علم اجتماع القصة والرواية لـ ” لاهاي عبد الحسين ” محاولة للبحث عن اللؤلؤ الغائب في الدراسات الإنسانية
د. موج يوسف | ناقدة وأكاديمية عراقية
الدراسة الصادرة عن دار الشؤون الثقافية لعام 2021 بعنوان (من الأدب إلى العلم دراسة في علم اجتماع القصة والرواية للفترة 1920 – 2020) د. لاهاي عبد الحسين. وهي محاولة للبحث عن اللؤلؤ الغائب في الدراسات الإنسانية على مستوى العراق وما يجاوره من بلاد وما أعنيه (علم اجتماع الأدب) فهو منهجها، غير أنني وبعد القراءة الفاحصة استوقفتني بعض الإشكاليات التي تتعلق: بالعنوان، والمنهج، والخطوات الإجرائية. وهذه الإشكاليات قد تكون طبيعة ؛ كونها أولى المحاولات البحثية بعلم لم يكتب له الظهور بشكل ناضج ببلدنا وهذا ما كشفته شخصياً عند بحثي عن دراسات بعلم اجتماع الأدب على مستوى العراق، فلم أجد الا إشارات ضعيفة من الباحثين في علم الاجتماع قالوا :إن هذا الفرع قد تطرقوا إليه في دراساتهم، ولم أحصل على إيّ توجيه منهم وحتى من صاحبة الدراسة د. لاهاي . وسبب بحثي عن هذا العلم؛ كونه موضوع إطروحتي للدكتوراه عن شخصية المرأة في الرواية العراقية في ضوء علم اجتماع الأدب، والذي تمّ تسجيله في جامعتي من ثلاثة شهور؛ لتكون أول دراسة بهذا العلم على مستوى العراق بحسب شهادة معظم أساتدة الجامعات العراقية ، الذين زودوا قسمي بكتاب توصية يؤكدون به على أهمية وجدة الموضوع . وهذا ما أتاح لي قراءة أهم المصادر المترجمة التي فتحت لي روافد فكرية كانت معتمة عندي. لذا يحقّ لي عرض بعض إشكاليات دراسة د. لاهاي، والعتبة الأولى من العنوان. فيه إشكاليتان هما : الخطأ اللغوي في لفظ (للفترة 1920 – 2020) وهذا لا يطلق على الزمان ، بل الأصح أن يقال ( للمدّة 1920 ، 2020). والأخرى : في تحديد المنهج (دراسة في علم اجتماع القصة والرواية) في مضمون الدراسة لم أجد هذا المنهج المحدد ، بل عثرت على منهج (علم اجتماع الأدب) والباحثة قد حددّته في تقديمها قائلة: ” يلاحظ أنه لا وجود لتعريف شامل لما يعرف اليوم بعلم اجتماع الأدب فقد ظهر هذا الفرع من فروع علم الاجتماع في أواسط سبعينات القرن الماضي في انكلترا وفرنسا بفضل جهود اجتماعين متخصصين رصدوا تقديم الأدب على علم الاجتماع بتناول قضايا ذات مضامين اجتماعية مهمة من قبيل العلاقات الاجتماعية. بقي علم الاجتماع مع ذلك موضوع تساؤل وتشكيك حول إمكانية اعتباره فرعاً علمياً يتحصن بعدة منهجية ونظرية محددة”. تتضح توجهات الدرسات تسير وفق علم اجتماع الأدب هذا يتعارض مع العنوان علم اجتماع القصة والرواية، واقتراحي المتواضع للعنوان هو: (القصة والرواية العراقية دراسة في علم اجتماع الأدب للمدة 1920 – 2020). والإشكالية الأخرى المتعلقة بالتعريف والمنهج فكما هو موضح أن د. لاهاي نفت وجود اعتراف شامل لهذا العلم ؛ فغاب عن الدراسة اي تعريف بسيط للقارئ، وربما عدم سعة الإطلاع على باقي الدراسات من قبل الباحثة قادها إلى هذا الرأي، لكني أوضحه بشيء من الإيجاز أن علم اجتماع الأدب – بحسب أكثر الدراسات التي أطلعتُ عليها – : هو الذي يحاور الأعمال الأدبية من وجهة نظر إيدولوجية ، أي من الرابط الخيالي الذي يربط الأفراد بظروفهم الحقيقية في الوجود . بحسب مؤسسه لوسيان غولدمان في كتابه الإله المخفي .