قراءة في قصيدة شغبُ الصّمتِ للشاعر السوري مشهور سعود

حميد العنبر الخويلدي | العراق

أولا- النصّ 

عيناكِ..فصولُ احتمالاتٍ…
وصرخةُ قمحٍ…
حُبلى باقمارٍ ونوارس…
من سُلالة الضوءِ أنتِ…
بكِ اغسلُ صوتيَ المُدمّى…
ولونيَ المُقدّدُ….
إلى الشمسِ يهاجر…
* * *
منكِ ثَمَلاً جئتُ…
تزّمّلينَ جراحاً مُقمِرةً…
وقوسَ غوايةٍ…
وعطريَ المشغوفُ..تئنُّ عيناهُ…
يابسٌ مطري…
وحُلميَ المعشوبُ…
بشوكٍ يلفّهُ ليلٌ…
أبجديّتي ظمآى…
وصلاةُ العشق ظمآى…
بيَ الأفْقُ قبراً يضيق…
* * *
أَلا نزفٌ..يزرعُ جُثّةَ النهارِ…
وهالاتِ غيابٍ…
كلُّ المياهِ ظمآى…
والضوءُ يجفُّ…
على تلويحةِ الوقتِ…
يُعلّقُ الحلمَ..وذاكرةَ اغترابٍ…
\\\
إلى بابلَ..أمتشقُ الجراحَ…
أجدّدُ رغبةَ القمرِ…
وشغبَ الصّمتِ…
وفجراً يمشّطُ عشقَ ماءٍ…
ولهجةَ جمرٍ…
تُورِقُ أجنحةً وغمام…
\\\
وتمّوزُ..في عتمةِ النارِ…
يطمرُ شغَفَ الحتفِ…
وصلاةً..عيناها حافيتانِ…
وأناملُ بوحكِ…
ترمّمُ شهوةَ البدءِ…
وخمرةَ المعنى…
وتدّلّى..حقولَ انبعاثٍ…
ولغةَ اللهبِ…

ثانيا النص النقدي المقابل

المثري والمغري من الوقت إبّان خلق البُنى النصّيّة

لو قارنّا بين شاعرٍ وقاصٍّ ، وحدّدنا النقطةَ التي نستدرك من خلالها ، حالَنا المنوطَ به الالتفاتُ على كيفية خلقِ كلٍّ منهما خريدتَه النصيّة َهذي وبُناها المركباتية ، الشاعر لقصيدته ، والقاصُّ لقصته ، اكيدٌ نجدُ فارقاً واضحاً في تقنيات البُنى وانهماراتها عند التصيّر والانجاز ، وكذلك نجدُ اختلافاً يفسّرُ طبيعتَه المعرفية بنفسه ، رغم انهما من جنس تعبيريٍّ فنيٍّ واحد ، فالقصة سرد نثري ، والقصيدة انولدت من خامات نثر ، ايْ الشعرُ منجمُه النثرُ ، والنثرُ اساسٌ للكلّ.
فلعل القاصَّ اولاً يحصر واقعاً حادثاً قبل حينٍ من الزمن ، قد يكون ساعةً او قروناً ، يدخل عليه تخيّلاً ووفقَ عاملِ الضرورات القدرية والواقعية ، التي تتلبّسه ، نعني المبدع ، ويتلبّسها في ذاته السامية الممهورةِ قصداً وعلماً وطينةً ،منذ النشأة ، فيبديَ جامعاً للحسن مانعاً للقبح ، وعلى طريقة النبش والحفر ، حتى يكشف غبار الوقت عن كتل ابطاله كلٍّ بوظيفته المعنية طبيعةً وصورةً ودوراً ادائيّاً، وهكذا استدراجاً للفعل ،حيث مثّلَ افرادُ النص القصصي او الروائي ادوارهم ، مهما كان حجم النص وقياسه وكثافاته
النوعية ،وكان قد ثبّتوا نضج وعيهم حسب مرام ماتخصصوا له من التطبيق والطبع السلوكي ،، يدفع بهم واقع مستأنف بوقته ،، مازال او انصرم ،،هذا لايخص المبدع. ابدا ، انما حالة وجودية ، تخص الحياة،، بعدها ياتي السارد المبدع قاصًاً كان ام روائياً لجمع النشورات واعطائها فنيةً جمالية مبرمةً بما تلائم مرحلتَها وعصرها وحداثتها لنا منها البهاء الكلي ولنا منها اغراض متعددة ،، هذا للقاص امّا الشاعر وهو محط بحثنا النقدي فيختلف ، وهذا وجهة نظر اصحابنا في توجههم الفكري والمكاشفاتي
الشاعر له طريقته الخاصة المختلفة عن قرنائه من المبدعين كافةً ،حيث اتباعيته متفرد بها ، وكأنَّ مركبه السيكولوجي ذو طبيعة فوق المعدل الكوني ، لذا تجده ذا استشراف شمولي مصحوب بحمّى وهّجيّة قاهرة تخرج من ذات المبدع بعد حلوله بالوجود في وحدته ، قادرة على هدم جميع المادي في الموجود الكوني ، ولو كان جبل حساروست او سلسلة زاكروس او ايفريست ، او البحر والريح والنجوم وكل ماخلق الكون او مخلوق صائر وله توسم مساهمة في بناء النص ، نعم يستحضره المبدع على قدر نسبية المُودَع في الكتلة ،، يأتي طوعاً تلقائيا ، وكأنَّ الله امر سبحانه ، وهذي هي ربوبية الفنان على الاشياء ،،
القصيدة ليست واقعا متصيّراً قبل خلقها ، كمثل ما اشرنا عن القصة والرواية ووضحنا انها مخلوقة ومثيرة، وفضل الكاتب المبدع ينبش عنها كعالم حفريات عن اللُّقى ، فيظهر هذي السلوكيات الموزعة والمتعددة في حصريات الوجود بعد تعيينها ، فيصنع ويصوغ منها جمالاً يضايفه بالفني والشفافي والرؤيوي البلوغي ،،
القصيدة عالم موزع من بعدين الاول هنا في الواقعي ومنه الشاعر ، اي في اكنافه ، واشعاراته، والثاني في العدمي المستتر والدفين في الغيوب البعيده ، ريثما تدفع به الضرورة القدرية لينجمع مع نصفه الاخر عند موقف التصير ، وفي شهودية الذات والوجود حتماً،
فمبدعنا في نصه ( شغب الصمت ) لابد مرَّ من هنا ، من زلفات الرؤيا الحسية والعقلية والوجودية ،، فلعل الحس والعقل ومستأنف الواقع الممهور نصف ، ونسبية وكثافة النوعي الوجودي الوافد بالتحديد بمعلنه ومستتره كذلك نصف آخر ،،
كل ابداع من نصفين قدري تدفع به الضرورات مثالياً ، وواقعي كاشف به المبدع الوجودَ فحصل على مرامه بالقدر المطلوب وبالحساب المقاس ، وكلاهما في وحدة خلق جمالية لابد ،، اول شهودياتها حضور الذات ،،
مبدعنا الشاعر مشهور ،تسلّل على نصِّه جامعاً لحسنه ومحاسنه الاعتبارية من خزانات الموجود الذي اشعره قدرياً ، سواء الموجود او الشاعر، من انّ نصّاً يُخلَقُ الان اسمه شغب الصمت،، فما كان على مشهور الحصيف اِلاّ ان كان داخلا عفوياً من دون ان يؤمر بقول او فعل ، ماعدا استشعار وجودي يتلبّسه طوعا باحاسيسه يأتيه من غامض الغيوب، فيكون متهيّئاً لدخول موقفه ، اذ تنهدم امامه كل الشيئيات وكتلها وترفع كل الحجب، فيرى الاستنارات والسطوع والتوهج في ارواح الوجودات وفي كيان من يشترك في التصيّرات النصية والخَلْقية،،
الى بابل امتشق الجراح
اجدّدُ رغبةَ القمر ،، وشغب الصمت ،،
وفجراً يمشط عشق ماءٍ ، ولهجة جمرٍ
تورق اجنحةً وغمام ،،
لو شَرّحْنا هذا المقطعَ النصي على منوال ،، انّ هناك نسْبِيتَيْن تولّفان النص كمثل ما عرض النقد ونظّر الناقد ،،اذ قال ، كل نص مهما طال او قصر ولو جملة واحدة ، يتألف من نصفين ، نصف من كنف الغيوب وهو الاستشعاري ، ونصف من الواقعي يحمله الذات المبدع ليخالطه في وحدة خلق مشهود عليها ،،
(الى بابل امتشق الجراح) نسبية تاريخانية منقولة عبر الذاتي والشخصاني وهذا يخص حصر المبدع للشي المراد وهو النصف الواقعي ، اذ يرى وهو العارف بالحاجة والنقص ويعرف بالآتي المتوائم والمساهم بالصورة من الغيوب كشفرةٍ جامعةٍ ،وكذلك للحالين ،،
وإمّا جملة ،، (اجدد رغبة القمر ،،وشغب الصمت ،، وفجراً يمشط عشق ماء ولهجة جمر ،، تورق اجنحةً وغماماً،) كل هذا يشكل النصف الحلم ، والمبني على هيكلة من طينة وهيولى و ماجاء من كنف الغيوب ،،مع استدلالات معايير المبدع حين التوغل في العدمي ، حاملاً معه ارهاص واقعه وعلى ضوءه يتم التدبير والتخاطر في المنجز الفني المطلوب ،،
وقد نستطيع تسمية هذا المقسّم الى نصفين بتسمية رديفة ،تعطي ذات المفهوم والمؤدى ، فنقول عما في كنف الفنان وهو متأهّب لدخول موقف الصيرورة ،نقول عنه المُثْري والذي جمعه المبدع باتقان عجيب ، وكما تجمع النحلة الرحيق من خليقة الزهر ، وبعد ذاك يعود شهداً ، وهذا نصف معلوم بثوب والوان الواقع ،،هكذا ينتخب نظيفا فيعطي نظيفاً
والاخر الدفين وراء الحجب ، ونعني النصف النسبي ، وكذلك هو آتٍ في هجرة للحياة مخصوصة الصفات والتعيين وعن طريق روح الموهوب، ونسميه بالمُغْري، فلعله الخامة المستنيرة التي سردتها الضرورة من رقادة وقتها هناك ، بايعاز ان تخرج وتظهر للعرض الكوني ،
بهذا الهاجس والاسلوب تعامل فنان ،شغب الصمت، وبمنظور من التفلسف، نكشف الان عنه ، ونثبتهوهو تفصيلية من عالم النتاج الوسيع ، وكل نتاج مهماكان يستبطن قدرة تطبيق المناهج عليه ، باشكالها وانواعها ،تجريدية ام رومانسية ام اعتبارية كما هو منهج اصحابنا والذي نعمل على زلفات النظر الحادّ فيه ،حيث الحقيقة والوضوح في الممكن والطموح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى