النرجسية وأنماطها: تصورًا عامًا في ضوء عقلية الضحية

د. محمد السعيد أبو حلاوة | أستاذ الصحة النفسية المشارك، كلية التربية، جامعة دمنهور

أولاً- مقدمة:

يوجد ولعًا شديدًا لعديد الغالبية العظمي من الناس بمفهوم “النرجسية” ويقال أن كلمة “النرجسية” هي الكلمة الأكثر استخدامًا في البحث على محركات البحث الرئيسية على شبكة المعلومات العالمية؛ ربما بسبب أن لدينا جميعًا وبدون استثناء قدرًا ضئيلاً من ملامح النرجسية كجزء من ماهية الذات الواقعية أو المتخيلة. 

ومع ذلك وقبل التسرع في وسم شخص ما بالنرجسية، قد يكون من المفيد المقارنة بين أنماط النرجسية المختلفة رغم أن كل القواسم المشتركة بين أنماط النرجسية تتمثل في الشعور بالجدارة والاقتدار واستحقاق كل الاحترام والتوقير والإجلال من الآخرين كل الآخرين entitlement، نقص معامل التعاطف مع الآخرين lack of empathy، والحاجة إلى السيطرة need for control، ويعبر في أنماط النرجسية عن هذه الخصائص بدرجات متنوعة من السلوك التي تتباين في مستويات شدتها ودرجة خطورتها، إلا أن غالبية أنماطها ترتبط بصورة عامة ببعض ملامح عقلية الضحية أو عقدة الضحية أو متلازمة الضحية كتمويه على ذلك الخبث النفسي الذي تنطوي عليه الشخصية النرجسية.

ثانيًا- أنماط الشخصية النرجسية:

والسؤال المطروح ما أنماط النرجسية؟

وقبل الإجابة يفترض الإشارة إلى أنه رغم إمكانية إدراج شخص ما تحت فئة “اضطراب الشخصية النرجسية narcissistic personality disorder (NPD)”، لا يوجد تشخيصات كلينيكية منفصلة ومتمايزة أي نمط فرعي من أنماط النرجسية، وتم اكتشاف وتحديد بعض أنماط النرجسية من قبل عديد من الباحثين، بينما يوجد أنماط أخرى لا يوجد تسميات رسمية رغم شهرتها وشيوعها على ألسنة العاديين من الناس وعدد من الخبراء المهنيين العاملين في قطاع الصحة النفسية.

فقد تصورات د. كريج مالكين Craig Malkin, Ph.D., الاختصاصي الكلينيكي والمحاضر في جامعة هارفاد وائتلاف كامبريدج الصحي أن النرجسية “سمة narcissism as a trait”، أو ميل “إنساني عام وشائع pervasive human tendency”، يوجد على هيئة متصل أو طيف واسع spectrum.

ورغم تعذر تشخيص أنماط النرجسية كلينيكيًا أفادت الاختصاصية النفسية الكلينيكية د. بيربيتوا نيو Perpetua Neo,  بأن الكلينيكيون عادة يرون ثمانية أنماط من النرجسية أثناء ممارساتهم الكلينيكية وفيما يلي وصف موجز لها.

1-      النرجسية السوية أو الصحية Healthy narcissism: 

نعم يوجد ما يسميه “الخبراء الكلينيكيون” النرجسية السوية أو الصحية، أولاً لأن وجود سمات النرجسية عند شخصٍ ما لا يعني أنه يعاني من اضطراب الشخصية النرجسية. فوفقًا للدليل التشخيصي الإحصائي الخامس للاضطرابات النفسية الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي لكي يشخص فرد ما على أن لديه اضطراب الشخصية النرجسية لابد أن يظهر عليه على الأقل (55%) من العلامات الأساسية العامة والأكثر ارتباطًا بالنرجسية.  

ويوجد في واقع الأمر لدى عديد من الناس سمات النرجسية دون أن تنطبق عليهم محكات تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية؛ ومن ثم فإن النرجسية العادية أو السوية وأميل إلى تسميتها “الاعتيادية” وليس السوية أو الصحية فئة من فئات النرجسية لها ملامحها الخاصة وربما تكون ذات طابع إيجابي. 

وواقع الحال يقبع في التكوين النفسي لكل إنسان تقريبًا “نرجسي سوي أو اعتيادي” صغير، أشارت إلى ذلك المعالجة النفسية المعرفية أليسا مانكاوAlyssa Mancao أن “الشخص ذوو النرجسية الصحية يشعر دائمًا بالاعتزاز الفخر بإنجازاته ويرغب في التعبير عنها والإفصاح عنها ومشاركة الآخرين فيها لأن هذا الأمر يجعله يشعر بحسن الحال والراح والاعتزاز.

من جانب آخر ترتبط النرجسية الاعتيادية أو السوية بالقدرة على تمكين الشخص من الشعور بالاستحقاق وما يستتبعه من رغبة في احترام الآخرين له وتقديرهم إياه وامتداحهم له وهي مشاعر طبيعية ترتبط بالواقع في كثيرٍ من الحالات. 

2-   النرجسية القائمة على ادعاء العظمة Grandiose narcissism:

تعبر النرجسية المرتكزة على ادعاء الشخص بالعظمة والتهويل من شأن الذات والشعور بالقيمة والاقتدار والأهمية المبالغ فيها جدًا عن الفهم العام لتعبير “النرجسية والشخص النرجسي” في واعية رجل الشارع العادي.

بينما يشير تعبير “العظمة grandiosity” من زاوية علم النفس امتلاك الشخص شعورًا غير واقعيًا بتفوقه وتمايزه النوعي الشديدة الأمر الذي يرتبط في العادة بالاستعلائية والصلف والغرور والعجرفة في سياق المبالغة الشديدة في تقييمه لقدراته وتأكيده لأحقيته في السيطرة على الآخرين ووجود ما يمكن تستميته “تضخم تقدير الذات”. 

ودرس هذا النمط من النرجسية بصورة مكثفة في أدبيات المجال ووضعت له أدوات قياس ونشر عنه دراسات علمية عديدة، غالبًا مقارنة بالنرجسية الهشة أو الضعيفة vulnerable narcissism أو النرجسية الخفية أو الكامنة covert narcissism”.

ويسقط وصف النرجسية القائمة على العظمة عندما تتبدى على الشخص مظاهر الاستعلاء وعدم التوقف عن الذات وعن إنجازاتها تيهًا وعُجبًا وتفاخرًا بما ربما يمثل ما يصح تسميته “الهوس أو الانشغال القهري بالوسواسي بالذات self-obsession على حساب الآخرين.

وأفادت د. بيربيتوا نيو Perpetua Neo بأن ذوي النرجسية القائمة على العظمة يمكن أن يكون مظهرهم الخارجي براق وجذاب ومع ذلك لا يوجد لديهم أي تعاطف مع الآخرين، وتراهم في تعبيراتهم اللغوية وحواراتهم لا علاقة لهم بالآخرين بل لا يتوقفون عن التحدث عن أنفسهم وأنفسهم فقط، ربما نتيجة جوعهم وعطشهم ونهمهم التام لأن يكون في بؤرة انتباه واهتمام الآخرين، مع استمتاعهم برؤية الآخرين في حالة من الضعف الارتباك والحيرة والغموض بما يسهل من إمكانية استغلالهم والتلاعب بهم.  

