مثقفون من أجل الآخر
د. خضر محجز | غزة – فلسطين
بعض المثقفين الذين يقولون إنهم عرب، نعرفهم من لغتهم، إذ نرى عُجمة جملتهم، وعجمة أفكارهم، وعجمة قراءتهم لتاريخ السابقين من علماء الأمة.
لن أنسى ذلك المتحذلق الذي تكلم في فيديو بحروف عربية لا يحسن نطقها، ليقول إنه لا ينبغي لنا أن نقتدي بالشافعي، لأنه من زمن مضى. ولو سألته الاقتداء بأرسطو لفرح رغم أنه يسبق الشافعي بآلاف السنوات.
لقد كان الأعجمي يتقصد الشافعي، وتحديداً كتاب “الرسالة”، لما فيه من تقعيد كل أصول العلوم الإسلامية، بحيث صار الناس كلهم عالة على تأصيل كتاب “الرسالة”. الأمر الذي دعا أحمد ـ رحمه الله ـ إلى القول، بأن للشافعي ديناً في عنق كل مسلم.
وعن عجمة هؤلاء أقول لك: إنك ترى الواحد منهم يدور ويلف، ثم يزحف فيدخل جحراً ويخرج إلى آخر، ليعبر لك عن معنى واضح، بلغة حروفها عربية، وبناؤها أعجمي أسلوباً، يعود إلى أصل لغته التي تربى عليها، فرآها الأعلى.
مثال هذه الحذلقة المعجمة ما أقرؤه الآن لمترجم تونسي اسمه “فتحي المسكيني” يترجم كتاب نيتشه “في جينالوجيا الأخلاق” فأضطر إلى إعادة ترجمة لغته إلى لغة العرب، بأسلوب العرب.
لقد فُتن هؤلاء بما لا فتنة فيه، فجعلوا ما ترجموه أشد استغلاقاً على العربي من الأصل الذي نقلوا عنه، مع أنهم لم ينقلوه عن الأصل الألماني، بل عن الترجمة الفرنسية للأصل الألماني.
إنها ترجمة الترجمة المحتاجة إلى الترجمة.
وفي الحقيقة ينبغي على المترجم أن يعشق وطنه ولغة وطنه أولاً، ثم يتقنها ثانياً، ثم يتقن ما يترجمه في لغته الأصيلة ثالثاً، ثم يترجم بعد ذلك.