يوسف زيدان الرجل الذي باع عقله.. حين يصبح التاريخ طبخة مقلوبة
خالد جمعة | رام الله – فلسطين
قال ليبرمان: “سعيد للغاية بتصريحات المؤرخين المصريين التي تنتزع القدسية عن أكبر إرهابي في التاريخ الإسلامي، صلاح الدين الأيوبي، وعن أسطورة المسجد الأقصى المصطنعة، إنها تدفع باتجاه إيجابي بكون القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل”.
من الناحية الثقافية، فإنه من الضروري إعادة قراءة التاريخ كلما توفرت وسائل أكثر حداثةً تمكننا من التدقيق فيما كتبه المؤرخون القدامى، ولكن في العقدين الأخيرين، خرج علينا بعض المستثقفين ليستغلوا هذه الضرورة ويعملوا من التاريخ “طبخة مقلوبة، وكأننا خسرنا فلسطين في نقاش تاريخي على حد تعبير مريد البرغوثي، ولم نخسرها بقوة سلاح الأعداء وطرده لآبائنا من قراهم ومدنهم.
دعونا نعرف أولاً من هو يوسف محمد أحمد زيدان، الأستاذ الجامعي “المتخصص في التراث العربي المخطوط”.
ولد زيدان في الثلاثين من حزيران 1958، في سوهاج المصرية، ودرس في الإسكندرية وحصل منها على شهاداته العلمية، في الفلسفة والفكر الصوفي والفلسفة الإسلامية، وساهم في إنشاء قسم المخطوطات في مكتبة الإسكندرية وعمل رئيساً له، وتم فصله من وظيفته عقب نشوب خلاف بينه وبين رئيس مكتبة الإسكندرية.
له عدة مؤلفات في التصوف والفلسفة والرواية وتحقيق الكتب.
ويتبع زيدان نظرية اعتماد العقل على النقل [نظرية المعتزلة]، وقد بدأها بالقول إن قصة الإسراء والمعراج مثلاً كتبت في القرن الثالث الهجري، مستغلاً فكرة عصر التدوين، وأن ما قبله كان عصر شفاهة، مع أن عصر التدوين لم يبدأ في القرن الثالث الهجري، بل بدأ مع الفراهيدي في منتصف القرن الثاني الهجري، وهذا عليه إجماع من المؤرخين، لكن يوسف زيدان يتمتع بهذا النهج، يقدم التواريخ ويؤخرها بما يخدم فكرته، فقد شاهدته في أحد لقاءاته يقدم أحداثاً من عصر الدولة الفاطمية بمئة سنة عن تاريخها الحقيقي، كل ذلك ليخدم فكرته، وليس لدي أي شك في أنه يعرف التاريخ الحقيقي للحادثة التي ذكرها.
وعودة لقصة الإسراء والمعراج، وهنا لا أريد أن أناقشها كحادثة، بل أريد نقاش ما قاله يوسف زيدان من أنها كتبت في القرن الثالث الهجري، فإذا كان هذا صحيحاً، فكيف وردت الحادثة في سورة الإسراء في القرآن الكريم؟ إلا إذا كان القرآن نفسه كتب في القرن الثالث الهجري، وهذا ليس بعيدا عن منطق يوسف زيدان، لكنه يعود في نفس المقابلة ليقول إن الإسراء ذكر في القرآن، وما تم تأليفه هو المعراج!.
“المعراج قصة روجها القصاصون في القرون الأولى زي ما الناس بتقعد في القهاوي دلوقتي وبيحكو حاجات”.
وزاد على ذلك أن الإسراء والمعراج قصة من الإسرائيليات والتراث الفارسي، وأن عمر بن الخطاب حين ذهب إلى القدس لم يجد مسجداً يصلي فيه فكيف يكون هناك معراج، وهذا بالطبع اسمه “استهبال رسمي”، لأن الكعبة نفسها لم تكن مسجداً وقتها حين نزلت الآية “من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى”، وحديث النبي “جعلت لي الأرض مسجداً طهوراً”، يكون خاطئاً حسب نظرة يوسف زيدان لأن الأرض ليست كلها مسجداً…
بعد ذلك خرج يوسف زيدان بنظرية “الأقصى ليس في القدس”، وأن الأقصى المذكور في القرآن موجود على طريق بين الطائف ومكة!، وهذه النظرية بالمناسبة نظرية استشراقية قديمة تبناها زيدان، وتبنى معها أن طور سيناء بالقرب من المدينة المنورة، بالطبع سيكون كذلك حين لا تأتي بدليل أركيولوجي أو تاريخي مثبت على ما تقول، وإلا فأنا أستطيع القول بأن اليمن في قلب القاهرة، ولن يحاسبني أحد.