وعند التعامل مع مثل هذه النوعية من النرجسيين أو أي نمط آخر في واقع الأمر من المهم جدًا وضع حدودًا فاصلة واضحة بينك وبينهم، وعليك أن تعلم أن بإمكانك أن تكون مهذبًا ومؤكدًا لذاتك في نفسك حيث لا تعارض على الإطلاق.

وأشارت د. بيربيتوا نيو Perpetua Neo إلى أن ذوي النرجسية المرتكزة على العظمة أو ادعاء العظمة وتوهمها قد يلجئون في الغالب إلى تكسير الحدود بينك وبينهم واقتحام حدودك الشخص لمحاولة إثبات تفوقهم واستعلائهم عليك، وهذا أمر يتوقف على ردود أفعالك تجاه مثل هذه المحاولات، إذ لو كانت ردود أفعالك حاسمة وقاطعة ورافضة تراهم يتوقفون فورًا وربما يبدون تلطفًا وودًا زائفًا معك، أو قد يدخلون في نوبة من الحنق والغضب والثورة الانفعالية إذا توهموا أنك أضعف منهم.

3-   النرجسية الهشة الضعيفة Vulnerable narcissism:

وتعرف أيضًا باسم النرجسية الكامنة أو الخفية، وهي الوجه المناقض للنرجسية الفظة الوقحة القائمة على ادعاء وهم العظمة، وغالبًا يعاني من لديهم النرجسية الهشة من الخجل والرهبة والتهيب ومحو الذات أو التخفي self-effacing، ويتصف من تنطبق عليهم ملامح النرجسية الهشة أو الخفية ما يعرف بالكف السلوكي والتوتر والضيق والحساسية الزائدة من تقييميات الآخرين فضلاً عن امتلاء تكوينهم النفسي الحسد والحقد والضغائن التي يجبنون عن التعبير عنها، عادة تجد مثل هذه النوعية من الأشخاص في حالة من الجوع الدائم لتقدير الآخرين لهم، وغالبًا يكونون في وضعية من الدفاعية في مواجهة الانتقادات التي توجه لهم.

ويتصف ذوو النرجسية الهشة أو الخفية الكامنة وفقًا لتصورات مالكن Malkin بالتعاسة والبؤس ويعتقدون أنه لا يوجد إنسان في الكون يعاني مثلهم وأن معاناتهم لا ترد على أحد غيرهم.

4-   النرجسية الخبيثة Malignant narcissism:

كما يتبدى من الاسم هو أشخاص ماكرون مخادعون متلاعبون انتهازيون، ويظهرون علامات السادية والعدائية والعنف والعدوان، وتعد النرجسية الخبيثة أسوأ وأشد الأنماط الفرعية لاضطراب الشخصية النرجسية.

وعادة يمتلئ التكوين النفسي لذوي النرجسية الخبيثة بالسرور واللذة عندما يرون الآخرين في حالة من التألم والضعف وعدم الراحة، وعبر د. دانيل فوكس Daniel Fox, Ph.D. و د. بيربيتوا نيو Perpetua Neo عن هذا الأمر بأنه إذا عرفت شخصًا تنطبق عليه ملامح النرجسية الخبيثة تجنبه تمامًا ودون تردد واكسر كل خطوط وروابط التواصل بينك وبينه، واعلم أن أي محاولة تقون بها لتثبت تفوقك عليه لن يكتب لها النجاح بل يتصاب أنت بالتعب والإعياء دون فائدة، لأن ذوي النرجسية الخبيثة ينفقون حياتهم بالكامل في تحقيق المزيد من التمكين لخصائص النرجسية الخبيثة. 

5-   النرجسية الجنسية Sexual narcissism: 

يوجد لدى ذوو النرجسية الجنسية إعجابًا غريبًا ومفرطًا بقوتهم الجنسية والذي يصل إلى الهوس القهري الوسواسي بهذه القوة المتوهمة فيما سمته د. براندون ساتان قوة جسد الرجل الأخضر فضلاً عن الحاجة القهرية للحصول على إعجاب وتقدير الآخرين بقدرتهم الجنسية.

ويتصف ذوو النرجسية بسلسلة من الخداعات ويستخدمون التلاعب والانتهازية وحيل الاستغلال لإثبات هذه القوة وارتكاب خطايا وسلوكيات ضارة ومؤذية لضحاياهم.

وعادة ما ينظر إلى النرجسية الجنسية في إطار نظام ثلاثي التكوين للنرجسية تتضمن: النرجسية الجنسية sexual narcissism، والنرجسية الجسمية somatic narcissism، والنرجسية المخية cerebral narcissism، ورغم ذلك لم تثبت الدراسات العلمية هذا النظام النرجسي رغم اعتراف عدد من الخبراء المهنيين العاملين في مجال الصحة النفسية بهذا النظام النرجسي. 

6-  النرجسية الجسمانية Somatic narcissism: 

يميل ذوو النرجسية الجسمانية إلى الإعجاب الشديد والمبالغة التامة في تقدير ذواتهم الجسمية، وعبرت عن ذلك المعالجة النفسية كريستين سكوت ـ هودسونChristine  Scott-Hudson في إطار تصورهم أنهم الأجمل والأقوى والأكثر رشاقة من كل الآخرين.

ويعاني ذوو النرجسية الجسمية من هوس شديد بوزنهم ومظهرهم الشخص وعادة لا يتوقفون عن نقد الآخرين ويؤسسون نقدهم لهم على مظهرهم الجسماني، فضلاً عن تجاهلهم حاجات الآخرين ويقدمون أنفسهم على الآخرين في كل شيء. 

وأفادت كريستين سكوت ـ هودسونChristine  Scott-Hudson أنه إذا كتب لك التعامل مع مثل هذه النوعية من النرجسيين تجنب أن تظهر لهم أي استجابات انفعالية كرد فعل على سلوكهم حتى لا تقدم لهم تغذية راجعة إيجابية تعزز صلفهم وغروهم ونرجسيتهم الجسمانية. 

7-   النرجسية المخية أو النرجسي الدماغي Cerebral narcissist: 

ويطلق عليه النرجسي العقلي أو المعرفي أو الذهني أو الفكري intellectual narcissists كتعبير عن حالة اعتداد الشخص اعتدادًا تامًا ومطلقًا بعقله مقارنة بالنرجسي الجسمي أو النرجسية الجسمية التي تمثل حالة الفخر التام بالجسم.

ويحقق ذوو النرجسية الدماغية هذه إشباعاهم للجوع للتقدير من خلال الشعور بالتميز وأنهم  الأكثر فهمًا والأكثر براعة والأكثر دهاءً مقارنة بالآخرين، ولإثبات قوة الأنا المفعمة بالغرور لديهم يحاولون إثبات أن الآخرين كل الآخرين لا ذكاء لديهم ولا يفهمون شيئًا.

وإذا كتب لك التعامل مع مثل هذه النوعية من الأشخاص النرجسيين فأنت تهين ذاتك، لأنك لا تربح أي جدال أو نقاش معهم، كل ما عليك تجاهلهم والتوقف عن الحوار معهم في أي قضية. 

