أي نقاش مناسب لليوم الوطني للمسرح ؟
نـجيب طــلال | ناقد ومسرحي
على التوالي؛ ينعـدم الاحتفال باليوم الوطني للمسرح (14مايو) بحكم إسدال الستار على القاعات والمسارح وبحكم الإغلاق الشامل لأبوابها التي ربما تغير أو سيتغير طلاؤها نتيجة الظروف الاستثنائية جدا جراء الوباء [الكوفيدي 19] الذي طبعا تسبب في شل جميع القطاعات على المستوى العالمي وليس المسرح وحده ؟ وإن كان في واقع الأمر ؛ لم يكن هنالك احتفال حقيقي وعملي قبل الجائحة ؛ بقـدر ما كانت هناك قبل الوباء ، بعض الومضات و الرشات هنا وهناك؛ ورغم ذلك سيظل اليوم الوطني للمسرح، يوما له قدسيته و محتفظا بقيمته الرمزية .
لكن ما حدانا لتجديد – قول – قيل في صيغ مختلفة أعقاب هـذا اليوم ؛ تلك النعرة والغيرة الدفينة في أعماقنا؛ وما نراه خلال ما أفرزته الجائحة من ظواهر سلبية وقاتلة في المشهد الفني والإبداعي ؛ وبالتالي قولنا نلقيه على كل الفنانين المهووسين حقيقة باللذة السيزيفية؛ وإن أمست قلة قليلة؛ هَـذا لا يعـدم أن يتم القول؛ وإن كانت والبقية تهرول نحو الأموال؛ ولا يهمها غير ذلك ؛ ومعطيات الجائحة في أوج هجومها على العالم ؛ قدمت لنا صورة مجسدة على الفنان؛ كيف يفكر ؟ وكيف يتضامن؟ وكيف ينظر للعالم ؟ وماهي فلسفته ؟ وهذا ناتج عن التحولات التي عرفها المشهد الفني والإبداعي؛ وساهمت فيه عوامل متعَـددة أبرزها الوضع الوبائي؛ بحيث لم يتوحَـد صف الفنانين للبحث عن سبل الإنتعاشة الفنية ؛ عبر وسائل التواصل الإجتماعي ؛ بل كان الهم الوحيد عند الأغلب الأعَـم! التفكير في لقمة عيش كيف ينالها؟ هـذا حَـق مشروع؛ ولكن على أسس عملية وفـعلية؛ بحيث ما أهَـمية الشركات والتعاونيات والفرق التي تتهافت على الدعـم وينخرط فيها الفنان من أجل دريهمات الدعْـم؟ وما أهمية بطاقة (الفنان)؟ وما أهمية تعدد النقابات المهنية ؟ وما أهمية الغرف المهنية ؟ وهناك أصوات متعددة من رجالات الفن والفرجة ارتفعت وصرخت تجاه ما تعانيه من الحاجة والعطالة، وقلة الحيلة ؛ بحيث في ظل الجائحة لم تطالب إلا بتوفير المصروف اليومي لنفسها ولعيالها؛ مقابل هذا نجد شلة أو شرذمة تستفيد من الإنتاج التلفزي ؛ في ظل (الجائحة) !! ولا يقف الحد هاهنا بل يلاحظ بالملموس والمكشوف؛ نوع من الاستحواذ والهيمنة (أي) نجد ممثلا (ما) يشخص في عدة مسلسلات كما ورد في شهر الصيام المبارك؛ هل من حقه أم لا؟ ففي سياق النقد الفني؛ لو كان ذاك الممثل تنوع ظهوره وتغيرت ملامحه وهيئته طبقا للشخصية التي يلبسها؛ والتي أسندت له من لدن (المخرج/ المنتج) فمن حقه. ل
كن حينما نجده بلباسه وشعره ولكـْنته وحركاته هنا وهناك ؛ ولا يضيف شيئا لظهوره الفني ؛ فالمسألة تناقش؛ فمن سيناقشها؟ أليس اليوم الوطني فرصة سانحة للتعبير عما يختلج الفنانين من هموم ومعاناة؛ ومن حيف وإقصاء … طبعا الظرفية لا تسمح ؛ لكن وسائل التواصل الإجتماعي سند أساس للتحاور والتشاور الهادف للدفاع عن مهنيي الفنون الدرامية بكل مشاربها ومواقفها؛ شريطة البوح الصادق في حدود المعقول خدمة للفن والفنانين ؛ وذلك لملامسة ووضع اليد على مكامن الخلل، نحو استشراف فعال لممارسة إبداعية حقيقية، وليست مزيفة !
