تلاوة القرآن بين الوهابية والمدرسة المصرية
حسام عبد الكريم | باحث من الأردن
حلت قبل يومين ذكرى وفاة الشيخ محمد صديق المنشاوي سنة 1969 والذي كان من أكبر وأشهر قراء القران في مصر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
وبهذه المناسبة نستذكر الأكابر من القراء مثل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وغيره من رموز المدرسة المصرية التقليدية للتلاوة، والذين كانوا من ضحايا الهجمة الوهابية على مصر والتي بدأت في عصر السادات.
والآن تكاد لا تعثر على أمثال هؤلاء الكبار في مصر الذين تميزوا بتلاواتهم الرائعة وأصواتهم العذبة وطريقتهم الفنية الجميلة التي كانت تجعل تلاوة آيات القرآن الكريم متعة حقيقية للسامعين.
لم تكن المدرسة الوهابية تنظر بارتياح لأمثال الشيخ عبد الباسط ومحمد رفعت وأبو العينين شعيشع؛ بل كانوا يشتبهون في توجهاتهم الصوفية ونزعاتهم العرفانية التي يعتبرونها نوعا من الزيغ والضلال.
والوهابيون لا يرتاحون لتلحين القرآن الكريم بتلك الطريقة الفنية الجذابة.
وبسبب القوة المالية التي تتمتع بها فإن الوهابية وقراءها انتشروا، أولاً عبر الأشرطة والكاسيت، وبعدها عبر الفضائيات، والآن عبر الانترنت والمواقع، في دول الخليج ثم بقية الدول العربية.
وصرنا الآن نرى شيوخاً يتلون القرآن بطريقةٍ فيها جفاف وأحيانا تخلو من العذوبة الروحانية حيث تجد صوت أحدهم يتحشرج وكأنه يحاول اجترار البكاء ليخلق جواً خانقاً في صفوف المصلين خلفه حتى يصبح المسجد مليئاً بأصوات الهمهمات والتنهدات والبكاء الصاخب وخصوصاً عندما يركز الشيخ على آيات العذاب والنار ويكررها مرارا . وشيوخهم يعتبرون “التباكي” عند قراءة القران أمراً لا بأس به, بل ومرغوباً, لأنه يزيد من “خشية الله” في نفس المؤمن.
كان قراء القرآن المصريون أقرب ما يكونون الى “فنانين دينيين” حيث يمتزج الإيمانُ بالفن, والروحُ بالإيقاع. بل إن الأمر وصل إلى حد التعاون الفعلي بين فناني مصر وشيوخها وذلك عندما لحّن بليغ حمدي سنة 1972 رائعة “مولاي إني ببابك” للشيخ النقشبندي فأنتج ذلك ابتهالاً دينياً هو تحفة فنية رائعة.
نأمل أن تعود المدرسة المصرية في التلاوة إلى سابق تألقها, وأن تتخلص من تأثيرات مذهب القسوة والجفاف الوهابي الذي تغلغل وانتشر بفعل قوة المال والسيطرة على وسائل الإعلام.
احسنتم بارك الله فيكم