8-   النرجسية الروحية Spiritual narcissist:

يستخدم ذوو النرجسية الروحية نرجسيتهم غالبًا لتسويغ وتبرير سلوكياتهم المؤذية والضارة بالآخرين، ويميلون إلى التوظيف الخبيث للشعارات الدينية لترويع الآخرين.

ووصف د. بيربيتوا نيو Perpetua Neo  هذا الأمر بقولها “يرغب ذوو النرجسية الروحية في ترويج رؤاهم المثالية عمن أنفسهم وتصوير أنفسهم كملائكة ربما هروبًا من ذواتهم الهشة المنكسرة غير الآمنة، ويميلون إلى استخدام الأفعال الروحية للإعلاء من قيمة أنفسهم أمام الآخرين، مع التوجه للزعم بأن الآخرين مخطئون ومذنبون على الدوام، وكل ما عليك فعله عند التعامل مع هؤلاء الأفراد الابتعاد عنهم فورًا لأنهم يوظفون نرجسيتهم الروحية لاستغلالك والتلاعب بك.

ثالثًا-عقلية الضحية- تعريفها وخصائصها:

لُعْبة اللوم: كتمهيد لعقلية الضحية:

إنه خطؤك؟! أو باللهجة المصرية: انتا الغلطان؟ كم مرة تسمع هذا التعبير على مدار اليوم؟ وكم مرة نستخدمه نحن في تعاملنا مع الآخرين؟ يبدو أننا مبرمجون تلقائيًا وفقًا لتكوين عقلي دافع لنا باتجاه تحويل اللوم إلى شخص آخر أو شيءٍ آخر عندما تسير الأمر على ما لا يرام أو على نحو مغاير لما نريد. تذكر فقط عندما لا سبيل المثال سكب منك كوب من اللبن على الأرض وجاءتك والدتك لتسألك من فعل هذا؟ ربما الإجابة التلقائية: ليس أنا!! الخطأ يقع على من لم يزيل الشيء الذي تعثرت فيه؟!! وهنا عزو الخطأ إلى شيء آخر وليس عزوه إلى الذات على الإطلاق، ومن هنا نتعلم بصورة تدريجية إنكار مسئوليتنا عن أي أحداث خاطئة بل نتوجه تلقائيًا نحو إلقاء اللوم على شيء آخر خارج تكويننا.

والسؤال: لماذا نتوجه بصورة تلقائية نحو لوم الآخرين؟ فيما يلي مجموعة من الأسباب التي تمثل ما يصح تسميته حيلاً دفاعية شائعة يميل معظمنا إلى استخدامها:

  • وقاية الذات Self-protection: عندما نبرئ أنفسنا من المسئولية عن شيء ما نشعر بالأمن، كما أن عزو الإنسان الأخطاء أو الإخفاقات ومظاهر الخلل لذاته يجعله يشعر بالضعف وقلة الحيلة واتخاذ موقف سلبي من الذات قوامه الاستياء والنفور ؛ ومن ثم يميل الإنسان تخلصًا من كل هذه التداعيات إلى تحويل التركيز السلبي من ذاته إلى الآخرين أو المواقف، بما يمثل نوع من الحماية المؤقتة للذات من الشعور بالذنب والخزي والمسئولية.
  • الشعور بالضبط أو السيطرة Sense of control: عندما ينشط الغضب ونقول أشياء مهينة لشخص ما أمامنا نميل إلى لومه وتحميله المسئولية عن تصرفنا هذا تجاهه، الأمر الذي يعني أننا لم نفقد السيطرة على أنفسنا بل الشخص الآخر هو الذي دفعنا إلى هذا الأمر.
  • تغطية ضعفنا أو انكسارنا والتمويه عليه Masks our fragility: حيث يكمن في تكوين كل منا رغبة في إخفاء مظاهر صعفه وصور قصوره، لذا نميل إلى لوم الآخرين لنظهر أننا أقوياء، ولتعزيز ثقتنا بأنفسنا للحفاظ على صورة الذات، وواقع الحال أن بداخل كل منا طفل خائف يحتاج إلى حماية نفسه.
  • تسويغ “تبرير” المرء لأفعاله والتماس الأعذار عنها Excusing one`s actions: عندما نلوم الآخرين أو الظروف أو المواقف إننا نسوغ أو نبرر اختياراتنا التعبيرية، على سبيل المثال عندما نؤذي شخص آخر، نميل إلى التأكيد على أنه لم يكن أمامنا أي اختيار آخر، وأن الشخص الآخر هذا هو من أجبرنا على إيذائه، وهنا كأننا نمارس لعبة “المسيء يلوم الضحية”، وأن سلوك الضحية هو السبب في تعرضها للإساءة.
  • للاعتداء على شخص آخر ووضعه في زاوية الدفاع عن الذات To attack another person:  وقد يتم هذا الأمر بأسلوب لا شعوري عميق، وفقًا لعقلية خير وسيلة للدفاع الهجوم. ولماذا أنتظر أن يهاجمني الآخر ويسبب أني على خطأ.
  • اللوم ربما يكون عادة مكتسبة “متعلمة”: بالنسبة للبعض منا يعد لوم الآخرين عادة نتعلمها من السياق الاجتماعي الحياتي الذي نعيش فيه، فقد نتعلم أنه من الخطر أن يكون الإنسان شاعرًا بأنه لا قوة له ولا حيلة له أمام الآخرين، وأن ما يقوض هذا الشعور المبادرة بلوم الآخرين والظروف والمواقف.

وما يمكن الإشارة إليه أن “اللوم” لُعْبة خطيرة”؛ لكونه يمنعنا من إمعان النظر في أنفسنا والتدبر فيها ومن ثم يحول بينا وبين تصويب ذاتنا. فعندما نلوم الآخرين أو الظروف ندخل في دوامة خبيثة من الصدام الدائم مع الآخرين وربما مع الحياة بصورة عامة بما يخنق نمونا الشخصي ويموه ويخفي ماهيتنا وطبيعتنا النفسية على الحقيقة.

عقلية الضحية- تعريفها وخصائصها:

هل تعرف شخصًا ما يبدو أنه يستمرئ لعب دور الضحية في كل المواقف الحياتية تقريبًا؟ إذ كان الأمر كذلك اعلم أن هذا الشخص تسيطر عليه ما يعرف بالإبحار في الحياة بعقلية الضحية، ويطلق عليها أحيانًا “متلازمة الضحية victim syndrome”، أو “عقدة الضحية victim complex”.

وتتأسس عقلية الضحية أو متلازمة الضحية على ثلاثة اعتقادات جوهرية تتمثل فيما يلي:

  • الأشياء السيئة تحدث وسوف تستمر في الحدوث ولا يمكن التدخل لإيقافها أو منعها.
  • يقع اللوم على الآخرين أو الظروف.
  • أي مجهود لمحاولة التغيير سيبوء بالإخفاق؛ لذلك لا جدوى من المحاولة.

وتتبدى عقلية الضحية ومتلازمة الضحية كثيرًا في الثقافة الشعبية والتفاعلات الحوارية غير الرسمية للإشارة إلى الأشخاص الغارقون في غيابات جب السلبية Negativity  والذي يلونون بها الحياة ويفرضونها على الآخرين.

