أين الكتّاب الفلسطينيّون المسجونون؟

فراس حج محمد | فلسطين

“15 نوفمبر من كل عام تطلق “منظمة القلم الدولية” حملتها التضامنية تحت عنوان “يوم الكاتب المسجون” والتي تسلط فيها الضوء على قضايا الكتاب المسجونين أو الذين يواجهون المحاكمة، وتدعو من خلالها إلى اتخاذ إجراءات دولية عاجلة للإفراج عنهم وحمايتهم. ترمز هذه القضايا التي نسلط الضوء عليها إلى أنماط التهديدات والاعتداءات التي غالبًا ما يتعرض لها الكتاب والصحفيون في جميع أنحاء العالم نتيجة لممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير”.

تصدرت الفقرة السابقة الحملة الدولية التي تطلقها “منظمة القلم الدولية” (pen international) لمناصرة الكتاب المسجونين عبر العالم للعام الحالي 2021 تحت عنوان “يوم الكاتب المسجون 2021″، وأكدت مناصرتها لمجموعة من الكتاب حول العالم، واستهدفت في حملتها هؤلاء الكتّاب ميكل أوسوربو – الاثنين 15 نوفمبر، وصلاح الدين دميرطاش – الثلاثاء 16 نوفمبر، ورحيل داوت – الأربعاء 17 نوفمبر، قضية جماعية لـ 12 كاتبًا إريتريا- الخميس 18 نوفمبر، ومحمد الركن – الجمعة 19 نوفمبر. والركن المسجون لدى الإمارات العربية المتحدة هو الكاتب العربي الوحيد في هذه الحملة.

يوجد كثير من الكتاب المسجونين لدى الأنظمة العربية في كل بقاع الأرض العربية، ولا يخلو سجن عربي من كاتب أو شاعر أو صحفي، فقد تحولت بلاد العرب إلى مكان طبيعي يمتهن فيه الكاتب، ويتحول إما إلى مطرود من عمله أو منفي أو مسجون، وإما سيتحول إلى نعجة مدجنة يلتهمه النظام، ويحوله إلا بوق نفاق يومي، يبثّ ترهاته في الصحف والمجلات في تمجيد الدكتاتور العربي. وربما لجأ إلى المراوغة أو الصمت، وكلها حالات يتحمل النظام العربي أوزارها في حياة الكاتب العربي.

لعل ما يتعرض له الكاتب العربي تحديدا في “مسالخ الموت” العربية لهو كفيل بأن تلتفت إليه “منظمة القلم الدولية” بحملة خاصة، للتعريف بهؤلاء “المنسيين” و”المنسيات” في السجون العربية، مع أن تلك الحملات إن حدثت لن تجد لها قبولا عند الأنظمة، وستضرب بها عرض الحائط. فالنظام العربي الدكتاتوري في أفعاله تلك وغيرها محفوظ بأجهزة أمن محمية من النظام الغربي، ولذلك فهي آمنة مطمئنة لن تراها إلا أمراً عابرا لا يستحق الوقوف عنده. علماً أنه لا تجرؤ أي منظمة غير حكومية على الوقوف معهم وتبني قضاياهم، لقد مات في السجون المصرية بدعوى مكافحة الإرهاب والمد الإخواني كثير من الكتاب وما زال بعضهم يعيش أوضاعا صعبة جدا داخل معتقلات النظام المصري. والصمت مطبق على أوضاعهم وأسمائهم، فلا أحد يتحدث عنهم.

هذا ما يخص البلاد العربية والكتّاب العرب، أما في فلسطين المحتلة فالأمر فيها أكثر بشاعة، والكاتب ليس مسجونا فقط في سجون السلطة الفلسطينية التي تقمع بشراسة حرية التعبير، ومعها مجموعة من المثقفين الانتهازيين النفعيين الذين تحولوا إلى “نعاج” منافقة، يدافعون عن السلطة وأعمالها بحق الكتّاب، ولن تجد أي منظمة فلسطينية غير حكومية تدافع عن هؤلاء الكتاب أو تتبنى قضاياهم، لا اتحاد الكتاب الفلسطينيين ولا المؤسسات الحقوقية المحلية ولا يوجد حملات حقوقية يقودها مثقفون مستقلون، ناهيكم عن صمت وزارة الثقافة والإعلام الرسمي بطبيعة الحال، كونهما جزءا من السلطة الفلسطينية. وهذا الوضع نفسه بصورة أو بأخرى ما يحدث في غزة حيث السلطة في القطاع المحاصر تنشب أظافرها الحادة في أجساد الكتاب وأرواحهم، ويتم الاعتداء عليهم بالضرب أيضا، سواء بسواء كما يحدث في الضفة الغربية.

والأكثر قسوة في فلسطين المحتلة هو ما يحدث داخل سجون الاحتلال الصهيوني. إذ اتخذ الاحتلال منذ وجد إستراتيجية واضحة ضد الكتاب جميعا ممن ينخرطون في ثقافة المقاومة والدعوة إلى التحرير وحق تقرير المصير، ومحاربة الاحتلال والخلاص منه ومن شره. إنه ليس أمرا غريبا أن أقول إن جميع الكتاب الفلسطينيين قد مروا بتجربة الاعتقال في سجون الاحتلال الصهيوني منذ عام 1948 وحتى اليوم، ومورست على الكتاب الفلسطينيين إجراءات أخرى إضافية كالإقامة الجبرية، والطرد من الوظيفة، والمنع من السفر، والإبعاد، ومصادرة الكتب، وتخريب المكتبات العامة والخاصة، والتفتيش على كتب المدارس ومعاقبة كل من يوجد لديه كتاب جعله الاحتلال على قائمته السوداء، وتقييد دخول الكتب إلى مناطق فلسطين المحتلة، ومنع إقامة الندوات الثقافية التي لا تتناسب وما تفكّر به السلطات أو الحاكم العسكري.