في المجمل، ليس لدي مشكلة في انتقاد سلوك قائد سواء كان إسلامياً أو غير إسلامي، ولكن هذا الانتقاد أيضاً له أصول، وطريقة النقد توضح ما إذا كان هذا النقد مشخصناً أو موضوعياً، ففي مقابلة مع عمر أديب على قناة أون تايم، يقول يوسف زيدان: “صلاح الدين الأيوبي كان من أحقر شخصيات التاريخ”، وأن قصة واإسلاماه تزيد إحساس العنف عند الأطفال، السؤال الذي يمكن توجيهه لزيدان: هل قرأت التوراة؟!.
المثير في الأمر أن أفيجدور ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها عبر عن سعادته بتصريح يوسف زيدان عن شخصية صلاح الدين الأيوبي، وقال ليبرمان: سعيد للغاية بتصريحات المؤرخين المصريين التي تنتزع القدسية عن أكبر إرهابي في التاريخ الإسلامي، صلاح الدين الأيوبي، وعن أسطورة المسجد الأقصى المصطنعة، إنها تدفع باتجاه إيجابي بكون القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل”.
لم يتوقف زيدان عن هذا، بل صرح بأن القدس وفلسطين ملكية مشاع، وهي مدينة لكل الأديان بالمنطقة ولا يصح أن تكون مستقبلا عاصمة لفريق من الفرقاء، وإلا دام الدم النازف، وبقي القتل الجارف… إلخ. وجاء هذا ضمن تغريدة طويلة له يمكنكم البحث عنها ورؤيتها، مملوءة بالأخطاء والتواريخ الخاطئة.
دعنا نفهم، القدس هي القدس نفسها؟ لنتمكن من الرد على “نظريتك”؟!
وحين قام علماء إسلاميون بالرد عليه قال في تغريدة له: مفهوم الجهاد في الدين كان دائما “الأكبر هو مجاهدة شهوات النفس، والأصغر هو المجالدة القتالية، وأن الله لم يذكر جهاد الفيس بوك ولا تويتر ولا انستجرام، فهذا لم ينزل بها الله سلطاناً”.
وبالطبع بعد أن قال إن ما تسمى مدينة السلام كانت دائما مدينة الدم والحروب، عاد ليقول: يجب الحفاظ على مدينة القدس لتكون عاصمة لجميع الأديان، المدينة التي تعد نموذجا لتعاقب الثقافات والحضارات الإنسانية”، يا أخي وضح لنفهم، حروب ودم، أو حضارات وثقافة إنسانية؟…
وفي حوار مع صحيفة الوطن قال زيدان إن القضية الفلسطينية لن تحل بالعنف والكراهية المتبادلة بين الطرفين، ولكن بدعاوى العقل، وإنه لا يمانع من تخصيص جزء صغير من باحة المسجد الأقصى لبناء المعبد اليهودي، باعتبار أن اليهودية ديانة يعترف بها الإسلام…
انتبهوا: الكراهية بين الطرفين، على أساس أننا نتنازع على كرة قدم، والسيد زيدان لا يمانع من تخصيص جزء صغير… على أساس أن الأمر متوقف على ممانعته وتسامحه.
وعندما حشر في الزاوية سأله الصحافي: قلت إنه من المفترض أن تكون القدس عاصمة لكل الأديان، فهل هذه دعوة لتقسيم المدينة؟
أجاب: على العكس، أنا أدعو أن تظل القدس واحدة لجميع الأديان التي كانت بالمنطقة، وليس فقط للديانات الإبراهيمية، ولكن أيضًا للديانات الوثنية الرومانية، وأنا ضد تقسم المدينة في الأصل، ودعوتي هي للحفاظ على المدينة وليس لضياعها، فالقدس شئنا أم أبينا هي مدينة لكل الديانات التي كانت بالمنطقة وليس فقط الديانات الإبراهيمية، وبالتالي فالمطالبة بالحقوق التاريخية لجماعة معينة هي مطالبة لا معنى لها، لأن اليهود يرفعون شعار أنها عاصمة إسرائيل، والفلسطينيون يرفعون في المقابل شعار القدس عاصمة فلسطين، ثم جاء الحال بتقسيم المدينة إلى القدس الشرقية والقدس الغربية، وبالتالي بدأت المشكلات…
ومن قال لك إن المدينة تم تقسيمها إلى شرقية وغربية؟ أليس الجزء الغربي هو الذي احتلته إسرائيل عام 1948، والجزء الشرقي هو الذي تبقّى إلى أن احتلته إسرائيل عام 1967؟ أم أنك تظن أن هذا التقسيم حدث بمزاج الفلسطينيين؟ أم أنك لم تقرأ التاريخ؟ أم أنك قرأته ولا تريد أن تضعه في كلامك؟.