ويجدر الإشارة إلى أنّ “ذهنية الضحية”، أو “متلازمة الضحية”، أو “عقدة الضحية” ليس مصطلحًا طبيًا رسميًا، ويميل غالبية الخبراء المهنيين العاملين في القطاعات الصحية إلى تجنبه نظرًا للوصمة التي تتعلق به.

وغالبًا يشعر من تسيطر عليهم عقدة الضحية هذه أنهم في حالة دائمة من الاستهداف والضعف والقصور والعجز، ولا يتوقفون عن التعبير اللفظي والسلوكي عن ملامح السلبية العامة في الحياة، رغم ما يموج في تكوينهم النفسي من تعاسة وآلام وبؤس مدمج تكوينيًا في وجهتهم الذهنية هذه في الحياة. 

وأفادت فكي بوتنيك Vicki Botnick, اختصاصية العلاج الزواجي والأسرة في مدينة نارزانا بكاليفورنيا بأن بعض الناس يتوحدون أو يتماهون مع دور الضحية عندما يتصور بصورة يقينية أن ما يعتريهم من بؤس وتعاسة وأسى بسبب أشخاص آخرين أو ظروف قهرية وليس بإمكانهم القيام بأي شيء حياله أو حيال هذه الظروف؛ وبالتالي الاعتقاد بأن لا جدوى من محاولة لتغيير هذه الوضعية. 

وتتعلق عقلية الضحية بعدد من الخصائص العامة يمكن تناولها على النحو التالي:

  • تجنب المسئولية Avoiding responsibility: من الملامح الأساسية لذهنية أو متلازمة الصحية فيما أفادت فكي بوتنيكVicki Botnick نقص المحاسبية، وربما تتضمن هذه الخاصية ما يلي:
  • إلقاء اللوم على شيء آخر لا علاقة مباشرة له بالحدث أو الشدة أو الصدمة.
  • اختلاق الأعذار.
  • عدم تحمل المسئولية أو استحالة تصور أن مسئولية ما تلقى على عاتق من يوجد لديه هذه العقدة أو المتلازمة.
  • التجاوب مع كل متاعب وصعوبات ومشكلات الحياة وعثراتها بذهنية “هذا ليس خطأي”.

وما يجدر الإشارة إليه أن الأشياء السيئة والمقيتة تحدث ولن تتوقف عن الحدوث، وربما تحدث لأناس لا يستحقونها، ومن المفهوم أن من يواجهون صعوبة بعد أخرى قد يتصورون أن العالم خارج نطاق سيطرتهم ولا قبل لهم بالتحكم في أحداثه ووقائعه، إلا أن واقع الحال يشير إلى أن عديد من المواقف تقع فيها على الإنسان مسئولية شخصية للتصدي لهما والسيطرة عليها وربما منع حدوثها.

  • عدم البحث عن حلول ممكنةNot seeking possible solutions: يصعب قبول الادعاء بأن كل المواقف السلبية يتعذر السيطرة عليها أو ضبطها، حتى وإن بدا الأمر في البداية هكذا.  وغالبًا يوجد خطوات ولو صغيرة للفعل يمكن أن يقوم بها الإنسان لتحسين الموقف.  ويلاحظ على من يعيشون في ظروف حياتية تعزز ذهنية أو مركب وعقدة الضحية فقدان الاهتمام بالقيام بأي محاولات لتغيير الموقف، بل ربما يرفضون المساعدة التي توجه لهم، وربما يبدون مهتمون ومبالغون في الاندماج في مشاعر الأسى والحسرة على أنفسهم. وما يجدر التنويه إليه أن قضاء وقت قصير في ابتلاع البؤس واجتراره ليس أمرًا مأساويًا أو غير سويًا في كل الأحوال، بل قد يترتب عليه الاعتراف بالبؤس والتعاسة؛ ومن ثم ربما يوجه الشخص نحو معالجة الانفعالات المؤلمة وتحليلها وتفسيرها والتعامل معها لكن لا بد أن يكون لهذا الاجترار نهاية.
  • الشعور بالعجز A sense of powerlessness: يعتقد عديد ممن تنطبق عليهم عقلية الضحية بأنهم لا يمتلكون أي قوة لتغيير المواقف، ورغم ذلك لا يحبون الاستمرار في الشعور بالتعاسة أو الكآبة ويتمنون أن تسير الأمور على ما يرام لكنهم لا يقومون بأي فعل لتحقيق ذلك لاعتقادهم بافتقاد القدرة على إحداث أي تغيير في حياتهم.
  • التحدث السلبي من الذات والتماوج في تصورات التضحية بالذات “كبش الفداء”Negative self-talk and self-sabotage: ربما يستدخل ذوو عقلية الضحية في تكوينهم النفسي رسائل سلبية لا يتوقفون عن التصريح بها لأنفسهم فيما يعرف بالكلام الداخلي أو الحوار الذاتي السلبي الداخلي ومن هذه الرسائل والتي تعكس اعتقادات خاطئة:
  • كل شيء سيء يحدث لي.
  • لا أستطيع فعل أي شيء حيال ذلك، وعليه لماذا المحاولة؟
  • أستحق ما الأشياء السيئة التي تحدث لي.
  • لا يوجد أي إنسان يهتم به أو يهمه أمري.
  • نقص الثقة في الذات Lack of self-confidence: يعاني من يعيشون دور الضحية من متاعب جوهرية وقصور حاد في الثقة في الذات، فضلاً عن انخفاض معامل تقديرهم لذواتهم؛ الأمر الذي يزيد من حالة البؤس والتعاسة النفسية لديهم ويعمق من حالة أو عقدة الضحية في تكوينهم النفسي. فقد تدور اعتقاداتهم عن أنفسهم حول مقولات سلبية منها “أنا لست بارعًا بصورة كافية للحصول على وظيفة أفضل”، أو “أن لست موهوبًا بصورة كافية لكي أنجح”، وتفضي سيطرة مثل هذه الاعتقادات عليهم إلى الكف عن محاولات تطوير ذاتهم أو تنمية قدراتهم أو اكتشاف مكامن قوتهم.
  • الإحباط، الغضب، والاستياء أو الامتعاضFrustration, anger, and resentment:يمكن أن يفضي سيطرة عقلية الضحية على الشخص إلى التأثير السلبي على طيب حياته الانفعالية، وعادة يشعر ذوو هذا التوجه الذهني في الحياة بما يلي:
  • الإحباط والغضب في العالم مع شعوره بأن العالم كله يقف ضده ويعانده.
  • اليأس والاعتقاد بأن الظروف لن تتغير أبدًا.
  • كسر الخاطر والجرح الانفعالي عند الاعتقاد بأن من يحبونه لا يهتمون به ولا يأبهون لشأنه.
  • الاستياء والامتعاض والغيظ من الناس الذين تتبدى عليهم السعادة والنجاح.