لعلّ “منظمة القلم الدولية” لا تعلم أن في سجون الاحتلال الصهيوني عشرات الكتاب حاليا ممن فرضت عليهم سلطات الاحتلال أحكاماً عالية، مئات السنين سيقضيها الكتاب خلف القضبان حتى بعد الموت إن حدث وماتوا في السجن، فلا بد من أن تقضي “الجثة” كامل المدة، فلا ينتهي الحكم بالموت. هل تعلم ذلك “منظمة القلم الدولية”؟

وهل تعلم أن هؤلاء الكتاب المسجونين ومعهم آلاف المسجونين الفلسطينيين محرومون من الحقوق الأساسية الإنسانية داخل السجن، إذ يتعرضون إلى الضرب بلا مبرر، وإلى مصادرة أغراضهم الشخصية، وكتبهم ودفاترهم وأقلامهم ومسودات مؤلفاتهم، ويتعرضون إلى العزل وإلى السجن دون محاكمة، تحت بند الملف السري، ليمضي فئة منهم أحكام سجن مفتوحة الزمن تحت بند “الاعتقال الإداري”؟

هل تعلم “منظمة القلم الدولية” أنه قد تم تدمير آلاف الكتب التي كتبها الكتاب داخل المعتقل، بمصادرتها ومنع إرجاعها إلى كتابها، بحجة أنها “أعمال إرهابية” خطيرة، تحرض على “العنف”؟ هل تعلم “منظمة القلم الدولية” أن هناك كاتبات في السجون الصهيونية، تعرضن للاعتقال بسبب كتاباتهن “التحريضية” كما تزعم سلطات الاحتلال، حدث هذا في القدس، وحدث في مناطق أخرى داخل مناطق الاحتلال الخاضعة للسلطات منذ عام 1948؟

هل تعلم “منظمة القلم الدولية” أن سلطات الاحتلال تفرض السجن على كل كاتب يرفض الخدمة العسكرية في صفوف ما يعرف بالجيش، ويعاقب بمدة سجن تصل إلى تسعة أشهر. حدث هذا مع الشاعر سميح القاسم ومع الشاعر مرزوق الحلبي والكاتب سعيد نفاع وأسامة ملحم وغيرهم كثير؟ وسيحدث مع كل كاتب يرفض هذا النوع من “التجنيد الإجباري”.

هل تعلم “منظمة القلم الدولية” أن سلطات الاحتلال تقوم بهدم قرى كاملة، وتهجر أصحابها منها، ومن هؤلاء الكاتبة شيخة حليوى التي كانت تسكن في منطقة حيفا، وهدمت قريتها “ذيل العِرج” الواقعة في ضواحي مدينة حيفا. وها هي الآن تعيش خارج مسقط رأسها. وقريتها غير معترف بها. أتعلم “منظمة القلم الدولية” ماذا تعني سلطات الاحتلال بهذا المصطلح؟ يعني أنها قرى يجب أن تزال فهي غير شرعية، والسلطات لا توفر لها الماء والكهرباء، ولا تعترف بوجود سلطة إدارية لها (بلدية أو مجلس قروي).

هل تعلم “منظمة القلم الدولية” أن كل يوم يولد كاتب أو كاتبة داخل سجون الاحتلال ليروي حكاية اعتقاله وسجنه، بعد أن تخلت عنه القوانين الدولية والمحلية، وينتظر معجزة ليتم تحريره من حياة “البرزخ” الذي يعيش فيه؟ لا أمل لدى هؤلاء الكتّاب إلا ما يصنعونه على الورق، إنهم يعملون بنظرية “الإيهام بالحرية”، فهم يعتقدون أو يجعلون أنفسهم تعتقد أنهم عندما يكتبون فإنهم يمارسون فعل الحرية أو محاولة الانفلات من السجن والفرار خارج الغرفة الحديدية. إنهم يتدربون على التعايش مع الفراغ ليس أكثر في حقيقة الأمر، فالحرية هي مطلبهم “المسكوت عنه”. فمن لهؤلاء الكتاب؟ ومن سيثير قضاياهم ليناصرهم زملاؤهم الكتّاب عبر العالم؟

هل تعلم أخيراً “منظمة القلم الدولية” أن هناك كتابا فلسطينيين مسجونين قي سجون الأنظمة العربية في السعودية وفي الإمارات العربية المتحدة أيضاً، وليس فقط الكاتب محمد الركن؟ ففي بطن الحوت هناك في السعودية الشاعر أشرف فيّاض وفي الإمارات الشاعر رامز منصور، وهذا الأخير لا يُعرف عنه شيء، فهو مفقود، وربما قضى نحبه، فلا معلومات بشأن وضعه الصحي وحياته المهددة كل الوقت.

أما بعد كل ما سبق؛ فإنه ينبغي أن تعلم “منظمة القلم الدولية” أن معاناة الكاتب الفلسطيني معاناة مركبة، من السلطة الفلسطينية بشقيها بوصفها نظاما عربيا، ومن سلطات الاحتلال ومن الأنظمة العربية، ولا بد من أن تلتفت إلى هؤلاء الكتاب ومعاناتهم في هذه السجون الممتدة في أكثر من عشرين سجناً على أقلّ تقدير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى