الحائط رواية من لا رواية لهم
بقلم: جميل السلحوت
صدرت عام 2018 عن دار إلياحور للنّشر والتّوزيع في أبوديس- القدس رواية “الحائط” للكاتبة الفلسطينيّة الشّابّة شهيرة يوسف اطميزة أبو الكرم، وتقع الرّواية التي صمّم غلافها صالح أكرم في 135 صفحة من الحجم المتوسّط.
هذا هو الإصدار الأوّل للكاتبة شهيرة أبو الكرم، وهذه الرّواية تنبئنا بولادة روائيّة جديدة على السّاحة الفلسطينيّة في الوطن الذّبيح. فالبناء الرّوائيّ متقن ولافت، لكنّ هذا الإبداع الجميل شوّهته الأخطاء النّحوية والمطبعية والإملائيّة الكثيرة جدّا.
وواضح من هذه الرّواية أنّ الكاتبة قادرة على السّرد الرّوائيّ الذي لم يخلُ من عنصر التّشويق الجاذب للقارئ.
وقد اختارت الكاتبة موضوعا لم يجد حظّه الكافي في الرّواية العربيّة، وهو موضوع ذوي الاحتياجات الخاصّة ممّن ابتلوا بإعاقات جسديّة، وهم موجودون في المجتمعات كلّها، ومن ضمنها مجتمعنا الفلسطينيّ. وواضح أنّ الكاتبة كتبت عن حالة تعرفها بشكل وآخر، لكنّها خلطت الواقع بالخيال ممّا وضعنا أمام رواية واقعيّة، وإن كان الواقع خياليّا أحيانا أكثر من الخيال.
والرّواية تطرح موضوع شخص معاق حركيّا، استقرّ به الحال أن تكون يده اليسرى مشلولة، ولم يجد الرّعاية التي يستحقّها إلّا من والدته، فقد انتبه “زياد” بطل الرّواية منذ بدايات طفولته بأنّ أباه لا يتقبّله ولا يحبّه بسبب إعاقته، فقد جاء على لسانه:” كان الجوّ صحوا، فتحت قلبي للشّمس، واتّخذت القرار، سأعطي أبي سكّينا ليقتلني، أو فليتقبّلني كما أنا” ص13، ويلاحظ أنّ حارث شقيق زياد قد تأثّر أيضا بموقف أبيه، فنشأ على كراهيّة الأخ المعاق، وهذا ما حدث عندما بدأت قدما زياد بالحركة بعد العلاج الفيزيائيّ، صرخ زياد فرحا مناديا أمّه وشقيقه حارث الذي يصغره بعامين، وعندما رأيا أصابع قدميه تتحرّك:”وضعت الأمّ يدها على فمها، وحمدت الله كثيرا، ووصلت إليّ بسرعة، وبدأت تقبّلني وتحضنني، أمّا حارث فقد رفع حاجبيه وقال:” ألهذا تصرخ؟
نطرت إليه أمّي وقالت:” حارث تعال إلى هنا، قريبا ستمشي مع أخيك جنبا إلى جنب، هيّا تعال.
وما شأني أنا؟ قال حارث ببرود قاتل.
وانصرف بعدها إلى غرفة التّلفاز، اختفت ابتسامتي.” ص15.
وزياد هذا توفيّ والده في حادث طرق وهو في الثّامنة من عمره، لذا وبسبب عدم رعاية الأب للإبن، فإنّ زياد لم يفتقد هذا الأب كما ورد في سياق الرّواية، تماما كما واصل شقيقه حارث عدم الاهتمام أو الإنتباه لشقيقه المبتلى بالمرض، حتّى أنّ زياد لقي رعاية واهتماما من زملائه في المدرسة كسندس وريم وعليّ.
ولهذا فإنّ زياد ونتيجة للإعاقة التي عاشها، وبسبب تعامل المجتمع بطريقة سلبيّة مع ذوي الاحتياجات الخاصّة، فإنّه لم يجد من يبث همومه إليه خصوصا بعد موت والدته سوى حائط الغرفة الذي كان سرير نومه بجانبه، ومن هنا جاء عنوان الرّواية، وكأنّي بالكاتبة تريد أن تقول بأنّ الحائط الأصمّ يحنو على ذوي الاحتياجات الخاصّة أكثر من البشر.
لكنّ زياد مشلول اليد اليسرى إنسان من لحم ودم، يعي ما يدور حوله، وله احتياجاته ورغباته مثله مثل بقيّة البشر، وكان مجتهدا في المدرسة، والتحق بالجامعة ودرس الحقوق؛ ليكون محاميا ناجحا كما جاء في سياق الرّواية، ساعده في ذلك محام معروف عندما سلّمه قضيّة فساد معقدّة، واستطاع بجدّه واجتهاده أن يكشف خباياها، ويربح القضّيّة في المحاكم، ولتميل إليه صاحبة القضيّة “شفاء” حتّى اّنّها نامت أكثر من ليلة في بيته نوما بريئا، ويبدو أنّها كانت ترغب بالزّواج منه، لكنّها تركته بعد أن لم ينتبه لها رغم هواجسه وميله لها.
وقد جاء في الرّواية ومن خلال بناء شخصيّة “زياد” أنّه كان ينتبه للجنس الآخر من خلال ميوله تجاه زميلتيه سندس وريم، لكنّه لم يبح بما يدور في عقله وقلبه بسبب “عقدة النّقص” التي خلفتها له الإعاقة التي لم يتحرّر منها حتّى بعد نجاحه في مهنته كمحام ناجح، فعندما جاءته زميلته في المدرسة ريم لتوكّله بإتمام معاملة طلاقها بعد زواج استمرّ عشرين عاما، وبعد طلاقها قالت له:” لِمَ يحدث كلّ هذا معي؟ أنا فشلت في الوطيفة والزّواج وإنجاب الأطفال” ص150. وحتّى عندما صارحته بحبّها له:” أنا أحبّك قالت ريم.
لطالما مرّت فترة زمنيّة كان حلمي الوحيد أن تطرق جدران قلبي، إلا أنّها جاءت في وقت متأخر وجاءت بلا لون، بلا مشاعر، لم تحرّك بداخلي شيئا، ولم تهزّ بخارجي شعرة.” ص151.
وهكذا بقي عازبا حتّى أنّه يعترف في الصّفحة الأخيرة من الرّواية:” ابتسمت للماضي، وابتسمت لشفاء التي كنت أعلم أنّها النّجاة، ولكن بحماقتي أضعتها، ولن أعود؛ لأستجدي منها العطف فقد فات الأوان.ص153.
يبقى أن نقول بأنّ هذا النّصّ رواية شوّهتها الأخطاء اللغويّة، وهذا ما ندعو الكاتبة أن تتجنّه في أعمالها القادمة، خصوصا وأنّها لا تزال في بداية العمر والشّباب.