وتوجد مجموعة من العوامل المسهمة في تكوين متلازمة الضحية أو عقلية الضحية تتمثل أهمها فيما يلي:

  • الصدمات السابقة Past traumas: قد يبدو الشخص الذي تسيطر عليه عقدة متلازمة الضحية شخصًا غريب الأطوار ومأساويًا في تفكيره وانفعالاته وسلوكياته، إلا أن هذه العقلية تتخلق في جزءٍ أساسي منها بسبب التعرض السابق لصدمات وخبرات إساءة وتعرض لإيذاء فعلي في الماضي. ويمكن أن تنشأ هذه العقلية كطريقة لمواجهة سوء المعاملة أو الصدمات، إذ أن مواجهة ظروفًا سلبية مرة بعد أخرى أو بشكل متتالٍ يهيئ وضعية حياته مواتية لتكوين عقدة متلازمة الضحية. ومع ذلك يجدر الإشارة إلى أنه هذه الذهنية لا توجد بالضرورة وبشكل سببي مباشر لدى كل شخص يتعرض لخبرات صادمة، كما أن الألم الانفعالي المرتبطة بالتعرض للخبرات الصادمة عادة يعوق قدرة الشخص على الضبط والسيطرة ويسهم في تخليق مشاعر العجز إلا أن يجد نفسه في نهاية محاصرًا به وغارقًا فيه. 
  • التعرض للخيانة Betrayal: لا ريب في أن خيانة الثقة خاصة الخيانات المتكررة تلعب دورًا في شعور الناس بأنهم ضحايا ويصعب عليهم الثقة في أي شخص آخر.
  • الاعتمادية أو التكافلية التطفلية Codependency: يمكن أن تتطور عقلية عقدة متلازمة الضحية مقترنة بظاهرة “الاعتمادية الشديدة والتعلق التطفلي التام” فقد يضحي ذلك الشخص بأهدافه من أجل تدعيم شريكه، بما قد يترتب على ذلك من شعور بالإحباط والاستياء نتيجة يقينه أنه لن يحصل أبدًا على ما يريد.
  • التلاعب والانتهازية والاستغلالية Manipulation: ربما يبدو بعض من يمارسون دور الضحية الاستمتاع بلوم الآخرين على مشكلاتهم الشخصية، وقد يقومون بأفعال معينة تجعل الآخرين يشعرون بالذنب أو ربما يميلون إلى التلاعب الآخرين للحصول على انتباههم وتعاطفهم، رغم أن ذوي عقلية الضحية هو بالأساس ضحايا الانتهازية والتلاعب والاستغلال من قبل الآخرين.

وعقلية الضحية سمة شخصية مكتسبة يميل بموجبها الشخص إلى اعتبار نفسه ضحية للأفعال السلبية من قبل الآخرين تجاهه، ويتصرف كما لو أن كل ما في الكون والحياة من وقائع وظروف تقف ضده ولا قبل له على مواجهتها أو التعامل معه وأنه رهين دائمًا لتأثيراتها التي لا يمكن سيطرته عليها، حتى لو وجدت وقائع وأدلة تفيد عكس ذلك، وقوام عقلية أو ذهنية الإبحار في الحياة بما يعرف “عقدة أو متلازمة الصحية” عمليات تفكير وعزو مختلة وظيفية ومشوهة وغير تكيفية.

وعادة يكون من يتبنون هذه عقلية الضحية في الحياة بما يكمن في تكوينها من نسق اعتقادات وتصورات مختلة ضحية سوء تصرفات الآخرين حيالهم أو تعرضهم بصورة متكررة لسوء المعاملة ولأحداث سيئة لا قبل لهم بالسيطرة عليها أو ضبطها أو منع حدوثها، أو تصورهم أن حظهم وقدرهم عثر في الحياة دون أي يكون لهم ذنب فيه ودون أن يكونوا قد ارتكبوا أي أخطاء تستوجب ما يحدث لهم. 

ورغم ذلك لا يتصور أن تعرض الشخص لحظ عثر أو محن وشدائد ما يفترض أن يفضي بالضرورة وبصورة آلية إلى اكتسابه عقلية الضحية، ومع ذلك فإن عديد من الناس تسيطر عليهم فكرة أنهم مظلمون على الدوام وأن ليس لهم نصيب في الدنيا وأنهم كتب عليهم هكذا البؤس والتعاسة دون ذنب منهم ودون أي أخطاء ارتكبوها.

ويستخدم مصطلح “عقلية الضحية” ليعبر أيضًا عن ميل بعض الأشخاص إلى لوم  الآخرين أو الظروف على ما يحدث لهم من متاعب وشدائد أو صدمات أو سوء حظ ربما تبرئة للذات.

وتنشأ وتتطور عقلية الضحية بصورة عامة في سياق الخبرات السيئة والمقيتة والمواقف العصيبة التي يتعرض لها الإنسان في مرحلة الطفولة، وعادة على سبيل المثال ما يندمج المجرمون في التفكير بعقلية الضحية معتقدين أن ما يقومون به من جرائم أمرًا مسوغًا كرد فعل لذلك العالم الظالم وغير الأخلاقي والمفعم بصورة الإجحاف وسوء المعاملة والاضطهاد الذي تعرضوا له طوال حياتهم. 

ومع استقرار الإبحار في الحياة بعقلية الضحية والتماهي معها يتكون ما يعرف اصطلاحًا ب “هوية الضحية victim identity” كتعبير عن تعريف ذاتي للشخص مفاده اعتبار ما تعرض له من أزمات وصدمات وأمراض أو أي مشاق ومتاعب أخري في حياته أمرًا طبيعيًا ومكتوب عليه وجزء من تكوين مفهومه لذات”، وعادة ما تتعلق هذه الهوية بنسق اعتقاد يتماهى فيه الشخص بعض عدد من التعبيرات التي يعتبرها مسلمات منها:

1- الحياة صعبة وتجربة مفعمة بالمآسي والصدمات، وهي جزء طبيعي في بنيتها.

2-  لا تنهض، فكلما نهضت أردت الحياة ومتاعبها مرة ثانية وثالثة ورابعة.

3- تميز الحذر الشديد، احذر من الخداع واقبع في ركن معزول في الحياة.

4- لا يمكنك الثقة في أي أحد.

5- لا أستطيع. 

6- أنت لا تفهم مدى صعوبة الأمر بالنسبة لي.

7- يتعمد الجميع التنمر على ومضايقتي، اجتمع الكل على مضايقتي.

8-  الآخرون دائمًا أقوى وأذكي مني ويمتلكون ما يؤثرون به علي.

وتأسيسًا على ذلك يتأسس ما يعرف بمثلث عقدة عقلية الضحية Victim Mentality Triangle Complex، والسؤال الأساس في هذا السياق ما المقصود بعقلية الضحية؟ What Is a Victim Mentality?: لا تسير الحياة الإنسانية على وتيرة واحدة بل سياقًَا وجوديًا مفعمًا بالأفراح والأتراح، بيسر الحال حينًا وعثره أحيانًا كثيرة، ويسلم الجميع تقريبًا أن “الحياة الإنسانية” رحلة معاناة وكدر ومتاعب ومشاق وربما شدائد وصدمات يتعرض لها ربما الجميع على نحو يومي، كأن المعاناة في الحياة هي القاعدة والاستثناء هو الدعة والراحة ويسر الحال. 

