الحبس الاحتياطي ومدته وبدائله
أحمد عبد العال | محام – مصر
الحبس الاحتياطي هو إجراء احترازي لمنع هروب متهم بجرمٍ تم ارتكابه أو تأمين الادلة، سواء من العبث بها أو طمسها إذا بقي المتهم حرا أو سواء تجنبا لتأثيره على شهود الواقعة وعدا أو وعيدا، أو ضمانا لعدم هروبه من تنفيذ الحكم الذي سيصدر عليه بالنظر إلى كفاية الأدلة ضده .
ويكون أمر الحبس الاحتياطي صادراً إما عن النيابة العامة أو قاضي التحقيق، تختلف مدة الحبس الاحتياطي تبعاً لما إذا كان صادراً من النيابة العامة أو قاضى التحقيق أو صادراً من محكمة الجنايات أو الجنح، سواء كان التحقيق معهم مازال مستمرًا أو تنظر قضيتهم أمام المحاكم .
أولاً – الأمر بالحبس الاحتياطي الصادر من النيابة العامة
مدة الحبس الاحتياطي الصادر من النيابة العامة هي أربعة أيام وهذه المدة تمثل الحد الأقصى الذى لا يجوز تجاوزه، ولكن يستطيع وكيل النيابة إصدار أمر بالحبس الاحتياطي لمدة أقل، وله أن يمد مدته ولكن بعد سماع أقوال المتهم، وفى إطار الأربعة أيام. وإذا رأى وكيل النيابة أو من يعلوه في الدرجة، ضرورة استمرار حبس المتهم، تعين عليه قبل انقضاء هذه المدة عرض الأوراق على القاضي الجزئي، وبدون ذلك يتعين الإفراج عن المتهم فوراً. وإذا صادف كون اليوم الرابع يوم عطلة، تعين عرض المتهم والأوراق على القاضي الجزئي في اليوم الثالث.
وقد وسع المشرع المصري من سلطات النيابة العامة في إصدار الأمر بالحبس الاحتياطي بالنسبة لبعض الجرائم فأعطي للنيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل بالإضافة إلى السلطة المقررة لها استعمال سلطة قاضى التحقيق في الحبس الاحتياطي عند مباشرة التحقيق في الجنايات المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج والجنايات المضرة بالحكومة من جهة الداخل والمفرقعات واختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر.
كما أعطى للنيابة العامة من درجة رئيس على الأقل سلطة محكمة الجنح المستأنفة المنعقدة في غرفة المشورة في تحقيق جرائم الإرهاب المنصوص عليها في قانون العقوبات بشرط ألا تزيد مدة الحبس في كل مرة على خمسة عشر يوماً.
كما يجوز للنيابة العامة أيضاً – بالإضافة إلى السلطة المقررة لها – استعمال سلطة قاضي التحقيق في الحبس الاحتياطي وذلك في تحقيق الجرائم المحددة بقانون الطوارئ والتي تختص بنظرها محاكم أمن الدولة طوارئ .
ثانياً – الأمر بالحبس الاحتياطي الصادر من قاضي التحقيق
مدة الحبس الاحتياطي الصادر من قاضى التحقيق هي (خمسة عشر يوماً ) ويجوز له بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم مد هذه المدة لمدد مماثلة بشرط ألا تزيد مدد الحبس في مجموعة على خمسة وأربعين يوماً .
و في حالة عدم انتهاء التحقيق ورأى قاضي التحقيق مد الحبس الاحتياطي زيادة على الخمسة والأربعين يوماً، وجب عليه قبل انقضائها، إحالة الأوراق إلى محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة لتصدر أمرها بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم بمد الحبس مدداً متعاقبة لا تزيد كل منها على خمسة وأربعين يوماً إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك أو الإفراج عن المتهم بكفالة أو بغير كفالة.
ثم نص المشرع علي وجوب عرض الأمر على النائب العام إذا انقضى على حبس المتهم احتياطياً ثلاثة شهور وذلك لاتخاذ الإجراءات التي يراها كفيلة لانتهاء التحقيق.
وقد جعل المشرع للحبس الاحتياطي حداً أقصى في الجنح والجنايات وذلك على وجه التفصيل الآتي:
أولاً: الجنح
لا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي، أي أوامر الحبس الصادرة من النيابة العامة والقاضي الجزئي ومحكمة الجنح المستأنفة على ثلاثة أشهر مالم يكن المتهم قد أعلن بإحالته إلى المحكمة المختصة قبل انتهاء هذه المدة.
وفي حالة الإحالة في مواد الجنح، يجب على النيابة العامة أن تعرض أمر الحبس خلال مدة لا تجاوز خمسة أيام من تاريخ الإعلان بالإحالة على المحكمة المختصة، للنظر في استمرار حبس المتهم أو الإفراج عنه.
ويجب الإفراج فوراً عن المتهم المحبوس احتياطياً إذا بلغت مدة حبسه ثلاثة أشهر ولم يكن قد أعلن بإحالته إلى المحكمة المختصة قبل انتهاء هذه المدة، أو كان قد أعلن بإحالته ولم يعرض أمر حبسه على المحكمة المختصة خلال خمسة أيام من تاريخ الإعلان بالإحالة.
وفي جميع الأحوال، لا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق وسائر مراحل الدعوى الجنائية على ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية وبحيث لا تجاوز ستة أشهر.
ثانياً: الجنايات
لا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي في الجنايات على خمسة أشهر إلا بعد الحصول قبل انقضائها على أمر من المحكمة المختصة بمد الحبس مدة لا تزيد على خمسة وأربعين يوماً قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة، وإلا وجب الإفراج عن المتهم. ويتعين الإفراج عنه بالطبع إذا عرض على المحكمة وأمرت بالإفراج.
وفي كل الأحوال، لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، وبحيث لا تجاوز ثمانية عشر شهراً. وإذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام، فلن يكون هنالك إلا حداً أقصى واحد، وقد حدده المشرع بسنتين .
ولكن هناك بعض التعديلات على القوانين التي أصدرها المستشار عدلي منصور، رئيس الجمهورية السابق، في شهر سبتمبر 2013، جعل الحبس الاحتياطي للمتهم في جناية عقوبتها السجن المؤبد أو الإعدام عامين.
وأصبح الحبس الاحتياطي بعد هذا التعديل مفتوحا وغير محدد المدة في الجرائم التي تصل عقوبتها إلى المؤبد أو الإعدام، إلا أنه ظل مقيدا بأن تكون المحكمة التي تتخذ قرار الحبس الاحتياطي المفتوح إما محكمة الجنايات أو محكمة النقض.
وهناك عدد من الاتهامات التي توجه الآن تجعل الحبس مفتوحا؛ لأن عقوبتها تصل إلى الإعدام أو المؤبد، وهى: “الانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون، والغرض منها عرقلة مؤسسات الدولة من مباشرة عملها، المساس بالحريات العامة وتكدير الأمن العام وزعزعة استقرار البلاد، التظاهر والتجمهر بغرض الإخلال بالأمن العام والنظام العام وتعطيل الإنتاج، والتأثير على سير العدالة، التحريض على مقاومة السلطات العامة والتحريض على العنف”.
والسؤال الذي يدور هنا هل هناك تدابير أخرى غير حبس المتهمين احتياطياً ؟
أورد المشرع لأول مرة في التعديل الجديد الصادر بالقانون رقم 145 لسنة 2006 بدائل للحبس الاحتياطي يمكن للمحقق أن يقررها بدلا من إصداره أمرا بحبس المتهم احتياطيا، فنصت المادة 201 المستبدلة على أن يجوز للسلطة المختصة بالحبس الاحتياطي أن تصدر بدلاً منه أمراً بأحد التدابير الآتية:
- إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه .
- إلزام المتهم بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة .
- حظر ارتياد المتهم أماكن محددة .
فاذا خالف المتهم الالتزامات التي يفرضها التدبير ، جاز حبسه احتياطيا ويسرى في شأن مدة التدبير أو مدها والحد الأقصى لها واستئنافها ذات القواعد المقررة بالنسبة إلى الحبس الاحتياطي .
وكما أن هناك تدابير أخرى غير الحبس الاحتياطي، هناك أيضاً حالات تستوجب الحبس الاحتياطي
فهناك عدد من الشروط الواجب توافرها لتطبيق الحبس الاحتياطي على المتهم، وقد تدخل المشرع مؤخرا بالقانون رقم 145 لسنة 2006 فحدد أسبابا للحبس الاحتياطي لا يجوز اصدار الأمر بالحبس إلا إذا توافر أحدها . ( فنصت المادة 134 ) من قانون الاجراءات الجنائية بعد تعديلها بهذا القانون على أنه ” يجوز لقاضى التحقيق ، بعد استجواب المتهم أو في حالة هربه ، إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقبا عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ، والدلائل عليها كافية، أن يصدر أمرا بحبس المتهم احتياطيا ، وذلك اذا توافرت احدى الحالات أو الدواعي الآتية :
1- إذا كانت الجريمة في حالة تلبس، ويجب تنفيذ الحكم فيها فور صدوره .
2- الخشية من هروب المتهم .
3- خشية الإضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجنى عليه أو الشهود، أو بالعبث في الأدلة أو القرائن المادية، أو بإجراء اتفاقات مع باقي الجناة لتغيير الحقيقة أو طمس معالمها .
4- توقى الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذى قد يترتب على جسامة الجريمة .
وهناك بعض أحوال حظر فيها القانون الحبس الاحتياطي حتى ولو توافرت شروطه ، من ذلك ما نصت عليه المادة 41 من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة من أنه ” لا يجوز الحبس الاحتياطي في الجرائم التي تقع بواسطة الصحف إلا في الجريمة المنصوص عليها في المادة 179 من قانون العقوبات ” .
وحظر الحبس الاحتياطي في الجرائم التي تقع بواسطة الصحف الغرض منه كفالة حرية الصحافة حتى لا يهدد أصحاب الرأي بإجراء خطير مثل الحبس الاحتياطي . إلا أن هذا لا يمنع القبض على المتهم في هذه الجرائم ، ذلـك أن المادة 130 من قانون الإجراءات الجنائية أجازت القبض على المتهم ولو كانت الجريمة مما لا يجوز فيها الحبس الاحتياطي في الأحوال التي ذكرتها، فإذا وجه إلى المتهم بإحدى هذه الجرائم أمر بالحضور فلم يمتثل، فيجوز للمحقق إصدار أمر القبض عليه واحضاره، ثم يصدر المحقق بعد سؤاله أمرا بالإفراج عنه ، ولا يصدر أمرا بحبسه احتياطياً .
كذلك لا يجوز الحبس الاحتياطي بالنسبة للأحداث الذين تتجاوز أعمارهم خمس عشرة سنة وعلى ذلك نصت المادة 119 من القانون رقم 12 لسنة 1996 بإصدار قانون الطفل من أنه لا يحبس احتياطيا الطفل الذى لم يبلغ خمس عشرة سنة، ويجوز للنيابة العامة إيداعه إحدى دور الملاحظة مدة لا تزيد على أسبوع وتقديمه عند كل طلب اذا كانت ظروف الدعوى تستدعى التحفظ عليه ، على ألا تزيد مدة الايداع على أسبوع ما لم تأمر المحكمة بمدها وفقا لقواعد الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية ، ويجوز بدلا من الاجراء المنصوص عليه في الفقرة السابقة الأمر بتسليم الطفل إلى أحد والديه أو لمن له الولاية عليه للمحافظة عليه وتقديمه عند كل طلب ، ويعاقب على الاخلال بهذا الواجب بغرامة لا تجاوز مائة جنيه. ومبرر حظر الحبس الاحتياطي بالنسبة للأحداث قائم في أن هؤلاء غير قادرين على التأثير في التحقيق كما أن خشية هربهم محدودة .