فلماذا لم تستطع أي نقابة مهنية/ فنية؛ لحد الآن أن تنشئ موقـعا إلكترونيا؛ واسع الانتشار. لخلق كوة عملية للتواصل الفعال بين الفنانين والمنخرطين والمريدين؟ إذ المثير نتكلم ونصهلل عن المسرح أكثر من ممارسته والبحث عن سبل إنعاشه فعليا وانتعاشة ممارسيه تقنيين وفنيين ومشخصين؛ وليست هنالك بادرة لإنشاء موقع مسرحي فعال ونشيط بشكل مستمر وتحييني؛ وإن كان الواقع الرقمي سيفرضه على المسرح عاجلا أم آجـلا. أليست بعض النقابات المهنية (عندنا) لها اتفاقيات مع الهيئة العربية للمسرح؟ وكيف يمكن أن يوثق من تطاولوا على التوثيق المسرحي؛ حسب لجنة التوثيق التي أنشأتها (الهيئة) ؟ هنا لن ندخل في حسابنا (موقعين إلكترونيين للمسرح ) لأسباب من داخل الموقعين(؟؟) وهذا نقاش آخــر. لا حاجة لنا به؛ من قريب أو بعيد؛ بل أثرته ( فقط)؛ حتى لا يعتقد القارئ المفترض؛ أنني أمارس الإقصاء ؛ أو نملك نوايا مبيته تجاههما .
وبالتالي فما دورنا إن لم نبحث عن طرق عملية للخروج من الأزمة؛ أليست لدينا القدرة على تفعيل قنوات التواصل الإجتماعية؛ كما فعلت عدة دول عربية؛ كما أشرنا إليها في مواضيع مختلفة؛ وللتذكير أثرنا قضية العروض المسرحية بدون جمهور التي أبدعتها وفرضتها وزارة الثقافة والشباب على (المدعمين)؛ من أجل النقاش وتبادل الرأي والقضية؛ فالعجيب لا أحد ممن يتكلمون عن المسرح باستسهال مفرط في الموائد المستطيلة والمربعة؛ بادر للنقاش؛ فليس الموضوع فيه عملية اللامبالاة؛ أو كما يقال (عـدم رمي الملح على الطعام) بل المسألة وما فيها وفيها أن الأغلبية من المسرحيين لايقرأون؛ والذين يقرأون يتهربون من المواجهة؛ لآنهم يستفيدون من الوضع كيفما كانت تقلباته؛ ولهذا السبب سيظل مسرحنا أو إبداعنا ينهار وسينهار للحضيض؛ وها نحن أمام إبداع التفاهة ؛ والأغلب الأعم من المواطنين؛ صرحوا بذلك بمصطلح( الحموضة) أليس هذا الاتهام يمس كل الفنانين؟ ألا يمس الجسد الفني برمته؟ رغم أن هنالك بعض من حاول شراء أصوات للتعبير عن الاستثناء في الكوميديا؛ حتى أنه وقع تهجم عبر (الفيديوهات) على من أدلى برأيه وتصوراته تجاه إحدى (السيكومات) وهناك فنانين كانوا مقصيين لأسباب (خاصة) أشادوا بالكوميديا وأطنبوا مدحا وشكرا لإتاحة لهم الفرصة كمشاركين فيها (أليس هذا استهتار بقيمة ذات الفنان) حينما يتم تناوب أقداح المدح؟ ولاسيما أننا نلاحظ هاته السنة تحديدا؛ غياب يوتوبات (فيديوها) تشرح أخطاء المسلسلات وتفاهتها؟ هنا لنتفق ف[التفاهة] بدورها إيديولوجيا؛ هل ننخرط فيها جميعا ونؤمن بها ؛ كما كان الإيمان في عقود خلت الفن للفن ؛ وإن كان أي فعل كيفما كان نوعه وشكله؛ هو أساسا (مؤدلج) بقصد أو دونه .