ويجدر الإشارة إلى أنه يوجد ميل لدى بعض الناس إلى تصوير أنفسهم على أنهم وعلى الدوام ضحايا وكبش فداء بل يتصورون أن ما تلقيه عليهم الحياة من متاعب وعنت ومشاق لا ذنب لهم فيه ولا إثم معين ارتكبوه ليستحقوا مثل هذه المشاق أو المتاعب والعنت، ويقترن بهذا التصوير للذات مع اعتقاد أنهم لا يمتلكون أي قدرة أو إمكانيات للسيطرة على المواقف الصعبة أو تجنبها أو على الأقل تحييد أثرها ويتصورون أن مشكلاتهم في الحياة لا ذنب لهم فيها ولا طاقة لهم على تغييرها أو حلها؛ ومن ثم لا سبيل إلا قبولها والاستسلام لها، ويعبرون عن هذه الوضعية الوجودية في الحياة بقولهم دائمًا “هكذا هي الحياة، لا حظ لنا فيها، وقدر علينا هكذا جبرًا أن نعاني دون ذنب أو إثم ارتكبناه”، وعلى ذلك تراهم في حالة دائمة من السخط ولوم الآخرين ولوم الظروف ولوم المواقف للأحداث التي يتعرضون لها، بما يعد تجسيدًا لعقلية الضحية.  

ورغم ما تقدم يبقى السؤال ماذا يُقْصدُ بالضبط بعقلية الضحية؟ يمكن تصور مصطلح “عقلية الضحية على أنه تكوين نفسي متعدد الأبعاد تضمن على الأقل الأبعاد الثلاثة التالية:

1-  إنه ليس خطأي “It’s not my fault؟! بما يعبر عن ميل من تسيطر عليه عقلية الضحية إلى الزعم بأن كل شيء يحدث له هو بسبب أخطاء الآخرين، فقد يتصور أن ما يعانيه في الحياة من متاعب وعنت ومشاق سببه شريك حياته، أعضاء أسرته، زملاؤه في العمل، أو أصدقاؤه؛ ومن ثم لا يتوقف عن الشكوى منعم وتوجيه اللوم لهم على الدوام وتحميلهم المسئولية مع التأكيد على أن الظروف التي يتواجد فيها خارج نطاق قدرته على السيطرة عليها أو ضبطها أو تغييرها. 

2-  إنها ليست عقدة التضحية بالذات أو ادعاء دور الشهيدIt’s not a martyr complex:  قد يتم الخلط دلاليًا بين عقلية الضحية وما يعرف بالتضحية بالذات من أجل الآخرين martyr complex ورغم التشابه بين السلوكيات المتضمنة في الحالتين إلا أن الفروق بينهما واضحة؛ فعقدة عقلية الضحية تتعلق بأن من تسيطر عليه يشخصن أحداث ومواقف ووقائع الحياة ومشكلاتهم حتى وإن كانت التعليقات والتعبيرات غير موجهة له أو لا تعنيه فتراه يقول على الدوام “ما الذي فعلته ليحدث لي هذا الأمر؟”. بينما من يضحي براحته ومجهوده من أجل الآخرين غالبًا ما يرى أنه هذا الأمر واجب عليه، حتى وإن لم يطلبوا منه ذلك.

3-   لا يمتلكون أية ميكانيزمات أو آليات مواجهة أو دفاعNo coping mechanisms: يعاني من تتملكهم عقلية الضحية خاصة عند مواجهتهم متاعب أو صدمات من نقص في استراتيجيات المواجهة بل يشعرون بالضعف والعجز؛ ومن ثم ينشأ لديهم نظرة سلبية للحياة، خاصة وأن اعتقادهم بأن أي شيء يحدث ليس بسبب خطأ منهم، لا يوجد لديهم أي شعور بالمسئولية عن حياتهم، ويتصورون أنها مقررة سلفًا لهم بالنحو التي هي عليه.

رابعًا- هل يمارس الشخص النرجسي لُعْبة دور الضحية؟

1-  يوجد شبه اتفاق بين المتخصصين في مجال دراسات “اضطرابات الشخصية” أن لعب دور الضحية وادعائه على الدوام جزءً من مركب أو عقدة اضطراب الشخصية النرجسية narcissistic personality disorder.

إذ يوجد ميل عام لدى الشخص النرجسي  إلى المعاناة من نقص جوهري في التدبر والتأمل في الذات اقترانًا بشعورهم المبالغ فيه بالتفوق والتميز والتوجه نحو الاستعلاء على الآخرين؛ ومن ثم يعجزون عن رؤية وتأويل وقائع وأحداث وردود أفعال الآخرين نحوهم على نحو دقيق ويتصورن أنها أقل على الدوام مما يستحقونه، وعلى ذلك يعتبرون أنفسهم ضحية لعدم فيهم الآخرين لمكامن قوتهم وجوانب تميزهم، ومن هنا قد يلعبون دور الضحية في بعض المواقف وفقًا لبعض السيناريوهات. 

الميل إلى الاستبطان المنخفض إلى جانب الشعور المبالغ فيه بالتفوق قد يجعلهم غير قادرين على رؤية الموقف بطريقة لاتتناسب مع نظرتهم للعالم. نتيجة لذلك، قد ‘يلعبون دور الضحية’ في بعض السيناريوهات.

وقد يكون من الغريب القول بأن “الشخص الذي يعاني من اضطراب الشخصية النرجسية” يمكن أن يلعب دور الضحية شأنه شأن الآخرين لأن الملامح الأساسية التي يتصف بها النرجسي تتمثل في شعوره بالعظمة والتفوق والتميز التام على الآخرين وبحاجته التي لا حدود لها للقوة، وعلى ذلك ماذا نعني بممارسة النرجسي لعبة دور الضحية؟ الأمر الواضح أنه يمارس هذا الدور بتعمد وعن قصد وكحيلة وتكتيك للتلاعب بالآخرين واستغلالهم وع علمه يقينًا بأنه ليس ضحية، ويمارس هذا الدور لجعل الآخرين في وضعية الدفاع الدائم عن أنفسهم ولتسويغ توجه اللوم والنقد الشديد لهم.

2-  اضطراب الشخصية النرجسية وعقلية الضحية:

كشفت نتائج دراسة أجراها كل من مايكل إي مكولوغ وروبرت إيمونز وشيلي كليباتركوكورتنينموني (2003)  عن أن ذوي المستويات المرتفعة من النرجسية ربما يرون أنفسهم كضحايا للعنف بين الشخصية والتجاوزات الشخصية التي يرتكبها الآخرون في حقهم خاصة قيام هؤلاء الآخرين بعدم إشباع حاجات هؤلاء النرجسيون للثناء والمديح والإطراء التام (McCullough, Emmons, Kilpatrick & Mooney, 2003). وخلصت الدراسة الكيفية التي أجراها نيكولاسجيإسدايوميشيلإلتاونسندوبرينإفإسغرينيير (2020) أن أقارب ذوي اضطراب الشخصية النرجسية أقروا بأن هؤلاء الأشخاص لا يتوقفون عن اعتبار أنفسهم ضحية وتسيطر عليهم عقلية الضحية، سواء كانوا يشعرون بالفعل بأنهم ضحايا أو يلعبون دور الضحية لتعديل التفاعلات الاجتماعية لصالحهم على الدوام (Day, Townsend &Grenyer, 2020).

