الهجرة بين واقع إقتصادي مأزوم وحلول ممكنة
د. عذاب العزيز الهاشمي
تعتبرالهجرة محورا لسِجال سياسي مكثف في السنوات الأخيرة, وفي حين أن معظم الناس لديهم تصورات إيجابية تجاه المهاجرين، فإن هناك بعض التصورات الخاطئة وبواعث القلق ذات الصلة، ومنها اعتقاد البعض بأن المهاجرين عبء على الاقتصاد, لكن جائحة كورنا أدت إلى توقف مفاجئ في تدفق المهاجرين, وفي حين أن الإغلاق العام عارض مؤقت، فإن الجائحة قد تعزز الشعور العام بالتحفظ والتشكك في صواب الانفتاح ولها آثار أطول أجلا على مدى رغبة البلدان في استقبال المهاجرين, ويمكن أن يؤدي تراجُع الهجرة وارتفاع البطالة في الاقتصادات المُستَقْبِلة إلى الإضرار بالبلدان المُرسِلة، ولا سيما الفقيرة منها، التي تعتمد اعتمادا كبيرا على التحويلات التي يرسلها العمال المهاجرون إلى بلدانهم الأصلية.
وأحد الأسباب الأساسية للهجرة هو فرق الدخل بين البلدان الأصلية وبلدان المقصد فالبلدان الأغنى تجذب عددا أكبر من المهاجرين، وخاصة من البلدان التي يشكل فيها الشباب نسبة أعلى من السكان, أما البلدان ذات المستويات الأقل من حيث متوسط نصيب الفرد من الدخل، فتشهد خروج أعداد أكبر من المهاجرين، ولكن هذه الأعداد لا تشمل السكان شديدي الفقر فقط ,بل ونجد أن اذا كان متوسط نصيب الفرد من الدخل أقل من 7 آلاف دولار أمريكي سنويا في البلد الأصلي، تزيد الهجرة من البلدان الأقل دخلا في اتجاه الاقتصادات المتقدمة, لدرجة أنهم لا يملكون الموارد الكافية لتغطية تكاليف الهجرة.
وتفسر الحروب السبب الرئيسي للهجرة بين الاقتصادات الصاعدة والنامية – مما يؤكد أهمية القُرب الجغرافي لتدفقات اللاجئين.
- الأثر الاقتصادي
ينظر مقالنا هذا بصورة منفصلة في أثر الهجرة الكلية (المدفوعة في الغالب بأسباب اقتصادية) إلى الاقتصادات المتقدمة وهجرة اللاجئين إلى اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية حيث أن المهاجرين في الاقتصادات المتقدمة يرفعون الناتج والإنتاجية على المديين القصير والمتوسط , وعلى وجه التحديد، نوضح أن زيادة قدوم اللاجئين بنسبة نقطة مئوية واحدة مقارنةً بالعمالة الكلية يرفع الناتج بنحو 1% مع حلول السنة الخامسة من هجرتهم ويرجع هذا إلى أن العمالة الأصلية والمهاجرة يقدمون لسوق العمل مجموعة متنوعة من المهارات يكمل بعضها البعض وتؤدي إلى رفع الإنتاجية غير أن أثر الإنتاجية الإيجابي لا يكون ظاهرا في حالة اللاجئين المهاجرين إلى اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية ويعكس هذا ما يواجه هؤلاء المهاجرين من مصاعب في الاندماج داخل أسواق العمل المحلية.
وفي المنطقة العربية باتت هجرة الشباب من البلدان العربية، خلال الأعوام الأخيرة، إلى الخارج هاجساً مخيفاً للحكومات والمنظمات على حد سواء في ظل تزايد أعداد المهاجرين خاصة من الكوادر العلمية المتخصصة، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية تتمثل في حرمان هذه الدول من الاستفادة من خبرات ومؤهلات هذه الكفاءات لتؤثر سلبا على تطور الاقتصاد الوطني وعلى التركيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية, كما يضاف إلى ذلك ازدهار الهجرة غير الشرعية، التي أثارت الهاجس الأمني لدى الدول المستضيفة، خاصة في أوروبا؛ الأمر الذي دفع بالسلطات إلى فرض قيود معينة بهدف عقلنة الهجرة، أي الاعتماد على الهجرة الشرعية لتلبي وحدها متطلبات التنمية الأوروبية وسد حاجات سوق العمل الأوروبي، على أن يكون المهاجرون المعتمدون من أصحاب الأدمغة والكفاءات، وممن هم أكثر دراية وتأهيلاً في مجالات العمل المختلفة الأمر الذي أدى الى إبراز النسبة المرتفعة من الشباب العربي ممن يرغبون بالهجرة، وما يظهره ذلك من عجز البرامج والسياسات التنموية التي اتبعتها الحكومات العربية، وفشلها في استيعاب الشباب وإدماجهم في عملية التنمية، ويظهر مستويات التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي يعاني منها الشباب العربي.
كما أظهر استطلاع المؤشر العربي أن السبب الأهم للهجرة هو تحسين الوضع الاقتصادي وبنسبة 47%، ثم عدم الاستقرار الأمني وبنسبة 10%، وأفاد 9% من المستجيبين أن يرغبون بالهجرة لأسباب سياسية، وهو الأمر الذي يتفق إلى حد كبير مع ما أظهره استطلاع البارومتر العربي من أن الوضع الاقتصادي والفساد هما أبرز أسباب الهجرة.
- المطلوب من الحكومات
انطلاقاً من ارتفاع نسبة الراغبين في الهجرة من الشباب، يمكن اقتراح توصيات من شأنها التخفيف من هذه الظاهرة وآثارها السلبية، مثل:
1- الشروع في عملية إصلاح سياسي، يتيح حرية التعبير والإعلام، ويضمن للشباب التعبير عن آرائهم في القضايا الوطنية عامة وما يتصل بالشباب بشكل خاص.
2- ترسيخ مبدأ سيادة القانون والعدالة وتكافؤ الفرص ومحاربة الفساد والمحسوبية.
3- الإصلاح الاقتصادي الذي يتضمن الربط بين مخرجات التعليم وحاجة سوق العمل؛ للتخفيف من حدة البطالة، وتوفير الدعم المالي للشباب من القطاعات كافة لإقامة مشروعاتهم الخاصة وتبني أفكارهم المنتجة.
4- منح الشباب ميزات ملائمة لمؤهلهم التعليمي مثل الراتب المناسب لالتزامات العمل والسكن والتأمين الصحي، بما يغريهم بالإقامة في بلدانهم بحثاً عن فرص أفضل.