وهذا الأخير غاب عن دراسة د. لاهاي . وفي الجانب العربي يعدّ د. سيد البحرواي من النقّاد الذين كتبوا وترجموا عن هذا العلم ورأى بأنه : العلم الذي يدرس العلاقة بين الأدب والمجتمع . وهذا أيضاً لحق بصاحبه وغاب عن الدراسة . ولعل ما أوقعني بحيرة كبيرة ، وقد يقع بها كلّ باحث بعلم اجتماع الأدب يقرأ هذا الكتاب، هل الدراسة بعلم اجتماع العام أم الأدب ؟ هذا التساؤل بسبب وجود الرواد المؤسسين له وذلك في العنوان الذي وضعته المؤلفة (علماء ساهموا لعلم اجتماع الأدب) ونذكرهم بحسب ترتيبها: (كارل ماركس، سيجموند فرويد ، جورج لوكاتش، ماكس فيبر كارل مانيهام ، ايميل دور كهايم، سي رايت ملز ، إرفينغ كوفمان ، علي الوردي) فهؤلاء بحسب د. لاهاي قاموا بإنشاء الطريق الأول لهذا العلم، لكنني أرى أن هؤلاء دورهم اجتماعي بحت ولم تظهر تطبيقات مباشرة على الأدب سوى عند جورج لوكاتش؛ فأضيف عليهم – بحسب إطلاعي – إن الإرهاصات الأولى لولادته كانت من نظرية المحاكاة الكلاسيكة التي أرسى دعائمها أفلاطون وأرسطو سابقاً . وفي العصر الحديث كان لـ (مدام دي ستيال) في كتابها الأدب في علاقته بالمؤسسات الاجتماعية والذي أشارت فيه إلى مدى تأثير الدين والعادات والقوانين على الأدب، والناقد تين في كتابه (مقدمة في الأدب الانجليزي). ذكرنا قبل قليل أن مؤسس علم اجتماع الأدب هو الفرنسي لوسيان غولدمان في كتابه (الإله المخفي) هو أطروحته للدكتوراه التي درس فيها خواطر باسكال ومسرح راسين، وأنطلق من فهمه للعلاقة بين النصّ الأدبي والمجتمع ، إذ يرى إن النصّ الأدبي بنية أصغر تتولد من بينة أكبر ، هي البنية الاجتماعية ، فقام المنهج على (الشرح والفهم) فالأولى يتمّ شرح العمل الأدبي وصولاً إلى البنية الدالة ( مجمل عناصر العمل الأدبي) لتدلل على البنية الأكبر ( البنية الاجتماعية) ثم بالمرحلة الثانية يدرس هذه البينة وفق مصطلح سمّاه (رؤيا العالم): رصد الجماعة التي ينتمي إليها الكاتب ، لم يكتفِ لوسيان عند هذا الحدّ ، بل ألّفَ دراسةً أخرى بعنوان (المنهجية في علم اجتماع الأدب) وكذلك دراسة أخرى ( علم اجتماع الرواية)، ثم جاء من بعد تلميذه بير زيما و رأى: أن علم اجتماع النصّ هو الأصح من سابقه في كتابه ( نحو علم اجتماع النصّ) الذي ركز على القضايا الاجتماعية في المستويات الدلالية والتركيبية والسردية للنص ، ودّرسَ رواية مارسيل بروست (البحث عن الزمن الضائع) ، في العالم العربي دراسات عديدة لنقاد عرب منهم: سيد بحرواي وسيد ياسين فوزية العشماوي في كتابها المرأة في روايات نجيب محفوظ ، أحمد شرّاك ، وهويدا صالح وغيرهم. ما ذكرناه في هذي السطور لم يكن حاضراً في الكتاب، ولا ننوي الإطالة على القارئ ، لكنني لم ألمح أيضاَ تحليل العينة الأدبية المختارة من: (محمود أحمد السيد، غائب طعمة فرمان ، فؤاد التكرلي ، أنعام كجه جي، فلاح رحيم) عرضتْ الدكتورة القديرة نبذة موجزة لكل قصة أو رواية وتعليقات موجوزة وفق علم الاجتماع. ممّا تقدم لا أدّعي الإلمام والشمولية بهذا العلم ، لكنني أملك معرفة متواضعة ؛ ناقشتُ فيها الكتاب. ما قدمته د. لاهاي جهد مقدر ومحاولة للفت النظر على هكذا دراسات.