وإذا كتب لك التفاعل لمدة طويلة ما شخص ما من ذوي اضطراب الشخصية النرجسية ستلاحظ أنه ينقصه كل من “الوعي بذاته”، و “التدبر أو التأمل في ذاته”، أو ما يمكن التعبير عنه باستخدام مصطلح “التعامي عن الذات”.

وبصورة عامة يواجه ذوو اضطراب الشخصية النرجسية متاعب وصعوبات جوهرية في الوعي بسلوكياتهم وكيف تؤثر هذه السلوكيات على الآخرين، وربهم يعجزون عن الاعتراف بهذه السلوكيات وتأثيراتهم حتى وإن أظهرها الآخرون لهم بصورة لا تقبل الشك، وربما تكمن هذه الخاصية في شعورهم على الدوام بأنه محل هجوم أو اعتداء من قبل الآخرين خاصة عندما يخبرونهم أنهم يرتكبون سلوكيات خاطئة؛ ذلك لأن هذا الأمر يتعارض مع شعورهم المتضخم بذواتهم، ونتيجة شعورهم المتضخم بالذات وتصورهم أنهم متمايزون نوعيًا عن الآخرين ربما يلعبون دور الضحية في عديد من المواقف.

وترتبط بعض أسباب ممارسة ذوو اضطراب الشخصية النرجسية للعب دور الضحية بالمظاهر الأساسية لهذا الاضطراب والتي تتمثل في:  شعورهم الطاغ بالجدار والاستحقاق، ميلهم إلى الإنكار، أوهام العظمة والتفوق التام، ادعاء الكمال والتمامية، الإسقاط، الحاجة إلى السيطرة، الغضب النرجسي، وانخفاض معامل التعاطف مع الآخرين. وسيتم تناول هذه الخصائص بالتفصيل في علاقتها بعقلية الضحية.

3- العلاقة بين خصائص ذوو اضطراب الشخصية النرجسية وعقلية الضحية:

يجدر التأكيد على أنه من الخطأ تصور أن كل ما يمارسون لعبة دور الضحية لديهم اضطراب الشخصية النرجسية، وأيضًا من غير المتصور أن كل ذوو اضطراب الشخصية النرجسية لديهم عقدة متلازمة عقلية الضحية، ومع ذلك ربما تزيد الخصائص التي يتصف بها ذوي اضطراب الشخصية النرجسية من احتمالات ممارستهم للُعْبة دور الضحية وفيما يلي توضيح لهذا الأمر:

         أ‌-         الشعور بالاستحقاقSense of entitlement: 

يسيطر على التكوين النفسي لذوي اضطراب الشخصية النرجسية شعورًا قويًا بالتميز والتفوق واستحقاق كل التقدير والاحترام والإعجاب من قبل الآخرين ويتوقعون حتمية أن يكيل لهم الآخرون كل آيات الثناء والمديح والتوقير والاعتراف بجدارتهم واقتدارهم؛ ومن ثم يتوهمون أنهم يستحقون أن يعاملهم الآخرين معاملة خاصة واستثنائية تنزلهم مكانًا عليًا واعتبارًا شديدًا وحتمية أن يكون لهم امتيازات توجبها بالضرورة هكذا فيما يعتقدون خصائصهم وقدراتهم المفارقة والفائقة عن خصائص وقدرات الآخرين.

وعندما يصدر من الآخرين خلاف ما تقدم، تنتاب ذوو اضطراب الشخصية النرجسية ردود أفعالة مفعمة بالغصب المقترن بتوجيه اللوم إلى الآخرين بصورة شديدة ومغلفة بنقد جارح ومهين لهم.

والأمر الغريب أيضًا والذي يجذر عقلية الضحية في التكوين النفسي لذوي اضطراب الشخصية النرجسية أن شعورهم بالاستحقاق القائم على تصورهم اقتدارهم وجدارتهم وتمايزهم الفائق عن الآخرين أن كل ما يفعلونه أو يقولونه هو دائمًا الأفضل والأصوب والأكثر حكمة بل ومن أجلك أنت ومن أجل مصلحتك، وأن عدم اعتراف الآخرين بذلك يدفع هؤلاء النرجسيون إلى الاستياء والغيظ والغضب ومن ثم توبيخ الآخرين ولوهم، وتراهم يقولون على الدوام “لا أصدق بعد كل ما فعلته من أجلكم أن يكون جزائي كل ذلك النكران والجحود”؛ وعلى ذلك ينتقل ذلك الشخص المصاب باضطراب الشخصية النرجسية من دور البطل إلى ممارسة لعب دور الضحية، ومع استدامة هذه الممارسة تستحكم هذه الممارسة لتصبح متلازمة عقلية الضحية.  

       ب‌-      حيل الدفاع النفسي Defense mechanisms:

يستخدم كل إنسان عديد من حيل الدفاع النفسي في الظروف المختلفة ولأسباب مختلفة، دون أن يكون لدينا وعيًا كاملاً بأننا نمارسها؛ ورغم ذلك فإن لهذه الحيل الدفاعية تحقق أغراضًا وأهدافًا نفسية محددة. وعادة تقينا حيل الدفاع النفسي من تذكر الخبرات المؤلمة، وتساعدنا في أوقات أخرى على مواجهة التهديدات المُدْركة لهويتنا وتكاملنا وشعورنا بأنفسنا.

ويستخدم ذوو اضطراب الشخصية النرجسية أيضًا حيل الدفاع النفسي لوقاية أنفسهم، وعادة يعيش ذوو اضطراب الشخصية النرجسية مع ما يعرف أوهام العظمة delusions of grandeur، وربما تدفعهم اعتقاداتهم الزائفة عن أنفسهم إلى تصور أنفسهم على أنهم أبطال من ورق خارقون ولا يقهرون وأنهم يتميزون بسمات وقدرات فائقة، رغم ما يستقر في تكوينهم النفسي الداخلي من أنهم أبطال زائفون. 

ويعد “الشعور والاعتقاد بالعظمة Grandiosity ” حيلة دفاع نفسي تعبر عن شعور الشخص بالقوة والأهمية الشخصية بصورة تامة دون أن يكون ذلك الشعور أو ذاك الاعتقاد مؤسسًا على وقائع حقيقية.

وربما تنشأ وتتطور لدى ذوي اضطراب الشخصية النرجسية هذه الاعتقادات لتعويض خبرات الطفولة المؤلمة؛ ولما كان تقدير النرجسيون لذواتهم يتأسس على هذه الاعتقادات الزائفة يعانون مما يعرف بالاستهداف للانكسار النفسي واليقين النفسي الداخلي ربما غير المدرك تمامًا بالضعف والهشاشة النفسية.

وإذا كان لدى الشخص أوهام التميز والاستعلاء والاستحقاق أو العظمة والأهمية فإنه إذا تعرض لموقف يثبت فيه أنه غير بطل أو غير قادر وفائق ربما يلجأ لا شعوريًا إلى تسويغ أو تبرير هذا الأمر بأن الآخرين يتعمدون إلحاق الضرر به أو التقليل من شأنه بسبب الغيرة والحقد.

