انتصار استراتيجي للمقاومة الفلسطينية على الهزيمة السياسية للأنظمة المطبعة
د. زهير الخويلدي | كاتب فلسفي – تونس
“حلاوة الظفر تمحي مرارة الصبر”
دخلت أنظمة التطبيع الرسمي والتنسيق الأمني مع العدو في نفق مظلم وتبرير للهزيمة السياسية التي بات يتحرك ضمنها العرب والمسلمين منذ عقود وفشلهم المتكرر في استعادة زمام المبادرة والعبور نحو التحرير.
كما اتسعت رقعة التطبيع لكي تضم العديد من المجالات بما في ذلك الرياضي والاقتصادي والثقافي والتعليمي وتصل الى حد الدعم المالي والعسكري والمعلوماتي للكيان الغاصب من طرف أنظمة ونخب موالية ومرتزقة.
في المقابل زاد الكيان الهجين من مساحة الهيمنة ودرجات الغطرسة وآليات الاعتداء ووصلت الى حد تهويد القدس واكتساح الساحات ومصادرة الأراضي واعتقال الشباب والدوس على الحقوق وابتزاز المناضلات وتدنيس المقدسات وخلع الكرامة واستدراج العملاء وغواية الطامعين وتخويف الصامدين وترهيب المقاتلين.
في زمن الحصار المطبق على محور المقاومة والتنصل من المسؤوليات التاريخية من طرف الأنظمة المعدلة سطع نجم جيل جديد من الصابرين في القدس ومدن الضفة الغربية وغزة الأبية وظهر تيار عربي إسلامي وطني متماسك قادر على الاشتباك والمناورة والضغط وتنويع طرق النضال وامتلاك وسائل متطورة للردع.
لقد اقترب العدو من تجسيم متخيله الخرافي على أرض الواقع ووصلت يداه الى مابعد الفرات والنيل وكادت تلامس مجال الحبشة وفارس وترسخت أقدامه أكثر في الوسط الطبيعي الداعم له وهو الغرب المتركز على ذاته وزاد على ذلك باستقطاب قوى إقليمية صاعدة في الشرق والجنوب والشمال وداخل العمق الحضاري.
غير أن الحدث الجلل في شهر رمضان المبارك هو اندلاع انتفاضة شبابية داخل أحياء القدس من أجل الدفاع واستعادة حي الشيخ جراح المحاصرة بالمستوطنين والمهدد بالتهويد وبانقراض الوجودي للسكان الفلسطينيين وتميزها بالطابع المدني والسلمي وبالأشكال الحضارية العصرية للتنديد والتظاهر والاحتجاج والتعبير عن الرأي وانطلاق مساندة واسعة لها من الداخل الفلسطيني سواء في الضفة أو من عرب 48 أو من الغزاويين.
في هذا السياق عمدت قوات الاحتلال الى التضييق على النشطاء ومارست كالعادة سياسة الاعتقال والغلق والابعاد وتمكن الشباب الفلسطيني المرابط من تحرير ساحة باب العامود من الأسيجة والسلاسل المعرقلة للحركة والمانعة للدخول والخروج واختاروا المكوث فيها طوال الليل والنهار للرد على التهديدات بالغلق.
بعد ذلك تطورت الاشتباكات بين المقدسيين حول الأبواب الرئيسية التي يمر منها المصلين إلى باحات الأقصى وزادت تهديدات المستوطنين للسكان الفلسطينيين في حي الشيخ الجراح واستهدفوا بشكل مباشر المسجد الحرام في ليلة مباركة واقتحموا المصلى واعتلوا السطح وكسروا النوافذ وألقوا قوارير الغاز الخانق داخله مهما مثل تهديدا لحياة المصلين ومنعا لمواصلة أدائهم لشعائرهم في كنف السلم والأمن والحرية.
لهذا السبب دخلت المقاومة الوطنية في غزة على الخط دفاعا عن القدس والسكان المهددين وأطلقت الصواريخ في اتجاه الكيان الهجين ودوت صفارات الإنذار في كامل أرجائه واندلعت المواجهات والتراشق بالنيران واشتعلت الحرب التي أطلقت عليها المقاومة سيف القدس في حين اكتفى العدو بتسميتها بالأسوار العالية.
لقد استمرت الحرب 12 يوم وليلة وتعرض غزة الى قصف مكثف من الجو والبحر عن طريق الطائرات وتقدمت الدبابات الصهيونية الى تخومها مهددة بالاجتياح البري للقطاع دون أن تتمكن من الدخول اليه واكتفت بالمرابضة على أطرافها وارسال القنابل والحمم النارية على الأحياء السكنية والأبراج والمنشئات.
لقد قدم الفلسطينيون الكثير من التضحيات والشهداء والجرحى وتحولت شوارع مدنهم الى ركام من أتربة من شدة القصف ولكنهم تمكنوا من ارسال صواريخهم المتطورة الى معظم مدن الكيان واصابة عاصمته برشقات كبيرة منها وأجبروا الصهاينة على الاختباء في جحورهم وملازمة الملاجئ والمحصنات التي اعدت للغرض.
لقد وجد نظام التمييز العنصري نفسه في وضع لا يحسد عليه وغير قادر على الاستمرار في المعارك وتم توجيه الكثير من نقاط اللوم والانتقادات من الدوائر العالمية بعد تزايد المظاهرات في مختلف أرجاء المعمورة وطلبت الدول الكبرى إيقاف القصف على غزة والتهدئة والتوقف عن خوض المعارك والدخول في هدنة.
لقد انتصرت المقاومة في رد العدوان والاستثبات في القدس وعادت الانتفاضة الى مدن الضفة الغربية وأذعن الاحتلال لإرادة الفلسطينيين ومطالب المجتمع الدولي ونداءات القوى المحبة للخير والعدل والحق في العالم.
نصر بفضل إرادة الفلسطينيين، المجد للمقاومة، عاشت فلسطين حرة ابية وغزة عصية والسيادة للمقدسيين الرحمة والسلام لأرواح الشهداء والتعويض والجبر للمنكوبين والمتضررين والشفاء العاجل لكل الجرحى.
النصر الباهر كان بفضل المقاومة بمختلف قواها الوطنية: كتائب القسام لحماس وسرايا القدس للجهاد والوية الناصر صلاح الدين وكتائب الأقصى لفتح والشعبية والديمقراطية ومعظم الحركات والمجموعات الرافضة.
لقد ساهم الكل في هذا الانتصار الباهر بداية من القوى المناضلة في الداخل مرورا بالقوى الاحتجاجية الشبابية والحركة الإعلامية الكبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي والضغط الديبلوماسي ووصولا الى الفاعلين في ملاعب كرة القدم والرياضات المتنوعة وكذلك نجوم الفن والثقافة والأدب وعروض الأزياء وملكات الجمال.
شركة فيسبوك هي الخاسر الأكبر في هذه الحرب والرابح الأكبر هو محور المقاومة والمناهضين لنظام التفاهة والعولمة المتوحشة والمركزية الغربية والرد البديهي على دعم أمريكا بالقبة الحديدية للكيان الهجين هو دعم العرب والمسلمين للمقاومة بالعتاد والمال والوقوف اللامشروط الى جانب هذه القضية العادلة.
لقد تحقق الظفر بفضل إرادة الفلسطينيين والذي منح المجد للمقاومين والديمومة لفلسطين والحرية لغزة والسيادة للمقدسيين وكان ابو عبيدة الحمساوي أشرف واصدق مع نخبته وشعبه من كل السياسيين والمثقفين العرب مع نخبهم وشعوبهم ولقد تحول بهذا الكفاح القويم والالتزام المبدئي محمد ضيف الذي هتف الشباب المنتفض باسمه في باحات الأقصى وغزة الى رمز وطني لجل الفلسطينيين وبطل واعد للمقاومة الباسلة.
بيد أن أنظمة التنسيق الأمني مع العدو المتربص والكيان الغاشم عاجزة أن تحول الانتصار العسكري الباهر الى نصر سياسي مستحق وتفوق استراتيجي في المنطق يتبعه استثمار ديبلوماسي وحضاري في المستقبل.
لا يختلف المحور الاقليمي الثاني عن المحور الاقليمي الأول الا في شكل التطبيع بينما يظل المحور الاقليمي الثالث هو الداعم الأول للمقاومة والمساهم الأبرز في النصر والحريص على استعادة الحقوق التاريخية الثابتة.
ان شعار الهدوء مقابل الهدوء لا يختلف عن الشعار المخادع الذي مرروا به في السابق التنازل عن الأرض مقابل السلام والأمان وزعموا تحقيق التعايش السلمي بين الشعبين على نفس الأرض والاعتراف والتطبيع. لعل الحرب القادمة سيزول الكيان الهجين من الوجود بإرادة المقاومين وستعود الأرض المحتلة والبيوت المصادرة والحقوق التاريخية إلى أصحابها ولن ينتصر العرب والمسلمون نهائيا على الكيان الهجين بالشعارات الفارغة والمسارات التفاوضية الاستسلامية وانما بالتقدم العلمي وامتلاك التقنيات المتطورة.
من هذا المنطلق يجدر بالكيان الغاصب الهجين الانسحاب من فلسطين وكل الأراضي العربية التي احتلها على الكيان الغاصب الهجين الانسحاب من فلسطين وكل الأراضي العربية التي احتلها منذ 48 و67 و73. فإذا كانت الانظمة العربية المطبعة قد انجبت جيلا تافها فإن فخر الشعب الفلسطيني الصامد أنه أنجب جيلا مقاوما. أليس الانتصار الحقيقي للمقاومة الفلسطينية هو على النزعة الانبطاحية للنظام السياسي العربي والعدو معا؟