه بهما ، ثم إشكالية التربية الأبوية. تنطوي هذه الإشكاليات على فرائض بدونها تنكفئ العملية الثورية الى نظام استبدادي:
اولاها ديمقراطية ثورية، تختلف عن ديمقراطية الغرب التي لا تعدو ديكتاتورية الأثرياء يشترون المجالس التمثيلية أو أكثريتها بواسطة الرأسمال السياسي.
إن معظم العمليات الانتخابية في عالم الرأسمال ، إن لم يكن جميعها، تفتقر الى معايير الديمقراطية النزيهة وحري القرار؛ الديمقراطية الثورية تقوم على أساس الاختيار الحر الواعي.
بدون الوعي والخبرة السياسية تهبط عملية الانتخاب الى ألاعيب سياسية واحتيال. والوعي للجماهير لا يتحقق إلا بتحديث ثقافي.بين الثقافة والديمقراطية علاقة جدلية، كل يدعم الآخر ويعزز طاقته الثورية. تشفى التربية من علتها بالتحديث، وهو الخاصية الثانية الملازمة لدعم الديمقراطية الثورية.تطور الديمقراطية الثورية الى ديمقراطية الإدارة وديمقراطية إدارة الإنتاج لتدخل عتبة البناء الاشتراكي.
التغيير الاجتماعي والتحديث الثقافي صنوان قاطرتهما العلم والعقلانية يضويان الدرب ويوجهان الخطى . التحديث يسيد العقل والعلم لتسيير عمليات تغيير مظاهرالحياة الاجتماعية كافة.
من أدوات التغيير الفكرية النقد والاستقامة المبدئية والمراجعة النقدية والتطهر من الذاتية والاستقلالية عن السلطة والاستعانة بالتأويل، إحدى أدوات البحث العلمي في قضايا التراث.
“وأى إنسان يمارس الفكر لابد أن يكون لديه تفاؤل حيال المستقبل؛ فالتشاؤم نوع من الرفاهية يخص مجتمعات سعيدة، أما فى مجتمعات معذبة كمجتمعاتنا فلا مجال لنا، ولابد لنا أن نحلم من منطلق قول الشعراء بأن الواقع جنين الحلم، ولابد من مواصلة الكفاح والحلم بانتصار النور”، حسب تعبير المفكر الراحل نصر حامد أبوزيد.
والتحديث يكسر موجات التدخلات الأجنبية، من خلال تطوير ثقافة وطنية ديمقراطية تفكك القيود المانعة للتغيير الاجتماعي التقدمي ، ينطلق في دروب التحرر والديمقراطية والتنمية.
من أبرز معالم ديمقراطية الحداثة ضمان حق المواطنة للجميع، ذلك أنه لا إنسانية ممكنة لأي فرد إلا من خلال الشرط المؤسس لها، والذي يتمثل في الاعتراف بإنسانية الآخر. الحق بالموطنة شامل للجميع بغض النظر عن الجنس او اللون او العقيدة الدينية.
بعكس ما ساد في السابق ، حيث الولاء وما يكتنفه من انتهازية ووصولية واستئثار بالمغانم هو الاتجاه السائد، تحل ثقافة الإنجاز القائمة على مبدأ الكفاءة. في ثقافة الإنجاز التي تشكل قاعدة كل نماء أو بناء لا يرى المرء من مفهوم لذاته أو تصور إلا باعتباره كائنا منجزا يحسن تنمية طاقاته وتوظيفها. وفي ثقافة الإنجاز تتحدد المكانة انطلاقا من الجدارة وحدها.
الجدارة هي المرجعية في الحكم والتقويم والامتيازات. هنا يكمن مأزق العصبيات والمحسوبيات على اختلاف أنواعها وأشكالها. وإدراك تشابكات الواقع الاجتماعي بعلاقات السببية، وبدون ذلك يتأجج الحقد والتوتر والانفعالية التي تطرح العنف منهج حياة.
والعنف يأخذ أشد مظاهر الدموية حين يستجير بالمقدس، يحتكره ويوظفه لتقنيع ممارساته مبرهنا بالممارسة أن الاستبداد المسوغ دينيا ينتهك ابسط القيم الإنسانية،لاسيما وهو يتقوى بمحفزات من الخارج. كما أن صناعة المستقبل قائمة على الجهد الذاتي والجماعي بما فيه من تجديد وإبداع ونقد.
وثقافة التطور الاجتماعي نقدية في طابعها وجوهرها. والخطاب النقدي يزلزل الإيديولوجيا اليقينية الموروثة، القائمة على الثبات والديمومة – الإبقاء على الجسور القائمة!! تلك الإيديولوجيا كرستها الأنظمة الأبوية مستندة الى استبدادها واحتكارها للحقيقة واعتماد الأوامرية السلطوية.
الفكر العقائدي بأنماطه كافة يلهم الركود والمراوحة ، بينما الفكر النقدي يشيع أجواء الحوار المبدع للأفكار والرؤى الجديدة . “بالتبادل يفتح باب اللقاء الإنساني والشراكة الإنسانية في الوجود والمصير”كما يقول علم النفس الاجتماعي. وعلى مستوى الممارسة الاجتماعية يلجا الخطاب النقدي، وان تجريبيا، الى رفع غطاء الشرعية عن المقومات النظرية للسلطة اللاهوتية ونفوذها السياسي. النقد وما يترتب عليه من حوار يثبت قواعد الديمقراطية.
العلوم الاجتماعية مثل علم النفس الاجتماعي والدراسات الاجتماعية والعلوم الاتربوية والاقتصادية والسياسية وكذلك نتائج الإحصائيات والأبحاث، ترفد النظرة العلمية بما يعزز منهجيتها، وتزود المناضلين الاجتماعيين بثروة معرفية تتيح لهم الإلمام بنواميس حركة المجتمع.
وقد سبقت الإشارة الى مختلف اشلعلوم الإنسانية ، إبداعات الالعقود الأخيرة من القرن السابق، وجميعها تعالج أِعطاب مجتمعات ما قبل الرأسمالية التي لم تتطرق اليها الماركسية . عبر معطيات العلوم تتم معرفة الواقع والسيطرة على حركته ، بحيث تمسك زمام المستقبل.
والماركسية تغتني بالعلوم وتتطور. طبيعي ان النضال الوطني لا يتيح التعمق في هذه العلوم ، بل الاطلاع على القضايا الأساس، حيث تتشابك هذه القضايا في منهجية علمية.
إن تحرير الوعي الاجتماعي، ودفعه لامتلاك القدرة على الفرز والتمييز والاستشراف والإبداع لن ينجز إلا ضمن بنية ثقافية غزيرة المعرفة مدركة للظرف التاريخي ولمسئوليتها في تحقيق التقدم والديمقراطية والتنمية، ومستندة إلى ثقافة ماركسية واسعة تتيح تطويرها، أي تأويل الماركسية طبقا لمقتضيات البيئة المحلية.
وقد أصاب الباحث شرابي ، إذ يؤكد ان “إن اليسار يكون أصلح ما يمكن حين يكون في (وضعية يسارية) تشغل المسألة الاجتماعية فيها مركز ثقل العمل العام أو تتصدر أجندته “.حينئذ يقف الموقف المعاكس للرأسمالية وطرائق حكمها، ويولي قضيايا الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية موقعاً مركزياً في نضاله.