أثرت (مسألة التفاهة) كموضوع للنقاش؛ لتلافي الاصطدامات والمشاحنات بين الفنانين أنفسهم والفنانين والجمهور؟ ولنؤمن فيما بعد أن (التفاهة) تيار فني له رواده وعشاقه ! ففي هذا اليوم الوطني أليس مناسبة أكيدة لنقاش مثل هاته القضايا بروح عالية؛ وتقبل الرأي الآخر بأريحية وبدون التشنجات أو تعصب ؛ يزج بنا في صراعات خفية بين الإفراد؛ لأننا مقبلين عن فرجة رقمية طواعية أو قسرا؛ وما تقديم عروض مسرحية بدون جمهور؛ ماهي إلا عتبة أكيدة لما يسمى – [ الهايبر دراما/ Drama hyper ] – أوالدراما الترابطية. كما هي عند. (تشارلز ديمر/ Charles deemer)، ونلاحظ أن هنالك بوادر رائدة يقوم بها بعض الشباب بحماسة عبر الوسائط الإجتماعية؛ وهناك بعض الفنانين المرموقين اقتحموا هذا العالم بأفلامهم ومسلسلاتهم ومنولوجاتهم؛ والمتتبع للشأن الإبداعي عن كتب وليس عن السماع ؛ سيعرف عمن أتحدث. لأن هيمنة تكنولوجيات الاتصال الحديثة فرضت نفسها بغير رجعة ؛ وإن حاول المسرح فرض سحره وجاذبيته وجانبه الحميمي ؛ فلم يعد له جمهور كما كان في عقود خلت؛ لأسباب متعددة ومعقدة جدا. لأن الغلبة ستكون الآن للمسرح الشبكي/ الرقمي/ التفاعلي/ هنا لست متحمسا لذلك ولا منظرا له؛ بل طبيعة المواكبة التكنولوجية تفرض نفسها ؛ ومن خلالها نطرح الموضوع للنقاش العام ؛ وليس في الكواليس. ولندلي بمثال شاهده الجميع وتعايش معه؛ عبر الهواتف الذكية ؛ أو اللوحة الإلكترونية . فأغلب أفلام [شارلي شابلين] اقتحمت الفضاء الأزرق واليوتوبات، وحققت تفاعلا روحيا غريبا؛ مبدؤه التمعن في طروحات (شارلي) وأفكاره الجمالية ؛ والاستمتاع بحركاته وأحداث الشريط؛ وآخره الضحك من التعماق على درامية الصورة ; ومؤخرا اقتحمتنا الكاميرا الخفية (juste Gags) واخترفت الفايس بوك. بكل وثوقية ومهنية؛ كما كنا نشاهدها تلفزيا.
فمن سمح لها بذلك؟ أليست الشركة المنتجة هي التي وضعت ملفها وفتحت حسابا لذلك؟ هنا المنتوج الإبداعي والفني يبحث عن تسويق وانتشار بصيغ أخرى؛ وتلك عتبة الاكتساح الرقمي التي فرضتها تصورات العولمة والكوننة؛ فهل مسرحيونا لهم الجرأة والشجاعة للانخراط في عوالم الشبكة العنكبوتية بكل وثوقية؟ هنا نعيد السؤال: أي نقاش مناسب لليوم الوطني للمسرح من أجل استمرار التعطش للفرجة الحية؛ رغم اكتساح الرقمي في حياتنا اليومية ؛ وفي إبداعنا؟