ثم يوجه إليه سؤال: ألا ترى أن الفلسطينيين لا يسعون إلى إقصاء الآخر، بينما يسعى الصهاينة إلى إقصاء الجميع عدا اليهود؟
فيجيب: هذه دعايات جوفاء، والقدس حتى في خلال التاريخ الإسلامي ظلت في أيدي الصليبيين فترة طويلة، وبالتالي فتاريخها الإسلامي ليس إسلاميًا خالصًا.
الصحافي: ألم تكن القدس محتلة من الصليبيين؟
زيدان: كانت محتلة من وجهة نظر المسلمين، أما من وجهة نظر المسيحيين فهي محتلة من قبل المسلمين، من بعد العهدة العمرية، ثم إن العهدة العمرية – وهذا من المدهشات – لم تستعمل أبدًا كلمة القدس ولا بيت المقدس، وإنما لأربع أو خمس مرات يذكر اسم المدينة في هذه العهدة باسمها المسيحي الذي كان معروفا آنذاك باسم «إيلياء»، وبالتالي فالمسيحية لا تعرف القدس ولا تعرف أورشليم.
الحقيقة أن ولداً في الخامس الابتدائي كان سيجيب بطريقة اكثر ذكاء ومعرفة، فالمسيحية ظهرت هنا، في حارتنا، والمسيح فلسطيني، ابن فلسطينية، تربى وعاش وصُلب على هذه الأرض، وعندما يأتي الصليبيون من أوروبا لكي يمنعوا ثورات شعوبهم عليهم حسب فتوى البابا، فهذا اسمه احتلال، ليس لأنهم مسيحيون والقدس مسلمة، بل لأن لا علاقة لهم بالقدس ولا بالمسيحية، كيف يدافع غريب عن الدار ضد أصحابها؟ أم لم تعرف أن هناك مسيحيين قاتلوا إلى جوار صلاح الدين ضد الصليبيين؟ يبدو أنك تعرف ولكنك لا تريد القول.
وفي اجابته على السؤال: أليست القدس مدينة فلسطينية؟
يعنيني الواقع الحالي بمشكلاته، وأنظر إلى التراث لأفهم أبعاد هذه المشكلة، لكن لا أعيش في مقولات هذا التراث، وإلا فسيقول كل فريق أنه صاحب المدينة، القدس لم تكن موجودة بهذا الاسم، ثم بعد تقسيم المنطقة على يد الاستعمار البريطاني، كانت حينًا بيد العرب ثم صارت بيد اليهود.
تعتبر فترة الاستعمار البريطاني فترة وجود إذن، حسناً، أعِد الإسكندرية إلى اليونانيين، وأعِد سيناء إلى اليهود، وأعِد القاهرة إلى الفرنسيين، وأعد مدنك الشمالية إلى الأتراك كي نقتنع بأنك تتكلم عن قناعة.
يوسف زيدان: إذا كان الفلسطينيون يقولون إن اليهود احتلوا المدينة، فإن اليهود أيضًا يقولون إن الوجود العربي والإسلامي احتلال للمدينة العبرانية… المدينة العبرانية؟ هذه الفقرة من التوراة:
“فلم يرد الرجل أن يبيت، بل قام وذهب وجاء إلى مقابل يبوس، هي أورشليم، ومعه حماران مشدودان وسريته معه، وفيما هم عند يبوس والنهار قد انحدر جداً، قال الغلام لسيده: تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها، فقال له سيده: لا نميل إلى مدينة غريبة حيث ليس أحد من بني إسرائيل هنا”…
سفر القضاة ـ إصحاح 19
*الصحافي: لكن على أرض الواقع اسرائيل تعتدي على الشعب الفلسطيني، وتمنع المسلمين من الصلاة؟
زيدان: التشدق بمثل هذه الوقائع الفرعية يشتت أنظارنا عن المشكلة الأساسية وهي ضرورة حسم الخلاف الفكري والعقائدي والفكري والثقافي، وهي وقائع فرعية، فمثلًا في يوم عيد الفطر، وفي باحة المسجد الأقصى وقبة الصخرة كان هناك ما يقرب من مائة ألف مصل، ولم يتعرض لهم أحد، ومن الأجدى أن نفكر بعقولنا وليس بأوهامنا الموروثة، هم يبحثون على الهيكل مثلما نبحث نحن عن الآثار الفرعونية لا أكثر، إنما المعبد اليهودي المندثر والمسمى بهيكل سليمان لم تكن مساحته تزيد على 200 متر مربع، أما قبة الصخرة والمسجد الأقصى والباحة المحيطة بهما (حرم المسجد) أكثر من 30 ألف متر مربع، وقريب من المسجد الأقصى كنيسة القيامة المرتبطة بالوجدان المسيحي، فماذا يحدث لو أعطى المسلمون لليهود 200 متر مربع من باحة المسجد الأقصى لبناء معبد يهودي يسمى هيكل سليمان؟.
والرد الجدي على ما تقول: ما الذي يسمح لهم بإقامة معبد في باحات الأقصى، وهم منذ خمسة عقود يدفعون تريليونات الدولارات [حرفيا]، لبعثات تنقيب كي يعثروا على حصاة تحمل بصمة من تاريخهم المدعى، ولم ولن يجدوا، لم يجدوا هذا مضمون، فكيف لن يجدوا؟ اسمع ما يقوله إسرائيل فنكلشتاين، الذي يعتبره العالم أبو الأركيولوجيا، وهو إسرائيلي، يقول: وجدنا مواد تعود إلى فترة ما قبل الهيكل، ومواد تعود إلى فترة ما بعد الهيكل، ولو كان الهيكل موجوداً لكان بين الطبقتين، وهذا لا يعني فقط أننا لم نعثر على الهيكل، بل إن الهيكل ليس هناك…
كما أن زيدان يعتبر الماسونية وبروتوكولات حكماء صهيون أوهاماً اخترعها العرب لتبرير خيباتهم، وأن الماسونية ليست شراً كما يحلو لبعض الإعلاميين “الجهلة” ترديدها [على حد وصفه]، وأن إيجاد وطن قومي لليهود هي فكرة لا تختلف كثيراً عن فكرة إحياء الخلافة التي يبحث عنها العرب.
في الجزء الأخير من هذا المقال، سأتعرض لواحدة من روايات يوسف زيدان، والتي فازت بجائزة البوكر عام 2009، وجائزة أنوبي عام 2012، وهي روايته الأشهر: عزازيل التي صدرت عن دار الشروق المصرية عام 2008.
أولاً، الرواية ليست تأليفاً خالصاً، بل تعتمد على تاريخ معين في القرن الخامس الميلادي في جغرافيا تمتد بين الصعيد المصري والإسكندرية وفلسطين وسورية بعدما استقرت المسيحية كديانة للإمبراطورية الرومانية، وبطلتها هي هيباتيا التي قتلها المصريون في الشارع باعتبارها “مهرطقة”.
رواية زيدان مقتبسة عن رواية “أعداء جدد بوجه قديم” لتشارلز كينغسلي، ومزجها مع بعض الأحداث من رواية أمبرتو إيكو “اسم الوردة”، وحين تم اتهام زيدان بذلك، قال إنه لم يقرأ رواية كينغسلي ولا يعرف عنها شيئا، ولكن منتقديه عادوا إلى حوار معه في مجلة روز اليوسف المصرية قال فيه إنه قرأ الرواية.
كما أثيرت انتقادات واسعة حول زيدان وسرقاته لروايات أخرى، من أدباء مثل دوروثيا ديكمان، التي أخذ عنها فكرة رواية غوانتانامو، ورواية ظل الأفعى التي أخذ فكرتها من روائية سنغالية “مريما با” والتي حملت عنوان “خطاب طويل جداً”.
ولأنني لا أريد الإطالة في هذا الموضوع، فبإمكان أي شخص معني ولديه الوقت أن يبحث عن روايات زيدان المذكورة، ويبحث عن الروايات التي ذكرت أنه اقتبس منها، ومعظمها موجود على الإنترنت ويمكن تنزيله مجاناً، أما عن آرائه، فيمكن الرجوع إلى اليوتيوب ومشاهدتها بوضوح.
في الختام، إن يوسف زيدان نموذج واضح للمثقف الذي يبيع أعضاءه من أجل جائزة، وقد باع هذه المرة أرخص ما فيه: عقله.