وربما تكون حيلة “الإسقاط projection” أحد حيل الدفاع التي يستخدمها ذوو اضطراب الشخصية النرجسية، وفيها يسقط ذلك الشخص النرجسي مشاعره وواقعه على شخص آخر وتراه يردد على الدوام “لست أنا، بل هم”.  

       ت‌-        الحاجة إلى السيطرة Need for control:                        

يوجد لدى عديد من ذوي اضطراب الشخصية النرجسية حاجة عالية جدًا للسيطرة على الآخرين، الأمر الذي يجعلهم في أحيانٍ كثيرةٍ يمارسون لعب دور الضحية كآلية لتحقيق هذا الغرض.

وطبيعي أن يتوجه الإنساني إلى نوعٍ ما من اللين في موقفه أو ربما التراجع عنه إذا خاض مشادة أو جدالاً يتعرض فيه للهجوم من قبل شخص آخرًا، وكثيرًا ما يجد ذوو اضطراب الشخصية النرجسية أنفسهم في مثل هذه المواقف عندما يبالغون تمامًا في الادعاء بصواب وتمامية تصوراتهم وآرائهم  والتي يعبرون عنها دائمًا بأنفة وثقة واستعلاء وتكبر يجبر الآخرون على اتخاذ مواقف سلبية منها وربما نبذهم والابتعاد عنهم.

وقد يبدي الشخص النرجسي مرونة ظاهرية خادعة وموقفية فقط حول بعض الأشياء والآراء إذا تم مواجهته بأنه على غير صواب أو غير منصف؛ ومن ثم إذا مارس ذوو اضطراب الشخصية النرجسية دور الضحية فإنه يتكئون عليه كحيلة أو تكتيك لحماية أنفسهم والحفاظ على السيطرة على الآخرين حال إخفاق الطرائق الأخرى في تحقيق ذلك. 

ومن المحتمل أيضًا ووفقًا لما خلصت إليه دراسة أورسا كي جي ناجلير وكاترينا رايتر وماركو فورنتر وجون روثمانNagler , Reiter, Furtner&Rauthmann(2014) أن ذوي اضطراب الشخصية النرجسية الذين يتصفون بالذكاء الانفعالي المرتفع فيما يعرف اصطلاحيًا بالذكاء الأسود dark intelligence’ يعرفون كيف يضبطون وينظمون انفعالاتهم ومشاعرهم ويقرأون مشاعر وانفعالات الآخرين بصورة أفضل، ويستثمرون ذلك بسهولة في لعب الأدوار المختلفة خاصة دون الضحية للحصول على ما يريدون من الآخرين.

       ث‌-      الحنق والغيظ والغضب العارم Rage:

يصعب على ذوي اضطراب الشخصية النرجسية تقبل النقد أو الرفض، الأمر الذي ربما يرتب لديهم ردود أفعال سلبية من بينها نوبات الغضب التام والغيظ والحنق الشديد المقترن بالرغبة في إيقاع الضرر بالآخرين، فيما يعبر عنه بالنار الانفعالية التي يطال لهيبها الآخرين، ويعبر عن ذلك بما يعرف ب “الحنق النرجسي narcissistic rage”، ومن بين جوانب ذلك الغيظ والحنق النرجسي شعور النرجسي بأنه ضحية لاعتداءات الآخرين عليه وتراه يردد على الدوام “أنا شديد الاستياء منك لأنك اعتديت علي أو هاجمتني”.

ويتضمن الحنق والاستياء والغضب النرجسي جانبًا آخرًا حتى وإن كان الشخص النرجسي لا يشعر كأنه ضحية شخص آخر، وهو إدراكه أن لعب دور الضحية ربما طريقة من طرائق تبرئته من المسئولية عن غضبه وغيظه وحنقه وإسقاطها على أشخاص آخرين.

ويعبر النرجسيون عن خاصية “الغيظ والحنق النرجسي” هذه بطرائق متعددة، منها توجه البعض منهم إلى التعامل مع مصادر التهديد بطريقة انتقامية vindictive way  استباقية في واقع الأمر إذا توافرت لديهم القوة والفرصة، أو قد يلجئون إلى لعب دور الضحية. 

       ج‌-       انخفاض معامل التعاطف Low empathy:

الشعور بالذنب انفعالاً إنسانيًا ذا طابع أخلاقي وعادة ما يدرج تحت فئة الانفعالات الأخلاقية يجعل الإنسان في حالة دائمة من مراقبة ذاته ومراجعتها وربما تصويبها، وعندما يكون مستوى الشعور بالذنب متوازنًا فإنه يكون بمثابة عامل وقاية من السلوك المضاد للمجتمع أو السلوك المختل أخلاقيًا.

وخلصت نتائج دراسة بولين جورج يسبوليس وليندا تورستفيت وريكاردو جريجوري ولوجو وماريتا أندريسن وستيفان سوترليند PolessTorstveit , Lugob , Andreassen&Sütterlinde (2018) إلى أن النرجسيين من ذوي الشعور بالضعف الداخلي وادعاء العظمة والتميز ربما يشعرون بالذنب في بعض المواقف، الأمر الذي يدفعهم باتجاه استخدام حيل التلاعب والاستغلال والانتهازية للحصول على ما يريدون.

ويفضي انخفاض معامل التعاطف لديهم إلى تجاهل وإنكار مشاعر وانفعالات الآخرين وتعذر أن يضعوا أنفسهم مكانهم بما يعبر عنه اصطلاحًا بالعجز عن اتخاذ منظور الآخرين، ومن هنا يسهل عليهم الاعتداء على الآخرين والتعامل معه بصلف وعنف وتعالٍ واستكبار.

وإذا شكوت على سبيل المثال من أذى ما ألحقوه بك يرون أنك غير محق في مثل هذا الأمر ويتعذر عليهم فهم طبيعة الضرر الذي لحق لك، بل ويرون أن شكواك غير منصفة بل وتمثل ظلم لهم، وتبعًا لهذا السيناريو يرى مثل هؤلاء النرجسيون أنهم ضحايا لسوء ظن الآخرين حتى وإن قلت فقط أنهم أضروا بك أو أساءوا إليك.

من جانب آخر يمكن أن يفضي انخفاض معامل التعاطف بهم إلى الإسراف في استخدام فنيات التلاعب بالآخرين ومع ممارسة لعب دور الضحية إلا إحدى هذه الفنيات لتحقيق أغراضهم والحصول على ما يريدون حتى وإن آذوك أو أضروا بك.

خامسًا- المصادر:

1-    Abby Moore (2021).8 Types Of Narcissists & How To Distinguish Them

2-    ‌American Addiction Centers (2020).Overcoming the Victim Mentality.

3-    Crystal Raypole  (2019). How to Identify and Deal with a Victim Mentality.

4-    Sandra Silva Casabianca (2020).Why Do Some People with Narcissistic Personality Disorder Play the Victim?

5-    Teresa Ngige (2021). Blaming: How Do We Deal With It?.

6-    What Is a Victim Mentality?:https://www.webmd.com/mental-health/what-is-a-victim-mentality

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى